لاجئون يعودون لأرض الصومال مسلحين بشهادات جامعية لبناء المستقبل

راودتهم فكرة إنشاء جامعة القرن الأفريقي الدولية في مقهى بهلسنكي

قارب مطاطي يحمل مهاجرين غير شرعيين معظمهم صوماليون بعد وصوله الى جزيرة جنوب إيطاليا امس (أ.ف.ب)
TT

يتذكر ألميس يحيى إبراهيم حين واتته مع صديقيه فكرة بناء جامعة في واحدة من أكثر أركان المعمورة معاناة من الاهمال.. دولة ارض الصومال.

راودتهم فكرة انشاء جامعة القرن الافريقي الدولية في شتاء عام 1997، اثناء تجمعهم في احد مقاهي هلسنكي عاصمة فنلندا. وبعد أربعة اعوام عاد الرجال الثلاثة وصديق اخر كان في ماليزيا لوطنهم، مسلحين بشهادات جامعية ومدخرات، تحدوهم رغبة في احداث فرق لبناء حلمهم. وتقف الجامعة الآن في هرجيسة عاصمة ارض الصومال.

قال إبراهيم رئيس الجامعة، في تقرير لرويترز، «كانت حياتنا ووظائفنا في اوروبا أفضل».

وتابع «لم يكن قرار ترك كل هذا والعودة الى ارض دمرتها حرب اهلية كليا سهلا». واستثمارات اللاجئين العائدين شريان حياة للملايين في ارض الصومال، التي لا تحصل على اي مساعدة اجنبية مباشرة لعدم الاعتراف بها دوليا.

بدأ اتجاه عودة الافارقة لاوطانهم يتنامي بشكل مبدئي في العديد من دول افريقيا جنوب الصحراء.

ومع تجنب الدول ويلات الحروب وتبني حكم رشيد والاستفادة من الطفرة في اسعار السلع الاولية، بدأت عودة لاجئين سابقين وافارقة في الشتات بدافع الوطنية وفرص الاستثمار في المنطقة، التي يتوقع صندوق النقد الدولي ان تنمو بنسبة 6.5 في المائة هذا العام.

وفي سيراليون وليبيريا ونيجيريا واثيوبيا واماكن اخرى يستغل مواطنون عائدون مهارات اكتسبوها في الخارج، ومعرفتهم بالواقع المحلي لادارة الاعمال.

وقال عبد الله علي، الذي يقود سيارة اجرة مملوكة للاجئ عائد الى هرجيسة «غير العائدون ارض الصومال».

وانفصلت ارض الصومال، المحمية البريطانية السابقة، عن الصومال في عام 1991 اثر الاطاحة بالرئيس السابق محمد سياد بري لتهوى البلاد في براثن حالة من الفوضى.

وبدأ بعض اللاجئين العودة في منتصف التسعينات. ويقول المسؤولون ان اعداد العائدين بالالاف الان، وانها تجتذب صوماليين من مناطق اخرى بفضل الاستقرار النسبي.

وغادر ابراهيم في الثمانينات وتوجه اولا لمصر ومنها لفنلندا. وفر زميله الاخر من ارض الصومال واثنان اخران من الصومال.

تتمتع ارض الصومال بسلام ورخاء نسبيين واجريت انتخابات ديمقراطية ومن المقرر ان تجري انتخابات الرئاسة في العام المقبل.

ويقول محللون انها لم تحظ باعتراف دولي نتيجة مخاوف من ان يؤدي أي تغيير لحدود الحقبة الاستعمارية لفتح باب لا يمكن اغلاقه امام مطالب الانفصال.

تبلغ الميزانية السنوية لارض الصومال ما بين 35 الى 40 مليون دولار. ويقول محللون ان نحو 80 في المائة تأتي من رسوم الجمارك وايرادات ميناء بربره على خليج عدن، ويساهم مواطنون في الشتات بتحويلات تقدر بحوالي 450 مليون دولار سنويا.

وفي خطوة لجذب لاجئين لوطنهم اعلنت الادارة عن اعفاء ضريبي على الاستثمارات الجديدة لتعزيز النمو.

ونصف اعضاء الحكومة والبرلمان في ارض الصومال لاجئون سابقون عادوا من اوروبا والولايات المتحدة. واضحى اللاجئون السابقون اصحاب مصانع صغيرة، او اقاموا انشطة في قطاعات مثل الاتصالات. ولدى ابراهيم رئيس الجامعة حلم اكبر بتغيير اسلوب قادة المستقبل.

ويقول «ليس لدينا قادة في بلدنا لدينا مديرون. هدفنا ان نفرز قادة لديهم رؤية للمستقبل يمكنهم ان يعيدوا الامل وتوحيد شعبنا، وهناك رغبة كبيرة في مثل هذه القيادة ونأمل في ان تكون المصدر».

واستخدم ابراهيم واصدقاؤه مدخراتهم لبناء جامعة، وبعد افتتاحها حصلوا على منح من بنوك اسلامية ومؤسسات من دول الخليج بصفة اساسية.

وتشير تقديراته الى انفاق حوالي 500 الف دولار حتى الآن، فيما تساهم المنح في تمويل تسيير الامور اليومية للجامعة، بما في ذلك دفع اجور العاملين.

ويأتي محاضرون من اوغندا وكينيا ودول اسيوية للتدريس في الجامعة التي تمنح درجتي الماجستير والدكتوراه بالتعاون مع جامعة ماليزيا المفتوحة. ويدفع نحو 500 طالب 450 دولارا في الفصل الدراسي الواحد في المتوسط.

ورغم الفقر تتيح ارض الصومال والمنطقة فرص استثمار لمن لديه الشجاعة الكافية للعودة.

وتفيد دراسة للاتحاد الاوروبي، اطلعت عليها رويترز، بأن المنطقة بها مصادر كبيرة غير مستغلة من النفط والفحم والمعادن، مثل الذهب والبلاتين والنحاس والنيكل والزنك.

كما ان ساحل ارض الصومال وطوله 850 كيلومترا يتيح امكانات لصناعة الصيد.

ويقول رئيس بلدية هرجيسة محمد جير، وهو لاجئ سابق عاش في بريطانيا ان الاستثمارات الجديدة غذت طفرة البناء في المدينة التي ما زالت بها انقاض مبان قصفت في عام 1988.

ويملك جير المهندس شركة بناء تشيد نحو 50 مبنى جديدا في العاصمة كل شهر، ويقول «نعفي قطع غيار للمصانع وسلعا اخرى من الضرائب لتشجيع استثمارات من عدد اكبر من المواطنين في الشتات. الاقتصاد يعتمد عليهم انهم بمثابة شريان الحياة»، مشيرا لمن يعودون من الخارج او يحولون اموالهم للبلاد.