موريتانيا: الانقلابيون يشكلون حكومة والرئيس المخلوع نقل سرا إلى قصر المؤتمرات

تغييرات في أوساط قادة المناطق العسكرية تحسبا لتمرد بعضهم.. ووفود عربية وأفريقية وأوروبية في نواكشوط للوقوف على التطورات

جنود موريتانيون يحرسون ثكنة عسكرية في نواكشوط أمس (أ.ب)
TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة، أن الرئيس الموريتاني المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، تم نقله سرا من ثكنة تابعة للحرس الرئاسي كان محتجزا فيها منذ إطاحته الاربعاء الماضي، الى قصر المؤتمرات، بعد صدور أوامر من القادة الجدد. وأعلن زعماء الانقلاب العسكري أمس انهم سيشكلون حكومة جديدة تدير البلاد برئاسة قائد الانقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز الى حين اجراء انتخابات جديدة في تحد لنداءات دولية مطالبة باعادة أول رئيس منتخب الى السلطة.

وحسب مصادر تحدثت الى «الشرق الاوسط» فإن ولد الشيخ عبد الله يخضع لحراسة مشددة حاليا بقصر المؤتمرات الذي نقل إليه في قلب العاصمة نواكشوط لكنه يعيش في ظروف وصفت بانها جيدة ويتابع ما يدور في الساحة عبر وسائل الإعلام. وكان قادة الانقلاب العسكري قد سمحوا أول من أمس لعقيلة الرئيس المخلوع وابنته بالعودة إلى منزلهما الأصلي بحي تفرغ زينة الراقي بعد احتجاز دام يومين في مقر إقامتهم بالقصر الرئاسي منعوا خلاله من مشاهدة التلفاز وصودرت هواتفهم، حسب ما أكدت ابنته (آمال) ولد الشيخ عبد الله التي كانت تعمل مستشارة إعلامية لوالدها.

وقالت آمال، بعد ان أطلق سراحها، ان والدها بحاجة الى رعاية طبية. وقالت لرويترز رافضة الكشف عن طبيعة الحالة الصحية لوالدها «طبيبه زاره الليلة (قبل) الماضية وقال انه بحاجة الى جراحة بسيطة لكنها ليست خطيرة». وذكرت ان الاتصال الوحيد الذي سمح به لوالدها هو قائمة مكتوبة بخط اليد حملها الجنود الى القصر الرئاسي بها ما يحتاجه من مضادات حيوية وملابس وكتب وكريم الحلاقة.

ويرابط عناصر من الحرس الرئاسي أمام منزل الرئيس المخلوع حيث يقيم أفراد عائلته ربما لدوافع أمنية تدخل في سياق توفير الحماية لهؤلاء من أية محاولة محتملة لتصفية حسابات شخصية، ويسمح للزوار بدخول المنزل بعد إذن خاص من العائلة، فيما لا تواجه هذه الأسرة أية مضايقات. وفي سياق متصل أجرى مجلس الدولة العسكري الحاكم في البلاد تعديلات في صفوف المؤسسة العسكرية تم بموجبها تغيير قادة بعض المناطق العسكرية في الداخل بعد تردد معلومات غير مؤكدة عن احتمال قيام بعض قادة هذه المناطق بتمرد على الحكام الجدد.

وتعيش العاصمة الموريتانية نواكشوط على وقع ردود فعل متباينة على انقلاب هو الأول من نوعه على رئيس منتخب بعد ستة عشر شهرا من حكمه، وقام بتنفيذ الانقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز وهو العقل المدبر لانقلاب الثالث من اغسطس 2005 الذي أطاح الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع. وانقسمت القوى السياسية في موريتانيا بين مؤيد يرى في هذا الانقلاب تصحيحا لمسار ديمقراطي «منحرف» بعد محاولة الرئيس المخلوع تعطيل المؤسسات الدستورية حيث رفض عقد دورة برلمانية طارئة طالب بها نواب برلمانيون لتشكيل محكمة العدل السامية، ومن بين هؤلاء محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم اليساري ومحمد جميل ولد منصور زعيم حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي إضافة إلى رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بولخير الذي يتزعم حزب التحالف الشعبي التقدمي. وهذه الأحزاب كلها ممثلة في البرلمان الموريتاني بنسب معتبرة. أما مؤيدو الانقلاب الجديد فيقودهم زعيم المعارضة أحمد ولد داداه رئيس تكتل القوى الديمقراطية أكبر أحزاب المعارضة السابقة. ونددت قوى أخرى كانت محسوبة على المعارضة بهذه الخطوة التي وصفوها بأنها إجهاض للعملية الديمقراطية الفتية في موريتانيا.

وبرر النائب في حزب تكتل القوى الديمقراطية محمد محمود ولد لمات ترحيب حزبه بهذا الانقلاب بأنه جاء بمثابة إنقاذ موريتانيا من خطر كان يحدق بها جراء انحراف الرئيس المخلوع عن المسار الصحيح إثر الأزمة السياسية الأخيرة التي اشتعلت مع البرلمانيين بسبب عودة من يوصفون برموز الحقبة الفاسدة إلى الحكومة. وكان صراع حاد بين الرئيس الموريتاني السابق ونواب في الجمعية الوطنية يقال إنهم مدعمون من طرف العسكر، قاد إلى إصدار مرسوم يقضى بإقالة أربعة من القيادات العسكرية، من بينهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز منفذ الانقلاب ومحمد ولد الغزواني قائد القوات المسلحة وقائدا الدرك والحرس. ورفض القادة المقالون هذا المرسوم بعد ساعة من صدوره ما دفعهم للإسراع في تنفيذ الانقلاب الذي كان يقال إن مخططه كان جاهزا منذ وقت. وذكرت مصادر من داخل القصر الرئاسي أن ولد الشيخ عبد الله تم اختطافه على يد مرافقه العسكري الشخصي ونقل إلى وجهة غير معروفة، ولم يلق مختطف الرئيس أية مقاومة فقد تمت العملية بسلاسة كاملة وفق هذه المصادر. لكن تحديات خارجية كبيرة مازالت تعيق نجاح هذا الانقلاب حيث تزايدت ردود الفعل الدولية، المنددة بهذه الخطوة وأعلنت فرنسا على وجه السرعة رفضها الاعتراف بالمجلس الأعلى للدولة الذي شكله الرئيس الجديد ويضم احد عشر عسكريا من الضباط السامين في الجيش، فيما طالبت بإطلاق سراح الرئيس المخلوع وحذرت الانقلابيين من مغبة التعرض لعقوبات في حال استمرار تعطيل العمل المؤسسي والقانوني في موريتانيا.

وأعلنت الولايات المتحدة تعليق المساعدات غير المتعلقة بالمجال الإنساني عن موريتانيا لغاية الرجوع إلى المسار الصحيح واحترام الأسس الديمقراطية. كما هدد الاتحاد الاوروبي ايضا بقطع المساعدات. وأدانت الانقلاب ايضا الامم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي. ويتوقع أن يصل إلى نواكشوط كل من نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام لاتحاد المغرب العربي إضافة إلى زعماء أفارقة وأوروبيين بهدف الاطلاع على الوضع الراهن في البلد والوقوف على التطورات.

وحسب المراقبين السياسيين فإن الجيش ماض في قراره التمسك بزمام السلطة رغم التنديدات المتكررة. ولم يعلن القادة العسكريون في بياناتهم الصادرة منذ الانقلاب عن تحديد وقت معين لإجراء انتخابات رئاسية، فيما لم يكشفوا ما إذا كانوا سيرشحون أنفسهم للانتخابات المقبلة. ويخشى المراقبون من أن يقود انقلاب السادس من أغسطس الذي نفذه الجنرال عبد العزيز إلى إعادة موريتانيا لدوامة الانقلابات العسكرية التي عاشتها منذ أكثر من ربع قرن بعد قيام العسكر بانقلاب على أول رئيس موريتاني المختار ولد داداه.

وحظيت موريتانيا بمزيد من الاهمية في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الارهاب بعد عدة هجمات شنها تنظيم القاعدة في العام الماضي. وهي أيضا احدث دولة منتجة للنفط في افريقيا. وستعمل باقي مؤسسات الدولة بشكل معتاد بما في ذلك البرلمان. وساعد على وقوع الانقلاب وتفاقم الازمة انشقاق أغلب أعضاء البرلمان عن حزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية ـ عادل الذي ينتمي اليه عبد الله يوم الاثنين متهمين اياه بعدم التشاور معهم وعدم المبالاة بمؤسسات الدولة.