مع اقتراب الانتخابات الأميركية.. هل تنفذ «القاعدة» هجوما؟

«سحاب» تعد لرسالة بمناسبة الذكرى السابعة للهجمات

TT

على مدى أربعة أعوام كنت أعمل مستشارا في مقر الناتو بالعاصمة البلجيكية بروكسل، وخلال عملي أتيحت لي الفرصة كي أتعرف على الطريقة التي تنظر بها أفضل العقول في تنظيم «القاعدة» إلى الانتخابات في البلاد الغربية. في مارس (آذار) 2004، وقع في إسبانيا هجوم إرهابي قد يكون الأدمى في اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تم تفجير قطار لنقل مسافرين في مدريد، وخلفت العملية الإرهابية نحو ألفين إسباني ما بين قتيل وجريح، قبل الانتخابات بثلاثة أيام. أطيح بالحزب الحاكم آنذاك، وفي بروكسل شاهدت مع زملائي أفراد البعثة الإسبانية يحصلون على الكثير من التعليمات المختلفة من مدريد. وبين عشية وضحاها، تحولت إسبانيا من مؤيد مناصر لسياسات الرئيس بوش في العراق إلى أحد أشد منتقدي بوش في تحالف الناتو. وقف الناخبون الاسبان بشدة ضد الحرب في العراق، حيث تبين لهم أنها أضرت بالأمن الاسباني بدلا من أن تساهم في تعزيزه. وكشخص عمل في قضايا الإرهاب على مدى عدة عقود في وكالة الاستخبارات المركزية وأماكن أخرى، خلصت إلى أن أكثر من يلفت الانتباه في تفجيرات مدريد هو ذكاء الجهاديين وقدرتهم على الاستفادة من توقيت الانتخابات. وبدا أن منفذي التفجيرات قد عزز من حماسهم البنية التحتية الإرهابية لتنظيم «القاعدة» في العراق، كما قاموا بتحليل نقاط الضعف في تحالف الناتو وخلصوا إلى أن ضربة مدمية يمكن أن تخرج الصقر الاسباني من تحالف الحرب ضد العراق. تم نشر هذا التحليل الخاص بـ«القاعدة» في العراق على بعض المواقع الجهادية في ديسمبر (كانون الأول) 2003، وتمكنت العصبة التي تتبعهم في مدريد من الاستفادة منه بشكل جيد. ما حدث في اسبانيا، يمكن أن يحدث هنا، حيث تعكس تفجيرات مدريد الاهتمام الذي يوليه تنظيم «القاعدة» بالعملية الانتخابية في الدول الديمقراطية الغربية. ومن المؤكد أن أسامة بن لادن، المتورط في أحد أكثر جرائم القتل الجماعي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، سيحب أن يدلي بدلوه في الانتخابات التي ستعقد في فصل الخريف المقبل. الأمر واضح: لقد تمكنت «القاعدة» من أن تطور نهجا لها يمكن التنبؤ به منذ أن أعلنت الحرب على الولايات المتحدة مما يوحي بالكثير الذي يمكن أن نتوقعه خلال الستة أشهر المقبلة، استعدوا لما سيحدث. في عام 2004، أصدر بن لادن تسجيلا صوتيا في عشية الانتخابات الرئاسية كي يذكر الأميركيين أنه ما زال حيا ويعمل بنشاط. جاء هذا الشريط لينهي أشهرا من الصمت مرت على زعيم «القاعدة»، ويقول بعض من مستشاري السيناتور جون كيري إن تلك الرسالة الصوتية قد ساعدت على جعل الناخبين أكثر قلقا ودفعتهم إلى إعادة انتخاب الرئيس بوش. ومن هذا الحين، تمكنت «القاعدة» من بناء ملاذ آمن لها أصقاع باكستان التي لا يحكمها قانون، بالإضافة إلى امتلاك جهاز دعائي يتسم بالذكاء والنشاط واستوديو إعلامي يعرف باسم «سحاب». زادت وتيرة الجهاز الإعلامي بصورة بارزة، ففي مقابل 12 رسالة للقاعدة خلال عام 2004، أُصدرت نحو 100 رسالة العام الماضي، وزاد وتيرة العمل أكثر وأكثر خلال عام 2008. وارتفعت قيمة الرسائل التي تصدر، حيث أصبح ترافقها خرائط وشرائط فيديو. الأكثر من ذلك، يصدر الاستوديو فناجين قوة خاصة به، ومعها شعار «سحاب». ونتوقع أن يكون هناك الكثير من العمل أمام مؤسسة «سحاب» خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، حيث ستصدر رسالة كبيرة بمناسبة الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، كما أنها ستمهد الطريق لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). منذ عام 2001، تصدر «القاعدة» خطبا لاذعة في شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام للاحتفال بذكرى ما يطلق عليه بن لادن «غارة مانهاتن». وتحتوي تلك تحليلات مطولة عن التقدم الذي حققه التنظيم في حربه ضد الولايات المتحدة وفي الأغلب يكون مصحوبا مع شريطة «فيديو استشهادي» لأحد الخاطفين التسعة عشر. ويمكن أن تكون أكثر الرسائل إثارة للخوف هي رسالة من قائد المجموعة التي اختطفت الطائرات محمد عطا، ونحن نعلم أن عطا قد صور شريط فيديو قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وقد شوهد تصوير فيديو له مع أسامة بن لادن، ولكن بدون أن يكون هناك صوت. وقد نكون لم نسمع آخر تسجيل لعطا حتى الآن. ومن المحتمل أن تكون هناك رسالة أخرى للقاعدة، سواء كانت صوتية أو رسالة فيديو في أكتوبر (تشرين الأول) قبل الانتخابات المقبلة، لتذكر الأميركيين أن التنظيم ما زال موجودا ولتحاول أن تقنع مؤيدي «القاعدة» في كافة أنحاء العالم أن التنظيم ما زال محافظا على حربه المقدسة ضد «الصليبيين والصهاينة». ومن المحتمل أن تكون هناك رسالة دعائية ثالثة خلال الأيام الأخيرة من إدارة بوش في يناير (كانون الثاني) من عام 2009. سيبتغي بن لادن من تلك الرسالة أن يشير إلى خروج الرئيس الذي كان قد وعد بأن يقبض عليها حيا أو ميتا، ولكنه لم يفعل أيا من ذلك حتى الآن. ومن المحتمل أن يكون يريد بذلك أن يعطي ملاحظات للرئيس الجديد وأن يوضح مطالب «القاعدة»، خاصة مطالبها بأن تقوم الولايات المتحدة بسحب كل قواتها العسكرية من العالم الإسلامي، وأن تتخلى عن إسرائيل وأن توقف دعمها للأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية التي تؤيد الولايات المتحدة مثل تلك الموجودة في مصر والسعودية، لم تنته من انقضاء إدارة بوش. وبالطبع، يجب أن نكون في حذر من رسالة أكثر عنفا من تنظيم «القاعدة»، فابن لادن وشركاؤه في الجريمة سيكون سعداء بأن يقوم بهجوم كبير في أي وقت ضد هدف أميركي، سواء كان داخل الولايات المتحدة أم خارجها. وقد تثير الانتخابات المقبلة شهيتهم بصورة أكبر. يذكر أنه لولا جهاز الاستخبارات البريطانية (MI5)، لتمكن تنظيم «القاعدة» من تفجير 10 طائرات نفاثة فوق شمال الأطلنطي في أغسطس (آب) 2006، وكانت من المحتمل أن تتسبب تلك التفجيرات في الآلاف من القتلى قبل أسابيع من انتخابات الكونغرس الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) في ذلك العام. وكانت قد اختيرت الطائرات التي ستنفذ ضدها الهجمات واختير الإرهابيون الذين سيقومون بها وصوت شرائط الفيديو للانتحاريين. كان من المحتمل أن تكون تلك المؤامرة أكثر إيلاما من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، لأن كل الأدلة الشرعية ستغرق في قاع المحيط وكان من الممكن أن تستخدم تصميمات القنابل التي كانت ستستخدم في الهجمات مرة بعد أخرى. وجهت انتقادات لتشارلي بلاك، وهو مستشار بارز لجون ماكين، بعد أن قال إن هجوما للقاعدة قبل نوفمبر (تشرين الثاني) سوف يساعد ماكين. وفي الواقع، نحن لا نعرف هل تميل قيادة «القاعدة» إلى إحدى الجهات في الانتخابات الرئاسية المقبلة. البعض في اليمين يقولون إن بن لادن يفضل أوباما، ولكن يقول البعض في اليسار إن «القاعدة» تفضل ماكين، زاعمين أنه بعد تورطه في المستنقع العراقي سيدفع المسلمين الغاضبين إلى الوقوف خلف بن لادن. ولكن حتى الآن لم تقل «القاعدة» أي شيء، ولكن علينا أن نتوقع أن نسمع الكثير منها قبل نوفمبر (تشرين الثاني).

* خدمة «نيويورك تايمز»