اندلاع الحرب في أوسيتيا الجنوبية: جورجيا تتهم روسيا بغزو أراضيها

الرئيس الجورجي يقول إن روسيا تحضر للحرب منذ مدة.. وموسكو تدخل بدباباتها وطائراتها لـ«لحماية مواطنيها»

TT

فيما كانت عيون العالم مركزة على بكين لمشاهدة انطلاق دورة الالعاب الاولمبية، اندلعت الحرب في أوسيتيا الجنوبية، الاقليم الجورجي الانفصالي، بين القوات الجورجية والقوات الاوسيتية الانفصالية المدعومة من روسيا. وبعد عدة أيام من التوترات والمناوشات العسكرية، بين الجيش الجورجي والقوات الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية، بدأت جورجيا، وهي حليفة قوية لواشنطن، هجوما عسكريا كبيرا أمس على الاقليم الانفصالي بهدف استعادة السيطرة عليه، ما دفع بالقوات الروسية الى التحرك والدخول الى اوسيتيا الشمالية التابعة للسيادة الجورجية، بحجة «حماية المواطنين الروس هناك»، بمئات الدبابات مصحوبة بطائرات حربية. وتداعى مجلس الامن الدولي على الفور الى الانعقاد بشكل عاجل لمناقشة التصعيد العسكري في اوسيتيا الجنوبية.

وفي وقت نقلت وكالة الاعلام الروسية عن وزير في اقليم اوسيتيا الجنوبية، أن اكثر من 1400 شخص قتلوا خلال قصف القوات الجورجية للعاصمة تسخينفالي خلال الليل، حذرت روسيا من أنها «لن تقف متفرجة على قتل مواطنين روس أبرياء في أوسيتيا الجنوبية»، وقال الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف ان «المعتدين سيلقون العقاب الذي يستحقون لأن روسيا لن تسمح أن يمر قتل مواطنيها من دون عقاب». وقطع ميدفيديف إجازته وعاد بسفينته التي كان يقضي على متنها اجازته السنوية في احدى مقاطعات سامارا على ضفاف الفولغا.

ويحمل القسم الاكبر من سكان اوسيتيا الجنوبية السبعين الفا، جواز سفر روسيا، وتقدم موسكو دعما كبيرا لهذه الجمهورية الانفصالية الموالية لها والتي اعلنت استقلالها عن جورجيا من جانب واحد من دون ان يعترف المجتمع الدولي بهذا الاستقلال.

من جهتها، اتهمت جورجيا روسيا بشن حرب عليها داخل أراضيها، وناشدت المجتمع الدولي مساعدتها، وقال الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» التلفزيونية ان «العالم اجمع سيواجه مشاكل» اذا لم تعاقب روسيا على هجومها العسكري على جورجيا. واكد ان «هذا النزاع لا علاقة له بمنطقة انفصالية داخل جورجيا» بل بـ«التقارب» بين تبيليسي والغرب.

وقال: «ان روسيا تشن حربا ضدنا على اراضينا، ونحن في وضع دفاع عن النفس ضد جار كبير وقوي... ان جورجيا تتعرض لهجوم والدبابات الروسية قادمة. نتعرض لقصف متواصل منذ امس يتعمد استهداف السكان المدنيين».

وأكد ان «روسيا حضرت لهذا قبل سنوات واشهر»، وقال: «انهم يحشدون القوات على حدودنا منذ اربعة اشهر ولم يخفوا ذلك. هم ليسوا مسرورين لتقاربنا مع الولايات المتحدة ومع منظمة حلف شمال الاطلسي ومع الغرب عامة. ليسوا مسرورين للديمقراطية الجورجية وللطريقة التي تدار بها جورجيا». واعتبر ساكاشفيلي ان روسيا اختارت تاريخ تدخلها بينما العالم بأسره يتابع باهتمام افتتاح دورة الالعاب الاولمبية في بكين، وفي وقت الولايات المتحدة منهمكة فيه بحملة الانتخابات الرئاسية. ووصف الرئيس الجورجي هذا التوقيت بانه «لحظة ممتازة لمهاجمة بلد صغير». وأشار الى استعداده لمنح اوسيتيا الجنوبية اكبر قدر من الحكم الذاتي بضمانات دولية إذا توقفت عن القتال.

واكد انه كان شاهدا على عملية قصف جوي روسي على جورجيا. وقال «لقد شاهدت ذلك بأم العين، كنت هناك (..) عندما وصلت طائرتان روسيتان تطيران على ارتفاع منخفض جدا وببطء شديد»، موضحا انهما استهدفتا «تحديدا سوقا في ساعة اقبال كبير بعد الظهر». وقال ان الطائرتين «قصفتا حشود الناس وهناك العديد من الجرحى».

ونقلت وكالة انباء «ريا نوفوستي» عن وزير الدولة الجورجي تيمور ياكوباشفيللي، قوله إن جورجيا تتعهد بضمان سلامة ممثلي سلطات اوسيتيا الجنوبية في حال توقفهم عن المقاومة. أما في بكين، فقد أعلن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الذي يشارك في حفل افتتاح الالعاب الاولمبية ان «الاعمال العدوانية» التي تقوم بها جورجيا في اوسيتيا الجنوبية ستؤدي الى «اجراءات انتقامية».

وأبلغ بوتين الرئيس الاميركي جورج بوش في لقاء مقتضب جمعهما في العاصمة الصينية، ان متطوعين روس مستعدون للذهاب والقتال في اوسيتيا الجنوبية وانه سيكون «صعبا منعهم» من فعل ذلك، كما اعلن المتحدث باسم بوتين ديمتري بيسكوف. واضاف ان بوتين كان «مرتاحا» لجواب بوش الذي قال له «ان لا أحد يريد الحرب».

وفي واشنطن، دعت الولايات المتحدة الى وقف فوري لاطلاق النار في اوسيتيا الجنوبية وقررت ان ترسل موفدا الى المنطقة للمشاركة في جهود الوساطة الدولية، وفق ما اعلن المتحدث باسم الخارجية الاميركية غونزالو غاليغوس.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية جونزالو جاليجوس، ان الولايات المتحدة سترسل مبعوثا الى المنطقة «للانخراط مع اطراف الصراع». واضاف: «نؤيد وحدة اراضي جورجيا وندعو الى وقف فوري لاطلاق النار. نحث كل الاطراف بما فيها جورجيا واوسيتيا الجنوبية وروسيا على الحد من التصعيد وتفادي الصراع».

وفي روسيا، ذكرت مصادر الجهاز الصحافي للكرملين ان القيادة الروسية بدأت مناقشة سلسلة الاجراءات الطارئة الواجب اتخاذها لإعادة الاوضاع في اوسيتيا الجنوبية الى سابق عهدها والدفاع عن المدنيين والمواطنين الروس والمصالح القومية هناك استنادا الى تفويض قوات حفظ السلام الروسية. وأعلن بوتين، خلال لقائه مع رئيس قزقستان، نورسلطان نزاربايف، في بكين امس ان «القيادة الجورجية شنت عدوانا ضد اوسيتيا الجنوبية وهو ما يتوجب اتخاذ الاجراءات الجوابية بطبيعة الحال». واكد بوتين ضرورة ان تتخذ بلدان رابطة الكومنولث ما من شأنه دفع الجانب الجورجي الى وقف عملياته الحربية. واعرب بوتين عن اسفه تجاه اختيار القيادة الجورجية ليوم افتتاح الدورة الاولمبية «موعدا لشن عدوانها»، وقال انه اجرى اتصالاته مع ممثلي القيادتين الصينية والاميركية وان الجميع خلص الى قرار حول ضرورة وقف الحرب.

واتهم نائب رئيس لجنة الدفاع والامن في مجلس الدوما، فلاديمير فاسيليف، الولايات المتحدة بالوقوف وراء المخططات العدوانية للقيادة الجورجية. وفي التطورات الميدانية، أعلنت جورجيا أن مقاتلاتها أسقطت ما لا يقل عن خمس طائرات حربية روسية. واعترفت المصادر الرسمية في موسكو بان طائرات القوات الجوية الروسية كان تغطي الفضاء الجوي لجمهورية اوسيتيا الجنوبية «لتأمينها من هجمات الطائرات الجورجية والحيلولة دون قصف مواقع المدنيين هناك». واعلنت وزارة الدفاع الروسية مقتل اكثر من عشرة جنود روس من قوات حفظ السلام في تسخينفالي عاصمة اوسيتيا الجنوبية، اثناء الهجوم الجورجي، بحسب ما نقلت وكالات الانباء الروسية.

من جهته، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه افيد عن «مشاهد تطهير اتني» في اوسيتيا الجنوبية، وقال لافروف في مداخلة تلفزيونية «سمعنا عن تطهير اتني في قرى في اوسيتيا الجنوبية». وأضاف ان «عدد اللاجئين يتزايد» محذرا من «مخاطر حصول أزمة انسانية».

وقالت مصادر مطلعة على سير المعارك إن تسخينفالي تواصل المقاومة في الوقت الذي يتواصل فيه إجلاء النساء والاطفال والشيوخ الى المناطق الروسية القريبة من الحدود. وكان الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيللي قد أعلن التعبئة العامة لقوات الاحتياط في الوقت الذي اعلن رئيس وزرائه فلاديمير غورغينيدزه أن جورجيا لن تتوقف عن القتال حتى فرض سيطرتها الكاملة على جميع اراضي اوسيتيا الجنوبية. وفي المقابل أكد رئيس جمهورية اوسيتيا الجنوبية ادوارد كوكويتا، عزم مواطنيه على الاستمرار في المقاومة.

وأعلن مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الاميركية ان القوات العسكرية الاميركية المنتشرة في جورجيا لا دخل لها إطلاقا في النزاع الجاري بين جورجيا وروسيا. وقال اللفتنانت كولونيل جون دوريان المتحدث باسم القيادة الاميركية في اوروبا، إن العسكريين الاميركيين في جورجيا «غير ضالعين بأي طريقة في النزاع بين الجيش الروسي والجيش الجورجي».

وتقدم جورجيا ثالث اكبر مساهمة عسكرية في الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وينفذ الجيش الاميركي برنامج تدريب للقوات الجورجية.