العلاقات الروسية ـ الجورجية بين الأمس واليوم

TT

لم يكن ثمة ما يعكر صفو العلاقات بين موسكو وتبليسي ابان السنوات التي اعقبت اعلان الاخيرة قبول الانضمام الى الاتحاد السوفياتي في عام 1924 وهي التي قدمت للوطن والتاريخ واحدا من ابرز زعماء ثورة اكتوبر الذي عرفه العالم تحت اسم ستالين. ورغم كل تعرجات التاريخ وتباين التقديرات فقد سارت العلاقات في اطار من التفاهم المتبادل الذي دفع ثانية بجورجي آخر الى صدارة الساحة السياسية وهو ادوارد شيفارنادزه الذي عهد الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف اليه بملف السياسة الخارجية ابان سنوات البريسترويكا والذي ثمة من يقول انه يتحمل معه آثام وأوزار تلك الفترة التي كانت المقدمة العملية لسقوط الاتحاد السوفياتي. غير ان الصدامات التي شهدتها تبليسي عاصمة جورجيا في ابريل (نيسان) 1989 بين قوات الجيش والمتظاهرين واسفرت عن سقوط ضحايا كانت مقدمة لتحول في العلاقات بين موسكو وجورجيا تزعمه احد شعرائها المغمورين والذي عرفه العالم فيما بعد تحت اسم زفياد غامساخورديا بعد نجاحه في قيادة الثورة التي مهدت لإعلان استقلال جورجيا في عام 1990 اي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي بما يزيد عن العام. وكانت جورجيا قد شهدت آنذاك نذر الحرب الاهلية التي اندلعت نتيجة الغاء نظام الحكم الذاتي في ابخازيا واوسيتيا الجنوبية وادجاريا التي سارعت باعلان الانفصال من جانب واحد عن جورجيا وهو ما اتهمت تبليسي الرسمية موسكو بدعمه وتأجيجه بعد اثبات مشاركة متطوعين من الشيشان وشمال القوقاز في القتال الى جانب هذه الجمهوريات فيما رفضت رسميا الانضمام الى منظومة الكومنولث الذي جمع كل الجمهوريات السوفياتية السابقة (عدا جمهوريات البلطيق الثلاث) في 31 ديسمبر 1991. ولم يختلف الحال كثيرا بعد عودة ادوارد شيفارنادزه من موسكو في عام 1994 وانتخابه رئيسا لجورجيا بعد الاطاحة بنظام غامساخورديا الذي فر الى الشيشان ضيفا على زعيمها المتمرد الجنرال جوهر دودايف. ومع ذلك فقد استطاع الرئيس الروسي الاسبق بوريس يلتسين التوصل مع رفيقه القديم شيفاردنادزه الى اتفاق داغوميس (منتجع على مقربة من سوتشي الروسي على ضفاف البحر الاسود) الذي يقضي بضرورة التزام كل الاطراف المتحاربة بنبذ استخدام القوة سبيلا لتصفية الخلافات القائمة مع الجمهوريات الانفصالية ما كان يعني عمليا الاعتراف بالامر الواقع وترحيل الخلافات الى اجل غير مسمى. وظلت الخلافات تموج بين الجانبين والاطراف المتحاربة رغم اعلان ادوارد شيفارنادزه انضمام بلاده الى الكومنولث ظنا من جانبه ان قبوله بالانضمام الى رفاق الامس يمكن ان يكون سبيلا لبلوغ ما عجز عن تحقيقه باستخدام القوة العسكرية. وحين ادرك صعوبة الامر اقدم صراحة على البحث عن شركاء جدد بين اصدقائه الغربيين القدامى ممن قدم لهم مع غورباتشوف الكثير من التنازلات السوفياتية على اطباق من ذهب مثل الموافقة على هدم جدار برلين وحل حلف وارسو وتوقيع العيد من اتفاقيات نزع السلاح. ولم تكن موسكو غافلة عما اعرب عنه من رغبة في الانضمام الى الناتو والاتحاد الاوروبي وهو ما تبناه صراحة الكثير من تلاميذه وعلى رأسهم الرئيس الجورجي الحالي ميخائيل ساكاشفيلي. وهنا يمكن تسجيل بداية النهاية في علاقات الرفاق والتي تمثلت في لحظة اندلاع ما سمي بـ«ثورة الزهور» التي كانت مقدمة لعدد من الثورات الملونة في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق. فقد جاء ساكاشفيللي ورفاقه متسلحين بشعارات غربية وفي مقدمتها الانضمام الى الناتو والاتحاد الاوروبي وهو الذي بدأ حياته الوظيفية في كنف شيفارنادزه مسؤولا عن حقوق الانسان الى ان انتقل للعمل بالمحاماة في نيويورك عام 1994 وحتى عودته ليشغل منصب رئيس اللجنة البرلمانية المكلفة باعداد نظام انتخابي جديد ثم تعيينه في يناير 2000 نائبا لرئيس الجمعية البرلمانية للمجلس الاوروبي. وفي 12 اكتوبر 2000 اختاره الرئيس السابق شيفارنادزه وزيرا للعدل الى ان استقال في 5 سبتمبر 2001 تمهيدا للاستقالة من حزب اتحاد المواطنين الجورجيين الذي كان يتزعمه شيفارنادزه ليتفرغ لتاسيس الحركة الوطنية الديموقراطية التي تزعمت ثورة الزهور واطاحت باستاذه شيفارنادزه. وقد اغرق ساكاشفيلي في عدائه لموسكو بعد ان تزعم محاولات حشد كل القوى المناوئة للكرملين والتي شكلت لاحقا ما سمي بتحالف بلدان «غوام» الذي يضم اليوم كلا من جورجيا واوكرانيا ومولدوفا واذربيجان الى جانب تحالفاته مع بولندا وبلدان البلطيق المعروفه بعلاقاتها المتوترة مع موسكو.