مناقشات البيان الوزاري لحكومة السنيورة: حدة وخلاف في «التعابير».. وبري يذكر بـ«لا شرعية» الحكومة السابقة

بند المقاومة أثار نقاشا حادا و«قميص دولة الرئيس» حل محل «قميص عثمان»

بري يستمع الى مداخلات النواب («الشرق الاوسط»)
TT

حمل اليوم الثاني من مناقشات البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية في البرلمان اللبناني المزيد من الاشارات عن حالة «التعايش الاضطراري» بين فريقي الازمة في لبنان. وبذل رئيس مجلس النواب نبيه بري جهدا كبيرا لـ«ادارة الاختلاف» بين انصار الفريقين وعدم تحويله الى خلافات حادة تتهدد جلسة الثقة التي ستتابع اليوم وغدا على الأرجح بسبب ارتفاع عدد النواب طالبي الكلام، غير أن بري نفسه لم يتوان ردا على «مشاغبات» نواب الاكثرية عن تذكيرهم بـ«عدم شرعية» الحكومة السابقة التي رأسها الرئيس فؤاد السنيورة.

وبدا واضحا ان هناك اختلافا في قراءة الفقرة المتعلقة بالمقاومة من البيان الوزاري والتي تتحدث عن «حق لبنان ومقاومته في استرجاع أو تحرير أرضه». وقد حرص نواب الاكثرية على «تقييد» هذا الحق ومحاولة ربطه بقرار الدولة، فيما شدد نواب المعارضة، وتحديدا نواب «حزب الله» على «نجاح» الاستراتيجية التي تتبعها المقاومة حاليا.

وكان مجلس النواب قد واصل أمس مناقشة البيان الوزاري للحكومة في بعدما كان استمع في الجلسة الافتتاحية مساء أول من امس الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يتلو البيان الوزاري والى 6 نواب تحدثوا بعد ذلك متناولين البيان.

وتحدث في الشق الصباحي من جلسة الامس 13 نائبا كان أولهم عضو «التكتل الطرابلسي» النائب قاسم عبد العزيز الذي شدد على «استعادة هيبة الدولة والجيش لحساب الوطن والشعب»، قائلا: «خيارنا الوحيد والاوحد هو الدولة التي لا نريدها مرجعية للامن والدفاع فحسب ولكن مرجعية وضمانة للمصالحة الحقيقية بين اللبنانيين»، مشيرا الى أن «مؤتمر الحوار الوطني برعاية فخامة رئيس الجمهورية في بعبدا هو المعوّل عليه ان ينتج تسوية حقيقية في موضوع الاستراتيجية الدفاعية بعد تأكيد البيان الوزاري الالتزام بالقرار الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته».

ثم تحدث النائب مصطفى حسين مناشدا الحكومة ان «تعمد الى اعادة الامن والاستقرار الى البلاد بعد الاحداث الاليمة التي شهدتها وعلى ازالة الاحتقان الداخلي الذي كاد يؤدي الى حرب اهلية ويصل بالامور الى درجة من الحدة يصعب معالجتها». وقال: «ان تطورات الاحداث المتسارعة على الساحة الداخلية والتي نجمت عن سياسة الحكومة السابقة المرتكزة على الكيدية في اتخاذ القرارات الجائرة والمستفزة للغالبية الشعبية اللبنانية ورفضها المشاركة مستأثرة بالسلطة الى الحد الذي كاد يطيح بالمرتكزات الوطنية ما حمل هذه الاغلبية الشعبية على سلوك الممكن من وسائل الرفض وقاد الى تشكيل حكومة، نظر اليها الناس كحكومة وحدة وطنية واذ هي حكومة وفاق لبعض الفئات دون الاخرى».

وأبدى حسين الذي كان انتقل من صفوف «14 اذار» الى المعارضة منذ نحو عامين «تأييده الشديد لما ورد في بيان الحكومة لجهة تاكيد حق المقاومة في الاستمرار لعملها البطولي في حماية لبنان والدفاع عنه الى جانب الجيش»، مسجلا تحفظه عن «استمرار النهج الاقتصادي والمالي الذي اوقع البلاد في مديونية لا تستطيع تحملها».

وتحدث عضو كتلة «المستقبل» النائب نبيل دو فريج عن المخاض العسير الذي احتاجه تأليف الحكومة ومن ثم انجاز البيان الوزاري، معتبرا أنه «يفرض على هذه الحكومة تضحيات جسيمة لتعويض اللبنانيين ما اصابهم من مآس وازمات اقتصادية واجتماعية خلال السنتين الماضيتين»، ورأى انه لا بد من الالتزام بصورة نهائية بما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الدوحة لجهة عدم استعمال السلاح في الداخل لأي سبب من الاسباب واقرار جميع الاطراف بحصر السلاح في يد القوى الامينة الشرعية التي ترعى شؤون جميع اللبنانيين وترعى امنهم دون تفرقة او تمييز».

وتحدث النائب بدر ونوس (14 اذار) مبديا فرحته «باجتماع المجلس النيابي بعد طول غياب توازي فرحتنا بتشكيل الحكومة العتيدة»، آملا «أن نؤسس لمرحلة جديدة لا تخوين فيها ولا كيدية سياسية ولا محاولة لفرض التوجهات السياسية بالقوة».

وألقى النائب اسماعيل سكرية (متحالف مع حزب الله) كلمة اشار فيها الى التناقض ما بين واقع الحكومة والشعارات والاهداف الكبيرة التي رفعتها. واعتبر ان «الحكومة رسمت مقاعدها الحسابات الانتخابية النيابية وهذا اضعف مصداقية البيان الذي استحضر الكثير من البيانات الوزارية السابقة»، مشيرا الى انه «اذا كان عنوان التأزم الداخلي لدى البعض يكمن في وجود المقاومة وسلاحها وطبيعة العلاقة مع سورية، فإن الخلاف في عمقه مع هذا البعض، ينبع من التباين في مفهوم انتماء لبنان». وسأل «هل نزلت المقاومة على ارض لبنان من عالم آخر، وبإرادة خارجية بالمطلق، لتنشئ دولة ضمن الدولة... وأية دولة، وأين كانت حين كان الجنوبيون يعيشون القلق والخوف والقهر والتهجير كلما أرادت اسرائيل ذلك؟ ألم تأتِ المقاومة تلبية طبيعية لنداءات وعذابات الجنوبيين ولمواجهة احتلال اسرائيل للارض؟ ألم تمارس المقاومة دورها في التحرير والردع والحماية للبنان عموما وجنوبه خصوصا، وبأداء رائع، شهد له الجميع حتى العدو؟».

ثم تحدث النائب يوسف خليل (كتلة النائب ميشال عون) فأثار قضايا انمائية واقتصادية، ثم اعطيت الكلمة للنائب نادر سكر (متحالف مع «حزب الله») الذي أمل ان نكون أمام «مرحلة جديدة نأمل في ان تؤسس لاستقرار سياسي وامني واقتصادي واجتماعي، فلا تكون مجرد هدنة نعود بعدها الى الفوضى والاضطراب مع انقضاء كل عقد او اكثر من السنوات». واقترح اجراء تعديل دستوري يعطي الرئيس حق الحكومة القائمة وتأليف حكومة بديلة تؤمن الحفاظ على صيغة العيش المشترك والميثاق الوطني». واعتبر ان استراتيجية المقاومة «المتبعة اثبتت جدواها، واظهرت نجاحها في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية الدائمة على لبنان». وتحدث النائب مصطفى علوش فأثار ما حدث في 7 مايو (ايار) وما تبعه، قائلا: «تصوروا ان كل زعيم من زعماء الطوائف والاحزاب واشباه الاحزاب يملك القدرة العسكرية على كسر قرار الحكومة ايا كانت هذه الحكومة ان لم يأت القرار حسب رغباته. وتصوروا ايضا ان كل واحد من الزعماء قرر قطع الايدي وهو قادر على ذلك، فكم يد تبقى لتعمل او تحمل الكتاب او حتى لتحمل السلاح في وجه العدو؟ تصوروا فقط ذلك للحظات خارج اطار نشوات النصر العابرة وخارج اوهام عناصر القوة الموقتة. بالمحصلة فان كان لمنطق البلطجة جولة فلمنطق المؤسسات والقانون الف جولة».

وهنا اعترض نواب من حزب الله وحركة «امل» على كلام علوش واستخدامه كلمة «بلطجة» وقتال ذوي القربى، فقاطعه بري طالبا شطب كلمة بلطجة من المحضر. وتوجه الى علوش قائلا: «يعطيك العافية، البارحة كنت تعاني. أنا بالامس قلت انه يجب ان تكون المناسبة بمثابة عرس وطني وهناك امور من المصلحة الحفاظ عليها وليس كل ما يعرف يقال سواء معك او ضدك. هناك مصلحة وطنية تقضي بالقفز فوق كل هذه الامور (...) حتى نعمل لمصلحة لبنان ولمصلحة سورية ولمصلحة العرب ولمصلحتنا جميعا». واعترض النائب احمد فتفت (14 اذار) قائلا: «دولة الرئيس يجب ان تعمّم على الجميع». فرد بري: «قلت لمصلحة الجميع فهل هذا يعني الثلث ام النصف زائدا واحدا؟! كفى كفى». ثم توجه الى علوش الذي سأل بري: «هل استطيع ان أستعمل عبارة قميص عثمان في موضوع التوطين؟» فأجابه بري «حط قميصي وخلصني». وهنا تدخل النائب علي المقداد قائلا: «حتى اللحظة لم يستخدم احد مثل هذه اللغة». وتابع علوش: «اما مسألة التوطين التي اصبحت كقميص دولة الرئيس بري»، فعلا التصفيق والضحك.

وتحدث علوش عن الفقرة 24 من البيان الوزاري التي تحدثت عن حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته، معتبرا أنه كان الاجدر ان تختصر بحق الدولة وهي التي تضم كل عناصر القوة في كنفها». ورأى ان الاصرار على جعل المقاومة حالة مستقلة هو احد «عناصر الضعف الاساسية التي تؤدي حتما الى ازدواجية الاهداف وتشعبها بين الجيش والشعب والمقاومة التي لا شيء يمنع ان تتحول الى مقاومات، مما يؤدي الى تضاربها في كثير من الاحوال، وهذا احد اهم عوامل عدم الاستقرار».

ثم تحدث النائب عمار حوري (كتلة المستقبل) فأشار الى أن «اتفاق الدوحة وخطاب القسم أتيا بعد ما تعرضنا له في بيروت وعدد من المناطق من محاولة فرض للرأي بقوة السلاح في ما اصطلح على تسميته غزوة بيروت والمناطق، والتي طالت البشر والحجر والكرامات»، وقال: «لن ننسى ولن نسامح، وسنواجه بمزيد من التمسك بمنطق الدولة والسلطة الشرعية واتفاق الطائف والدستور، وبمزيد من التمسك باتفاق الدوحة وخطاب القسم، رغم كل الارتكابات. لن نفقد الامل في رهاننا على القوى المسلحة الشرعية، وفي رفضنا للامن الذاتي من اية جهة أتى، ونكررها بالفم الملآن: قرارنا واضح: الدولة الدولة الدولة». وسأل حوري الحكومة: «ماذا يمنع في الانتخابات النيابية في الربيع المقبل حامل السلاح هذا، في حال استمراره في ذلك، ان يستعمل مجددا سلاحه منعا للانتخابات او ارهابا للناخبين او فرضا للنتائج بالقوة؟». وقاطعه رئيس المجلس قائلا: «عندما تريد الكلام عن الاعتصام في الوسط هذا تعبير ديمقراطي حر يحق للجميع القيام به. وأضاف: «احتل الجنوب مئة مرة ولم يعترض احد على شيء وكنا نقول دائما «اذا تركت حدودك روّحت عاصمتك» ولم يصدقنا احد. دعونا لا ننكأ هذه الجروح وننطلق بصفحة جديدة». وتدخلت النائبة نايلة معوض قائلة: «اذا لم يعطِ رأيه هنا فلم يعد مجلسا للنواب، وهو يرى ان كلمة احتلال المدينة تعبير ديمقراطي والا فلن يكون هذا المجلس الذي اقفل مدة سنتين منبرا لإبداء الرأي. فرد بري بحدة: «انك تحملينني على القول ان حكومتك لم تكن شرعية ولا يحق لك الاستمرار». فتدخل النائب علي حسن خليل قائلا: «الحكومة كانت غير شرعية». وبعد مشادة كلامية بين خليل ومعوض تدخل بري وطلب من حوري اكمال كلمته قائلا: «من جديد لكل المتحدثين بالجملة ومثيري الصخب ان كل ما نحاول ان نفعله هو ترطيب الاجواء وعدم العودة الى الماضي. واستشهدنا بكلمة لرئيس البرلمان الاوروبي وقوله «يجب ان نتذكر الماضي بما يفيد الحاضر والمستقبل». لقد اصبح لنا سنتان في القضية نفسها. فلننته من هاتين السنتين». فقال حوري: «ان الاعتداء على نواب الامة ليس منذ سنتين انما منذ تسعين يوما فقط».

وطالب النائب مصطفى هاشم (المستقبل) الحكومة الجديدة بالعمل على «بسط سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية، دون افضلية لمنطقة على اخرى، والحزم الفوري في ضبط اي سلاح داخلي خارج عن سلطة الشرعية اللبنانية والقوى الأمنية، والعمل على تفكيك الجزر الأمنية التي تنتقص من هيبة الدولة فلا تكون مكسر عصا لأحد بعد اليوم». وقال: «لقد ضمن البيان الوزاري حق الشعب والجيش والمقاومة في العمل بكل الوسائل المشروعة على تحرير الارض واسترجاعها، والدفاع عن الوطن. ولكن لا يعتقدنّ احد، ان هذا البند يتيح لأي منظمة او حزب او تيار ان يذهب غدا الى الجنوب ويفتح حربا مع اسرائيل تحت اي ذريعة كانت. ويجب ازالة هذا اللبس نهائيا وربط هذه الفقرة بالفقرة الثالثة تلقائيا والتي تنص على وضع استراتيجية دفاعية يُتفق عليها في الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية ورعاية جامعة الدول العربية».

ورفض النائب مروان فارس (الحزب السوري القومي الاجتماعي) رمي وزر تعطيل مشروع الدولة على المقاومة في محاولة مكشوفة لتجهيل الاسباب الحقيقية التي ادت الى التعطيل. وقال: «هنالك سببان اساسيان وراء ذلك في عدم قيام الدولة القوية والعادلة، السبب الاول يتمثل في الحرب الاسرائيلية المفتوحة على لبنان منذ نشوء هذا الكيان الى الآن، وبدل ان تحضر هذه الدولة نفسها لمواجهة هذه الحرب بان تنشئ الجيش القوي فقد غابت هذه الدولة ودافع الشعب عن نفسه وأخذ دوره في المواجهة فقامت المقاومة الوطنية ومن ثم المقاومة الاسلامية التي استطاعت ان تحقق اكبر انتصارين في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي (...). فمن يكون قد ساند مشروع الدولة؟ هل الذين تخاذلوا في مواجهة العدو وجعلوا الدولة تنكفئ عن هذا الصراع ام اولئك الابطال الذين صنعوا الانتصار والعزة لابناء الشعب اللبناني؟».