شعراء ونقاد وكتاب مصريون: فقدنا شيئا غاليا من جمالنا وهويتنا

في وداع محمود درويش

TT

استقبل الشعراء والنقاد والأدباء في القاهرة، نبأ رحيل محمود درويش بالصدمة والذهول. وذكر فاروق حسني وزير الثقافة المصري، أن رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، يعد خسارة فادحة للشعراء العرب ولأمته العربية كلها. وقال في خطاب عزاء أرسله إلى وزيرة الثقافة بالسلطة الوطنية الفلسطينية تهاني أبو دقة: «إن خسارتنا بفقد الشاعر الكبير سيعوضها إزكاء شعره لمواهب تستطيع أوطاننا معاودة إنتاجها وعطاءها». وأضاف حسني إنه تلقى نبأ رحيل الشاعر الكبير ببالغ الحزن والأسى وصفه بشاعر العرب الأكبر، الذي «كان الغناء في فرح الشرق، كما كان صوتا للعدالة والحرية في مناخ القهر. كان حريصا على تحقيق آفاق أوسع وأرحب للشعر العربي على خريطة الثقافة العالمية».

وأضاف حسني في تصريحات صحافية أمس، أن الوزارة ستبحث تكريم محمود درويش، وأن هذا التكريم سيتخذ أشكالا عدة، بما يليق بمكانة الشاعر الراحل، وان قطاعات الوزارة المختلفة سوف تشترك في هذا التكريم، الذي سيتم الإعلان عنه في حينه. من ناحية أخرى، قرر معرض الكتاب العربي الذي تنظمه الهيئة المصرية للكتاب يوم الأربعاء المقبل بالإسكندرية، إقامة أمسية شعرية على هامش فعاليات احتفاء بالشاعر الراحل. وأعلن د. ناصر الأنصاري رئيس الهيئة في مؤتمر صحافي عقده أمس الأحد، بمناسبة إقامة المعرض أن الأمسية تأتي تقديرا للشاعر الراحل الكبير، وعطائه الشعري وما قدمه لخدمة قضايا وطنه فلسطين، وإثرائه للشعر العربي، وسيلقي قصائد درويش عدد من الشعراء المصريين واللبنانيين.

* الأبنودي: ملأ حياتنا شعرا ومحبة

* وفي كلمات الشعراء والكتاب المصريين اختلطت مشاعر الحزن بالبكاء على رحيل الشاعر الكبير.

فبنبرة أسى وحزن قال الشاعر عبد الرحمن الأبنودي: «إنه خبر مؤلم للأمة العربية بشكل عام، ولي أنا بشكل خاص، فقد ملأ حياتنا شعرا حقيقيا وأضاء الطريق أمام الشعراء الذين سيأتون من بعده، وخسارتنا فيه لا تعوض». وأضاف الأبنودي: «درويش صديق عمري، ولا يختلف أحد على أن أنه الآن أهم شعراء هذه الأمة، فهو إنسان أعطى نفسه للقصيدة في صورة المتصوف أو الناسك، إذ لم نعرف له أي نوع من المتع الحياتية سوى قصيدته، تزوج بها وعاش لها وأنجبها. إنه شاعر غزير العطاء، فطوال حياته منذ كتب قصائده الأولى المباشرة والبسيطة، استبق كل أشكال القصيدة وتطوراتها، مستفيدا من كل ما حققه الحداثيون وغيرهم حتى بلغ شعره غاية التركيب، وفي نفس الوقت حافظ على سلاسة أدائه الشعري وخلص القصيدة الحديثة من غموضها وعنكبوتيتها، واضعا أمام عينيه قضيته الأساسية من دون مباشرة أو فجاجة. لذلك فإن غياب محمود درويش هو غياب حقيقي للقصيدة العربية في هذه الفترة الفقيرة في شعرائها وإبداعها». وأشار الأبنودي إلى علاقته الشخصية بدرويش قائلا: من عجيب الأمر، أنه كان وراء سفري للعلاج في فرنسا في الأشهر القليلة الماضية، وكان على اتصال دائم بي، وأنا في المستشفى، ومنذ ثلاثة أسابيع هاتفني في القرية التي أقيم فيها حاليا بمدينة الإسماعيلية، نظرا لظروفي الصحية، وقال لي إنه في طريقه إلى هيوستن بولاية تكساس، لأنهم يريدون إجراء جراحة ثالثة له، وقال إنه لن يقبل ولن يتركهم يمزقون جسده للمرة الثالثة. وأضاف ساخرا: يريدون تغيير شريان الأورطي بطول 25 سم، وأكد أنه سيسافر، لكن لن يجري العملية. وها أنا ذا أفاجأ بالنبأ الأليم، والعجيب أنني منذ أيام قليلة وضعت قصيدته الأخيرة «لاعب النرد» في برواز وعلقتها على جدار منزلي الريفي بالإسماعيلية، وهو أمر لم أفعله من قبل سواء مع قصائدي أو قصائد الآخرين، وكأنني كنت أعلم أنها قصيدته الأخيرة، وأن محمود على أبواب الرحيل. لقد انهارت ابنتاي الصغيرتان عند سماعهما النبأ، فلم يحدث أن زار محمود القاهرة من دون أن يزورني في بيتي هو وأصدقاؤه المصريون والعرب، فقد كان يعتبر هذا البيت جزءا من ميراثه، وكان يتصرف فيه على طبيعته. ويعتقد البعض أن درويش شخصية جامدة غير ودودة ولا يبتسم، وهذا ليس صحيحا، غير أنه كان يعرف جيدا متى يمكن أن يكون غير ذلك، ومع من. رحم الله هذا الشاعر المعطاء شعرا ونثرا.

* حجازي: قيمة إنسانية بامتياز

* أما الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي فيقول: أعتبر رحيل درويش المفاجئ، خسارة فادحة للشعر العربي والقضية الفلسطينية، لأنه كان عمودا من أعمدة هذه القضية، وكذلك بالنسبة للشعر المعاصر، كان درويش خير رسول لهذه القضية لدى الوجدان العالمي والإنساني. ففي الوقت الذي لم يكن العالم يسمع عن القضية الفلسطينية سوى الاقتتال الوحشي الداخلي بين المتطرفين وفتح، كان درويش يقدم لفلسطين من خلال قصائده صورة أخرى، صورة الإنسان المتحضر صاحب الحق الباحث عن العدل والحرية.

* عصفور: أحد أكبر شعراء الإنسانية

* الناقد د. جابر عصفور بدأ كلامه قائلا: «البقية في حياتك.. البقية في حياتنا كلنا»، ملمحا إلى أن الجميع يجب أن يعزوا أنفسهم قبل أن يعزوا الآخرين في وفاة درويش. وأضاف عصفور: محمود درويش واحد من أكبر شعراء الإنسانية في زماننا المعاصر، فهو واحد من الشعراء العرب الذين وصلوا إلى العالمية بكل معناها، وليس من الغريب أن يترجم شعره إلى كل اللغات الحية، لأنه غاص في مأساة فلسطين، وجعل منها مأساة إنسانية عامة، وجعلها تمس وجدان كل إنسان يؤمن بالعدل والحق. درويش ليس شاعر فلسطين فقط، بل الأمة العربية كلها، وخسارتنا له مثل خسارتنا لأم كلثوم ونجيب محفوظ ويوسف شاهين، فاسمه يضاف إلى أسماء هؤلاء العمالقة، الذين سيظلون خالدين في الوجدان العربي. أشعر بحزن بالغ لوفاة محمود درويش، لأنه لم يكن شاعرا عظيما فحسب، بل كان صديقا حميما، بيننا علاقة تمتد لسنوات طويلة منذ عرفني به أمل دنقل، وظلت صورته في عقلي مرتبطة بصورة أمل. لقد جاءني الخبر ثم تم تكذيبه، وبعد أن أصبح حقيقة لا أجد الكلمات التي يمكن أن تعبر عن مدى حزني لفقد هذا الشاعر الكبير والصديق العزيز.

* العالم: قيمة شعرية مناضلة

* «الحاجات الجميلة هي اللى بتموت».. هكذا استهل الناقد والمفكر محمود أمين العالم كلامه مضيفا: محمود درويش قيمة كبيرة سواء على مستوى الشعر أو على مستوى الوطنية والقومية العربية، فبكل الجرأة والشجاعة كرس قلمه للقضية العربية، وأضفى عليها طابعا إنسانيا، فمن الظلم أن نحصر درويش في كونه شاعرا فلسطينيا أو عربيا فقط، بل هو شاعر إنساني وقيمة شعرية مناضلة ذات رؤية مستقبلية. أيام عبد الناصر كان لي شرف الاتصال بدرويش ودعوته للحضور إلى مصر، ومن وقتها صار صديقا عزيزا علي، وأستطيع أن أقول إنه بجولاته المتعددة في معظم دول العالم، جعل القضية الفلسطينية حاضرة في كل المنتديات العالمية. وإذا كان درويش قد مات، فإنه باق بشعره ونموذجه النضالي، فشعره كان حركة تغيير من أجل تقدم وازدهار المشاعر الإنسانية الجميلة، فهو يمثل وقفة وطنية قبل أن تكون إنسانية، ووقفة إنسانية قبل أن تكون وطنية، وقفة مع الحرية، مع التقدم، مع الحق والخير».

* الخراط: خسارة للشعر الإنساني

* أما الكاتب الروائي ادوار الخراط فيقول: «إن وفاة درويش خسارة كبيرة ليس فقط للشعر العربي، بل للأدب الإنساني كله، فدرويش كان يجمع بين شيئين، نادرا ما يستطيع أحد أن يجمع بينهما، وهما القيمة الفنية العالية، والحماس الوطني المتأجج، ووفاته خسارة فادحة للشعر الإنساني كله.

* رمضان: هو عندنا مثل حكمت ونيرودا

* ويقول الشاعر عبد المنعم رمضان: لم أر شاعرا في ذكاء محمود درويش، ولم أر شاعرا في جماله ووسامته. كان درويش الأكثر قدرة بين الشعراء على ضبط المسافة وتحديدها بينه وبين الآخرين، بينه وبين السلطة، بينه وبين أصدقائه، بينه وبين أعدائه، بينه وبين الشعراء الشباب. شاع كثيرا أن محمود درويش كان يحارب قصيدة النثر، وكان حريصا دائما على نفي هذه الشائعة، والحقيقة أنه لم يكن يحاربها بل كان يحارب الرديء منها، ولأن الرديء هو أغلبية الشعر في كل زمن، بدا وكأنه يحاربها. درويش عندنا هو بابلو نيرودا أو ناظم حكمت عند سوانا، وفي آخر أيامه سواء في حواراته أو ندواته كان قد قرر أن يتوقف عن قراءة قصائد النضال المباشرة، وقرر أن ينصرف بكليته إلى قصائد إنسانية نضالها في إنسانيتها. مات محمود درويش والمؤسف أنه مات في أميركا، وإن كم كنت أتمنى أن يموت في مكان آخر.

* أبو سنة: شعرية الروح والأمل

* ويقول الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة: أشعر بالصدمة لفراق واحد من أبرز شعراء جيل الستينات في الشعر العربي المعاصر، محمود درويش لؤلؤة التاج الشعري خلال هذه السنوات الماضية، وقد حفر بموهبته الاستثنائية ملامح مسيرة رائعة تجسدت في أكثر من 16 ديوانا كل ديوان من دواوينه كان قفزة الى المجد. تميز منذ صباه بهذه اللغة المتفردة والخيال الجامح والثقافة الواسعة، إيمانه بالقضية الفلسطينية ومساهمته في حركة المقاومة كان مؤثرا وفعالا.

يضيف أبو سنة: أعرف درويش شخصيا منذ السبعينيات، عندما كان يعمل في الأهرام. وكانت تربطني به علاقة طيبة، وكنا نلتقي في مناسبات عديدة. لقد وجدت في شخصه هذا العنصر النادر من التواضع والاعتزاز بالنفس في الوقت نفسه. لقد فقدت أنا شخصيا وفقدت ايضا الحركة الشعرية، ركنا من اهم أركانها، فدرويش يمثل مرحلة جديدة بعد مرحلة الرواد. لقد كان نجما ساطعا في سماء الستينات وبهرالقراء والنقاد ومتابعيه بهذه القفزات المتعافية لقد ترك لنا لآلئ مثل: «هي أغنية»، «سرحان يشرب القهوة»، و«لماذا تركت الحصان وحيدا» وغيرها من الروائع. لقد تغلغل درويش في الحركة الشعرية الفلسطينية والعربية، ولقد عرف في حياته المجد الادبي وعرف الشهرة النادرة. ويتابع أبو سنة: محمود لم يكن شاعرا فقط بل كان ناثرا يستطيع ان يبدع الجملة النثرية في سجل الأدب الفلسطيني والعربي. ولقد قدم للقضية الفلسطينية دمه وشعره. لقد خسر الشعر العربي بوفاة درويش نجما ساطعا ونهرا مترقرقا، فهذه هي أقدار الحياة لقد فارقنا جسدا، وسيبقي معنا شاعرا مدويا علي صفحات التاريخ.

* يوسف: درويش ومجلة «الكرمل»

* ويقول الشاعر شعبان يوسف: محمود درويش هو، في رأيي، أعظم شاعر عربي معاصر، وهو بطل حقيقي من شعراء الانسانية. وقد حول خروجه من الوطن إلى قيمة إيجابية، فقد أضاف خروجه للشعر العربي والقضية الفلسطينية، اكثر من وجوده بالوطن. كان انجازه في مجلة الكرمل كبيرا، ولقد قدم شعراء وكتابا واحتفى بمواهبهم الوليدة. كانت مجلته «الكرمل» حقاً من اهم المجلات العربية على مدى ثلاثة عقود.

* ريان: تجربة جمالية غنية

* ويقول الشاعر أمجد ريان: محمود درويش واحد من أهم الشعراء العرب المعاصرين. وقد تأثر جيلنا كله ـ أقصد جيل السبعينات ـ بتجربة محمود درويش وقد تابعناه منذ بداياته الأولى، وتعلمنا من تجاربه الوطنية. جاءت نصوصه الاولى غنائية مؤثرة بحسها الصافي النقي، لكن البداية الحقيقية لدرويش كانت في «المحاولة رقم سبعة»، فقد خرج عن نطاق الغنائية ودخل في منطقة غنية بها تركيب لغوي عال واستثمار لدرجات الاستعارة. أثر درويش في شعراء كثيرين ممن كانوا بعده، وممن كانوا قبله أيضا، لكن لماذا؟ لأنه استطاع ببساطة أن يخلق تجربة شعرية مستمرة تعبر عن مواقفه الفكرية، تعبيرا جماليا مبدعا، فالشعراء عادة عندما يقدمون قصيدة مقاومة تكون أشبه بالبيان السياسي. لكن درويش نجح في تقديم تجارب جمالية، ونجح في التعبير عن المواقف السياسية والايديولوجية تعبيرا مؤثرا جدا».

* عبد المطلب: سيظل علامة مميزة

* ويقول الناقد د. محمد عبد المطلب: برحيل درويش سنفقد مرحلة كاملة من الشعر العربي. كل لقاء لي بمحمود درويش، كان يقدم لي نموذجا بشريا نادرا في الثقافة والسياسة والابداع واحترام النفس، وأعده في القمة مع امرؤ القيس والمتنبي وأبي تمام وغيرهم من الفطاحل، ممن حفظوا للأمة الذاكرة العربية الممتدة من الجاهلية إلى الآن، وليس ذلك في الفكرة فقط، بل في صياغته التي تعد من أندر الصياغات. درويش كتب الشعر النثري فله قصيدة من 490 سطرا (أي ديوانا كاملا)، وهذه القصيدة الطويلة اسمها «المزامير»، وأذكر أنني عندما كنت في عمان بالأردن وكنا في ندوة، وقلت له انت كتبت قصيدتك النثرية الاولى، فرد قائلا بكلمة واحدة: «والأخيرة». درويش ممثل الثقافة العربية الشعرية في العصر الحديث كله بوصفه شاعر العروبة الاول، وسيظل علامة مميزة.