مشاركون في «أصيلة»: القارة السمراء تخلفها لم يكن صدفة

في مائدة مستديرة تناولت موضوع «أفريقيا والصدفة»

جانب من جمهور المائدة المستديرة حول «أفريقيا والصدفة» في اصيلة (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

تباينت مقاربات المتدخلين المشاركين في المائدة المستديرة، التي نظمت مساء اول من امس، تحت عنوان «أفريقيا والصدفة»، ضمن الدورة الثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، بين من تناول الموضوع من وجهة نظر فلسفية أو إبداعية أو تاريخية أو سياسية، على اعتبار أن الموضوع يتشعب لتتداخل وتمتزج فيه الثقافة بالسحر والأسطورة والمعتقدات ومصائر الأفراد في كثير من المجتمعات.

وانطلق شريف خزندار، مدير دار ثقافات العالم بباريس، الذي ترأس الجلسة، من عبارة «في أفريقيا لا وجود للصدفة»، للباحث الفرنسي فليب لابورث تورلا، المتخصص في الدراسات الأفريقية، كما استعاد رواية «الفواكه الحلوة لشجرة الخبز»، التي كتبها الشاعر تشيكايا أوتامسي خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، والتي يحكي فيها قصة رب عائلة من الطبقة البورجوازية الأفريقية واجه عدة مصاعب عائلية ومالية وسياسية. وبعيداً عن مواجهة الأحداث أو تشخيصها آثر الانزواء في غرفة ببيته، والتحدث إلى الأرواح، ربما تكون أرواح أجداده، ليخرج من غرفته عند الفجر بعينين حمراوين ووجه كوجه عجوز، وليعاود آليا تصرفات حياته اليومية، فهو مقتنع أن كل شيء، بما في ذلك وضعه الاجتماعي وصحته وحياته؛ كل ذلك يتقرر خارج نفسه، في بعد آخر، أو ربما في عالم آخر، وأنه بدون خيار.

وذهب فليب لابورث تورلا، الأستاذ والعميد الشرفي بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالسوربون، إلى أنه «في مقابل المفهوم القدري، هناك منطق أفريقي يقول إن لكل شيء سببا مخفيا، في شكل إرادة خفية وسرية ترتبط بالسحر والآلهة والأرواح، في الوقت الذي تقوم فيه الحضارة الغربية على العمل الترقبي والمنتظم».

وعدّد لابورث تورلا أربعة مواقف تؤطر الموضوع، وتتمثل، في «الحتمية المطلقة» و«الحتمية السببية» و«المواقف العشوائية» و«مبدأ النسبية» واللايقين في ارتباط بالبعد الوجودي، واستشهد بكل من عالم الرياضيات ألبرت إنشتاين والفيلسوف الألماني نيتشه، الذي يذهب إلى أن «من شأن الجمع والخلط بين العشوائية والصدفة والحتمية أن يولدا القوة».

ورأت الكاتبة التونسية هالة الباجي أن الصدفة تتجلى عن طريق الوجوه والناس، معتقدة أن «اللا متوقع واللا معروف والصدفة كلها من مكونات الحياة، وإلا كنا في سجن»، مشددة على أنه «لولا الصدفة لما كانت هناك حرية»، لتؤكد في ما بعد أن «الصدفة تساهم في تكثيف العلاقات بين الناس على مستوى القارة الأفريقية، في وقت نلاحظ فيه كيف أن التنظيم المحكم للحياة اليومية، قضى على اللا متوقع ومفاجأة الدهشة، كما هو الحال في المجتمعات الأوروبية».

ورأى خالد الشكراوي، الأستاذ الجامعي بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن «مأساة أفريقيا تكمن في نظرتها إلى الصدفة، من جهة أن مصيرها لم يتقرر من داخلها بل من خارجها»، متحدثاً عن الحدود الثقافية واللغوية والاجتماعية في مقابل حدود جغرافية مصطنعة، تم وضعها باستعمال المسطرة والقلم من طرف الدول الاستعمارية، منتهيا إلى حقيقة أن «تاريخ القارة الأفريقية مفعم بالتناقضات، التي لم يتم التعامل معها بالشكل الناجع». ولاحظ فيكتور مانويل باربوسا بورجس، وزير الخارجية والتعاون والجاليات السابق في جمهورية الرأس الأخضر، أن هناك صعوبة واضحة في مواجهة موضوع «أفريقيا والصدفة»، مستخلصاً بعض الأسئلة ذات الطبيعة الثقافية، في علاقة بانعكاساتها على تطور المجتمعات الأفريقية، التي تستعين بالصدفة.

وتوقف الحسن فوسيني، الصحافي الغاني، عند مفارقة أفريقية عميقة تتمثل في أن «القارة السمراء تتميز بثرواتها الهائلة وفقر أبنائها، في نفس الوقت»، فيما طرح الشاعر النيجيري نييه أوسوندري، الذي أعلن فائزاً بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي، في دورتها الثامنة، سؤال «التباين بين العلم والتطير وبين الجهل والمعرفة، وإن كان كل شيء بأفريقيا قد حدث صدفة». وقال «إن الاستعمار كان مخططاً له ولم يكن صدفة، كما أن العبودية لم تكن صدفة، وحتى ما بعد الاستعمار لم يكن صدفة، بل مخططاً له ونتيجة لتخطيط قبلي، حيث قسمت أوروبا الحدود بين الدول بشكل عقلاني، الشيء الذي ينتهي بنا إلى القول بأن مشاكل أفريقيا الحالية ليست من باب الصدفة».

وقال محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة الثقافي، في ختام هذه المائدة المستديرة، «علينا أن ننظر إلى قضية الصدفة من خلال المنظومة القيمية لكل مجتمع، فنحن مهما تعلمنا ومهما كانت توجهاتنا في العلم وأساليب العمل وفق مخططات وحسابات مدروسة نبقى بشراً».