مانهاتن تفقد لقبها كعاصمة المحاكمات الإرهابية الأولى عالميا

من عمر عبد الرحمن إلى رمزي يوسف إلى عافية صديقي

TT

شهدت قاعة المحكمة الفيدرالية في مانهاتن اول من امس أثناء محاكمة طبيبة أعصاب باكستانية ازدحاماً شديداً وعجت القاعة بالرسامين والصحافيين وفئات أخرى من الحضور، بينما أبدى الحرس يقظة وحرص بالغين. وتواجه الطبيبة، عافية صديقي، اتهامات جنائية، حيث يؤكد المسؤولون الحكوميون أنها تعمل لحساب تنظيم القاعدة. بيد أنه خلال ذلك اليوم اتضح أن غالبية الحضور انصب اهتمامهم على مشاهدة متهم آخر، وهو جون إيه. جوتي، والذي بدأت المحكمة الجلسة بالنظر في قضيته أولاً والتي يواجه خلالها اتهامات بالتآمر للقتل. وعندما انتهت جلسة الاستماع الخاصة بقضية جوتي، بدأ الحاضرون في التسلل إلى خارج القاعة. ويأتي هذا المشهد متناقضاً مع ما كان عليه الحال في التسعينات عندما حظي عدد من المحاكمات الإرهابية الدولية الكبرى التي جرت في نيويورك باهتمام واسع النطاق. ويسلط الاهتمام الضئيل بمحاكمة صديقي الضوء على أن نيويورك فقدت بدرجة كبيرة لقبها كعاصمة المحاكمات الإرهابية الأولى عالمياً. في واقع الأمر، أصبح هذا اللقب الآن من نصيب محكمة أخرى تديرها المؤسسة العسكرية في خليج غوانتانامو بكوبا، حيث انتهت محاكمة السائق السابق لزعيم القاعدة، أسامة بن لادن في وقت سابق من هذا الأسبوع.

لكن في وقت من الأوقات ـ قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ـ كانت المحكمة الفيدرالية في جنوب مانهاتن محور الجهود القضائية ضد الإرهاب، حيث شهدت قاعتها المحاكمات المرتبطة بهجوم مركز التجارة العالمي عام 1993 والتفجيرات التي تعرضت لها السفارتان الأميركيتان في كينيا وتنزانيا منذ عشر سنوات، تحديداً في 7 أغسطس (آب) 1998. كما تولت هذه المحكمة النظر في المخططات التي تم إحباطها لنسف مبنى الأمم المتحدة وتفجير نفقي هولاند ولينكولن والعديد من المزارات الشهيرة في مدينة نيويورك، إلى جانب تفجير قرابة اثنتي عشرة طائرة تجارية أميركية أثناء مرورها فوق المحيط الهادي. ومن بين من أسفرت هذه المحاكمات عن إدانتهم إرهابيون أمثال رمزي أحمد يوسف والشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي لـ«الجماعة الاسلامية»، ثم في وقت لاحق العديد من عملاء «القاعدة»، بما في ذلك وديع الحاج الذي اتهمته هيئة الإدعاء بأنه مساعد مقرب من بن لادن. ورغم أن بعض هذه القضايا لم تتضمن نشاطات إرهابية داخل نيويورك، كانت هناك أسباب منطقية تدعو لمحاكمة المتهمين في مانهاتن. على سبيل المثال، تم الربط بين رمزي يوسف، المتورط في هجوم مركز التجارة العالمي الأول، بمخطط محاولة تفجير الطائرات. كما أن حادث تفجير السفارات الأميركية ارتكبته القاعدة التي كان يجري بشأنها تحقيق داخل مانهاتن. في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وجهت الحكومة الفيدرالية اتهامات إلى زكريا موساوي بالتورط في الهجمات أمام إحدى المحاكم الفيدرالية في فيرجينيا، حيث ساد الاعتقاد بأن المحلفين أكثر ميلاً لتطبيق عقوبة الإعدام عما عليه الحال في نيويورك. في نهاية الأمر، أصدر المحلفون حكماً بالسجن مدى الحياة ضد موساوي، بينما انتهى الحال بالعديد من الإرهابيين المشتبه فيهم البارزين الآخرين أمام نظام قضائي تديره المؤسسة العسكرية. من جهته، أوضح أنتوني إل. ريكو، المحامي الذي مثل المتهمين في اثنتين من المحاكمات التي جرت في التسعينيات وأيضاً في إحدى القضايا القليلة التي جرى النظر فيها خلال العقد الأول من القرن الحالي، أن: النقطة الجوهرية تتمثل في أن هذه القضايا لم تعد تجري محاكمتها هنا. وأعرب ريكو عن اعتقاده بأن القرار الذي اتخذته هيئة محلفين فيدرالية في مانهاتن بعد إصدار عقوبة الإعدام بحق اثنين من التفجيرين المدانين بالتورط في هجمات 1998 ضد السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا دفع مسؤولي الحكومة لاتخاذ قرارهم بعدم توجيه الاتهام إلى موساوي في فيرجينيا. في الواقع، شهدت مانهاتن عددا من المحاكمات المرتبطة باتهامات بالتورط في الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، بما في تلك المتعلقة بعدد من المتهمين بتوفير دعم لـ«القاعدة»، لكن يبدو أن حقبة المحاكمات الكبرى المرتبطة بمخططات الهجمات الضخمة التي ميزت عقد التسعينيات بدأت في التراجع. من جانبهم، لم يشرح ممثلو هيئة الإدعاء الأسباب التي دعتهم لتوجيه الاتهامات إلى صديقي في مانهاتن، بالنظر إلى أن هذه الاتهامات تدور حول محاولتها قتل عملاء تابعين لمكتب التحقيقات الفيدرالي وأفراد عسكريين داخل أفغانستان. يذكر أن اسم صديقي ورد بالفعل في إطار إحدى المحاكمات التي جرت خلال الفترة الأخيرة في مانهاتن، ما يوحي بان السلطات كانت مهتمة بها قبل إلقاء القبض عليها مؤخراً. وبعد استدعاء المحكمة لصديقي خلال هذا الأسبوع، عقدت المحاميتان الممثلتان لها، إليزابث إم. فينك وإيلين ويتفيلد شارب، مؤتمراً صحافياً أعلنتا خلاله براءتها وأوضحتا عزمهما النضال في الدفاع عنها خارج وداخل قاعة المحكمة. وعكست هذه الاستراتيجية العلنية التوجه الذي اتخذه بعض المحامين في المحاكمات التي جرت في التسعينيات. وأعلنت فينك أنه: سنعمل على عرض أكبر قدر ممكن من الأدلة على المحكمة هنا ـ ومحكمة الرأي العام. من ناحية أخرى، أثار قرار محاكمة صديقي في نيويورك مناقشات محتدمة بين بعض الخبراء بمجال الإرهاب بشأن حجم الأهمية التي تنطوي عليها هذه الخطوة. من جانبه، قال أندرو سي. مكارثي، المساعد السابق للمحامي العام الأميركي والذي شارك في التحقيق بشأن بعض القضايا الإرهابية الكبرى، إن قضية صديقي أوضحت: أننا بدأنا بالفعل في الوصول إلى صياغة بعض المبادئ المتناغمة بشأن أية قضايا يتم توجيهها إلى أي نظام. إلا أن جوشوا إل. دراتيل، المحامي الذي تناول قضايا إرهاب داخل المحاكم الفيدرالية وغوانتانامو، اختلف مع هذا الرأي، مشدداً على أن هذه القضية تفضح الطبيعة العشوائية للقرارات التي يتم اتخاذها بهذا الشأن. وتساءل مستنكراً: ما هي المعايير التي يتم على أساسها التمييز؟ لماذا ينتهي الحال بشخص كمتهم جنائي بينما ينتهي بآخر كعدو مقاتل؟ يذكر أن المسؤولين الحكوميين ربطوا بين صديقي، التي درست بمعهد ماساتشوستس للتقنية، وعدد من الإرهابيين منذ الفترة السابقة لإلقاء القبض عليها، فعلى سبيل المثال، وصفها روبرت مولر، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، عام 2004 بأنها عميلة للقاعدة وتساهم في تيسير عملها. إلا أن الاتهامات التي تم توجيهها إلى صديقي هذا الأسبوع تمت صياغتها بصورة أكثر تحديداً، حيث أشارت عريضة الدعوى المقدمة ضدها إلى أنه عندما كانت على وشك الخضوع للاستجواب داخل إحدى مراكز الشرطة الأفغانية الشهر السابق، التقطت صديقي مسدسا وأطلقت النار مرتين باتجاه جندي أميركي كان جزءا من فريق مؤلف من عملاء لمكتب التحقيقات الفيدرالي وأفراد عسكريين أتوا للتحقيق معها.

* خدمة «نيويورك تايمز»