باحث أوروبي واصفا مدينة الخليل: «إنها مدينة أشباح»

قال إن الإسرائيليين أغلقوا طرقها في 120 نقطة

TT

أطلق بائع العصير الفلسطيني السباب بعد أن منعه جندي إسرائيلي من دفع عربة اليد الخاصة به ليدخل بها إلى سوق الخليل المغطى القديم.

وقال نبيل طه ،42 عاما، غاضبا موجها حديثه لاثنين من المراقبين الأوروبيين طالبا من الجندي أن يفسر سبب قراره «عشرون عربة تمر عبر هذا الحاجز الجندي بس بدو يعمل معي مشكلة».

ورد الجندي الإسرائيلي بالعربية «ممنوع... يستطيع أن يحمل أشياءه الى السوق لكن عليه أن يترك عربة اليد».

ووقع هذا التراشق قرب الحرم الابراهيمي المقدس. وعلى الرغم من بساطة ما حدث فانه يوضح التوتر الذي يحيط بالمستوطنين البالغ عددهم 650 مستوطنا او نحو ذلك الذين يعيشون في مستوطنات محصنة يحرسها جنود إسرائيليون في قلب هذه المدينة الواقعة بالضفة الغربية والبالغ عدد سكانها 180 الف نسمة.

وكثيرا ما تتطور هذه الاحتكاكات الى أعمال عنف مما يجعل الخليل بوتقة من الكراهية في الصراع الأوسع نطاقا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

والمنازل البيضاء لاحدى المستوطنات مقامة فوق مبان في منطقة مكتظة بالأزقة في المدينة القديمة وتطل على شارع ضيق مباشرة في السوق التي كانت تعج بالحركة ذات يوم.

ويتناثر على شبكة السلك الشائك التي تفصل المستوطنة عن الشارع طوب وزجاجات وقمامة قذفت على الفلسطينيين من قبل المستوطنين الذين بدورهم يشكون من الاعتداء عليهم باستمرار.

وقال فينسنت باسكييه الباحث بالبعثة الاوروبية المعروفة باسم الوجود الدولي المؤقت في الخليل والتي تراقب الخليل منذ عام 1994 في تقرير لرويترز «ان إسرائيل نادرا ما تتحرك حين يشكو فلسطينيون من عنف المستوطنين».

وأضاف «ما ينقص تماما هو عزيمة ثابتة للتحرك ضد المستوطنين فيما يتعلق بالاحتجاز والمحاكمة». وأظهر أحدث احصاء قامت به البعثة المكونة من 63 مراقبا ان الإسرائيليين أغلقوا طرق الخليل في 120 نقطة. ومضى باسكييه يقول «انها مدينة أشباح»، مشيرا الى شارع مهجور حيث كان باعة الذهب ذات يوم يمارسون تجارتهم. الآن تنمو الاعشاب الى ارتفاع متر بين صفوف المتاجر التي صدأت أبوابها.

«اقتلوا العرب بالغاز» شعار كتب بالانجليزية على باب معدني لمنزل بالمدينة القديمة حيث يواجه 30 الف فلسطيني نقاط التفتيش التابعة للجيش الاسرائيلي ونقاط المراقبة والشوارع المسدودة التي تعطل الحياة اليومية مما يؤدي الى رحيل الكثيرين.

وفي عام 2007 ذكرت «جماعة بتسيلم» الاسرائيلية لحقوق الانسان ان منازل اكثر من الف فلسطيني أخليت فيما أغلق 1829 متجرا في العشرين في المائة تقريبا من الخليل الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية الكاملة.

وتخضع بقية الخليل رسميا لحكم السلطة الفلسطينية على غرار مدن أخرى بالضفة الغربية. لكن القوات الاسرائيلية اقتحمت هذه المنطقة خلال سحقها انتفاضة أعقبت محادثات السلام التي انهارت عام 2000. ومازالت تشن غارات شبه يومية هناك.

وتمثل هذه مشكلة لقائد الأمن الفلسطيني في منطقة الخليل، الذي يسعى الى دفع حملة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المدعومة من الغرب قدما لإرساء الأمن في الضفة الغربية والوفاء بالالتزامات الفلسطينية الواردة في خطة «خريطة الطريق» لكبح جماح المسلحين.

وقال العميد سميح الصيفي لرويترز في مقره «الاسرائيلون قالوا الآن ان لديهم نشاطا امنيا ويجب علي ان اسحب رجالي من الشارع». وأضاف أن بعد ذلك بنصف ساعة رن جرس الهاتف ثانية لابلاغه بأن الغارة الاسرائيلية انتهت. وتابع الصيفي الذي يقود نحو ثلاثة الاف من رجال الامن وضباط المخابرات «انها لعبة القط والفأر».

وأشار الى أن تجار المخدرات أو سارقي السيارات او المجرمين كثيرا ما يفرون الى المنطقة التي تسيطر عليها اسرائيل حيث لا يستطيع رجاله ملاحقتهم.

واستطرد «كأنك تعمل في حقل الغام. بالرغم من ذلك الا اننا نتعاون مع الاسرائيلين» معددا قذائف دبابات وحزاما ناسفا وسيارات مسروقة، بين الاشياء التي جرت مصادرتها وسلمها رجاله مؤخرا لنظرائهم الإسرائيليين.

ويريد الصيفي الاستعانة باكثر من 600 رجل أمن اضافي يستكملون تدريبهم حاليا في الأردن واريحا لتعزيز سيطرة السلطة الفلسطينية في الخليل التي يؤيد معظم سكانها حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) المنافسة لحركة فتح التي يتزعمها عباس. وقال الصيفي «حتى الآن لا يوجد موافقة من الجانب الإسرائيلي ولكن نعم هناك خطة لجلبهم الى الخليل». وشن عباس الذي حصلت قواته على دعم أمريكي وأوروبي اضافي منذ سيطرت حماس على قطاع غزة في يونيو (حزيران) 2007 حملات أمنية في نابلس وجنين وبلدات أخرى بالضفة الغربية خلال العام المنصرم حالفها بعض النجاح.

وتوسيع نطاق هذه الحملة لتشمل مدينة الخليل الجنوبية حيث تبسط ست عائلات كبيرة سيطرتها يمكن أن يكون صعبا حتى اذا أعطت إسرائيل الضوء الأخضر وهو أمر من غير المرجح أن يحدث. ولدى سؤاله ان كانت تجري مناقشة انتشار فلسطيني في الخليل أجاب مصدر عسكري اسرائيلي قائلا «ليس في الوقت الحالي».

وسوف يعارض المستوطنون اليهود اتخاذ أي خطوة من هذا النوع على الرغم من أن القوات الفلسطينية لن تعمل الا في القطاع الخاضع لسيطرتها. وقال دافيد ويلدر، وهو متحدث باسم المستوطنين في الخليل، «السماح لهم بحمل أسلحة مع انسحاب محتمل للقوات الاسرائيلية من هذا الجانب من المدينة وصفه بالكارثة.

«يجب على اسرائيل أن تفهم أن أمننا ينبغي أن يكون في أيد اسرائيلية. لا يمكنهم أن يضعوا أمن الاسرائيليين الذين يعيشون في الخليل او اي مكان اخر في أيدي أعدائنا».

وأنشأ المستوطنون أربع مستوطنات في الخليل منذ عام 1979 الى عام 1984 لتنفيذ ما ينظرون اليها على أنها مهمة مقدسة لاستعادة الوجود في المدينة التي أزالت القوات البريطانية المجتمع اليهودي القديم منها عقب أعمال شغب اندلعت سنة 1929 وقتل خلالها العرب 67 يهوديا.

وفي عام 1994 قتل أحد المستوطنين ويدعى باروخ غولدشتاين وهو طبيب أميركي المولد بالرصاص 29 مصليا فلسطينيا في الحرم الابراهيمي قبل أن يضربه الناجون حتى الموت.

وتشعل هذه الاحداث الدموية العداء بين المستوطنين وجيرانهم المسلمين الذين يشعرون بمرارة الاحتلال الاسرائيلي.

كما أن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم. فالتنافس بين فتح وحماس يضخ عنصرا سياسيا في الجهود الأمنية التي تبذلها قوات عباس في الخليل وفي أماكن أخرى. وتواصلت التوغلات الاسرائيلية لملاحقة الناشطين بشكل ملحوظ في نابلس مما يقوض مصداقية القوات الفلسطينية التي بدأت حملة أمنية هناك العام الماضي.

وقال مصدر أمني فلسطيني في الخليل «يقول الناس ان السلطة تبدأ الحملة والجانب الاسرائيلي ينهيها... اسرائيل تحاول احراجنا امام الناس».

وتتهم حماس التي فازت بالمقاعد البرلمانية التسعة المخصصة للخليل في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 السلطة الفلسطينية بقيادة عباس بالعمل مع اسرائيل في حملة تقرها الولايات المتحدة ضد خصومها الاسلاميين.

ويشير باسم الزعارير، وهو نائب محلي عن كتلة التغيير والاصلاح التابعة لحماس، الى أنه يجب على عباس التنسيق مع حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الاخرى قبل اطلاق أي خطة أمنية في الخليل.

وقال «اذا كان الهدف تطبيق القانون نحن معها مئة في المئة ولكن اذا كان الهدف منها انهاء المعارضة للسلطة الفلسطينية نحن ضدها». وبدت قلة من الفلسطينيين في الخليل راضية عن الأمن في المدينة التي تعاني من كثرة عدد السلطات المتنافسة.

وقال زياد الجعبري ،22 عاما، ويعمل نادلا «هناك الإسرائيليون والشرطة والعائلات... العائلات اقوى من الشرطة التي تختبئ عندما تدخل القوات الاسرائيلية الى الخليل، هذا لا يوفر الأمن لأي أحد».