ندوة أصيلة تناقش 3 مستويات لإصلاح الأمم المتحدة

مشاركون دعوا إلى حلول توفيقية تراعي مستجدات العالم وتطلعات دول الجنوب

TT

أجمع المتدخلون في الجلسة الأولى من ندوة «إصلاح الأمم المتحدة ومستقبل التعاون جنوب ـ جنوب»، المنظمة ضمن فعاليات الدورة الثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، على ضرورة إصلاح منظومة الأمم المتحدة، حتى تصبح فعالة في مواجهة التحديات والمشاكل والمعضلات المتناسلة، المهددة لمستقبل البشرية، وحتى لا يحدث تباعد بين المشاكل والجهاز المخول للمساهمة في حلها أو على الأقل الحد منها.

وتركزت مداخلات الجلسة، التي جرت مساء اول من امس، على مقاربة محور العلاقة المتداخلة بين التعاون جنوب ـ جنوب وتأثيره على الإصلاح المنشود للهيئة الأممية، حيث تكاملت المداخلات في ما بينها، إذ تم التطرق إلى أغلب الجوانب ذات الصلة بالمحور.

واستهلت الجلسة، التي رأسها محمد المدني الأزهري، أمين عام تجمع دول الساحل والصحراء (سين صاد)، بعرض اتسم بالشمول وغزارة المعطيات، ساهم به ادريس الضحاك، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء بالمغرب، المتخصص في القانون الدولي للبحار، حيث تحدث في البداية عن حضور ما أسماه هاجس السلطة الثالثة (القضاء) بخصوص التعاون بين السلطات الأخرى، في ظل عالم يتغير بسرعة متلاحقة، يمر بمرحلة لم تعهدها البشرية من قبل، بسبب ثورة المعرفة التي قال إنها قلبت الحقائق والمسلمات، لدرجة أصبح الإنسان تائها حيالها، ما يستوجب، حسب الضحاك، دخول الأمم المتحدة مرحلة جديدة في حياتها، موضحا أن القضاء بدوره يعرف تغيرات جديدة، يجب أن يستوعبها ويتكيف معها التعاون جنوب ـ جنوب.

واستعرض الضحاك المراحل التي مرت بها الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1945، حين اعتبرها الرئيس الأميركي ترومان، دليلا على استمرار الحضارة فوق الأرض، من دون أن يمنع ذلك سياسيا آخر هو لويس لودج، من القول إن اجتماعاتها ركيكة ومملة، ولكنها أفضل من الحرب.

وأشار الضحاك إلى أن الأمم المتحدة حققت الكثير من الأشياء الإيجابية من خلال تدخلها في العديد من الأزمات الاقتصادية، فساهمت في الجهود المبذولة من أجل الحد من الفقر والوفيات، لكن في مقابل ذلك زاد عدد البشر، من دون أن يواكبه ارتفاع في معدلات النمو، والقضاء على الأمراض الفتاكة.

وتوقف رئيس أعلى هيئة قضائية في المغرب، عند بعض مظاهر التطور في مجال الحقوق، فلاحظ بهذا الخصوص، أن سيادة الدولة تقلصت وتآكلت على حساب حقوق الفرد والإنسان. وهكذا أحدثت محاكم جنائية دولية مختصة في محاكمة رؤساء الدول، بمعنى أن سيادة الدول أصبحت مخترقة نتيجة ما اسماه «الاختصاص العالمي» ما يتيح محاكمة شخصية وطنية خارج حدود بلدها، معتبرا أن كثيرا من الاتفاقيات الدولية التي هيأتها الأمم المتحدة في الماضي، باتت متجاوزة ومهتزة، وبالتالي غير قادرة على التصدي للتحديات الجديدة، لذا يجب من وجهة نظره، التفكير في أسلوب جديد، مستعرضا أشكالا من الجريمة الدولية تستفيد من التطورات العلمية، تقف وراءها منظمات مختصة في ممارسات غير مشروعة مثل المتاجرة في الأعضاء البشرية المسروقة أو المنتزعة من أطفال صغار السن، وكذلك الأمر بالنسبة لإنتاج الخلايا الجذعية الجينية التي تساعد في علاج كثير من الأمراض الوراثية، من دون الحديث عن نشاطات أخرى مرعبة تمارسها منظمات إرهابية، علما بأن التحديات المذكورة تواجهها الأمم المتحدة باتفاقيات وصفها المحاضر بالمثالية، وبينها اتفاقيات قضائية أصبحت عاجزة عن معالجة مشاكل مترتبة عن استعمال التقنيات الطبية في إنتاج حالات وأوضاع لم تكن معروفة، ناتجة عن استعمال أدوية في غير محلها تتسبب في أعراض جانبية خطيرة (أدوية مقاومة النسيان).

وتوقف الضحاك عند ما أسماه «صدمة ندرة المياه»، ملاحظا أنه لا توجد اتفاقية تقنن استعمال واستغلال تلك المادة الحيوية بين الدول؛ وباستثناء الاتفاقية المتعلقة بالأنهار الدولية، فإن الدول الغنية بالماء، لم توقع بعد على الاتفاقية التي صيغت عام 1997، مع الإشارة إلى أنه في عام 2025 سيصبح أكثر من 40 في المائة من سكان العالم مهددين بالعطش والجوع، حسب الضحاك.

وأبرز الضحاك مفارقة أن العالم يركز حاليا على مواجهة تحديات الإرهاب، وأهمل الجرائم الأخرى الأشد خطرا الناتجة عن تطور الذكاء الفردي على حساب الذكاء الجامعي.

ومن جهته، قال الحسان بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن مطلب إصلاح الأمم المتحدة ليس جديدا، بل نادى به من قبل، الدول والأفراد، ملاحظا أن المنظمة الأممية بوضعها الحالي، تقاوم الإصلاح المنشود، ما يعني أن الموضوع يتسم بالتعقيد وليس بالبساطة المتصورة.

وأشار بوقنطار إلى مستويات الإصلاح وهي من وجهة نظره ثلاثة، تتعلق أولا بالقيم والمبادئ التي ينبغي أن تتحكم في الأمم المتحدة التي نريدها، وثانيا ما يتعلق بدور الأعضاء في المنظمة، بينما يتعلق المستوى الثالث بالإمكانيات المخولة للأمم المتحدة.

واستعرض المتحدث بعض أوجه مشكلة الأمم المتحدة، متوقفا عند مفهوم السيادة، حيث يوجد حاليا توتر في النظام الدولي بين تكريس حقوق الإنسان وحق السيادة، إذ أصبحت الأمم المتحدة تواجه عدة مشاكل من هذا النوع، معربا عن اعتقاده بأن المنظمة الأممية قامت لتحقق مبدأ المساواة بين الدول، بينما هي في حقيقتها نتاج اللامساواة التي تتجلى بوضوح في تركيبة مجلس الأمن. فكيف يمكن تصحيح هذا الاختلال، يتساءل بوقنطار، الذي يعتقد أن المشكلة تكمن أيضا في دول الجنوب نفسها التي لم تبلور بعد موقفا واضحا بخصوص من يكون في مجلس الأمن، الذي يمثل حاليا بنظر الباحث الأوليغارشية الدولية، بينما الجمعية العامة للأمم المتحدة تمثل ما يمكن تسميته بالديمقراطية والمساواة بين الدول الأعضاء، فكيف يمكن خلق توازن بين جهازي الأمم المتحدة، خاصة أن مجلس الأمن، أصبح يمارس ما أسماه بوقنطار «الترامي على اختصاصات وصلاحيات» الأجهزة الأممية الأخرى.

وخلص بوقنطار إلى القول، إن مفهوم الجنوب، هلامي وغير دقيق، لأنه عوض مفاهيم سابقة مثل الشرق والغرب والشمال والجنوب، متسائلا ضمن أية خانة نصنف دولا مثل الهند والبرازيل؟ لذا لا بد من تحديد المفاهيم وضبطها وابتكار أجوبة على أسئلة لم تكن مألوفة.

وعرض نيكولاس هوبتن، المدير المساعد للمؤسسات الدولية في وزارة الخارجية البريطانية، موقف بلاده من إصلاح الأمم المتحدة، مشاطرا الرأي القائل إن أمر الإصلاح صعب ومعقد، مبرزا أن حكومة بلاده أعدت استراتيجية لمواجهة المشاكل الدولية، ضمنتها الموقف من إصلاح المنظمة الدولية، التي قال عنها إنها باتت ضعيفة وقديمة، في مقابل ظهور بلدان جديدة ازدادت قوة، ما يتوجب من وجهة نظره الملاءمة بين الحفاظ على العضوية وضمان النجاعة في الأمم المتحدة، التي على الرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى أدائها، فإنها حققت إنجازات مهمة مقارنة بعصبة الأمم التي سبقتها.

وقال هوبتن إن بلاده تؤمن بأهمية إصلاح المنظمة وتعزيز التعاضد بين الأعضاء، لكن بريطانيا لم تهيئ مخططا مكتوبا، مضيفا أنه ما لم تجر إصلاحات فإن النظام العالمي القائم سيفقد مصداقيته، متعرضا كذلك إلى أسبقيات في عمل المنظمة الأممية، مثل تحقيق الاستقرار بعد انتهاء النزاعات (العراق) وذلك بالإعمار وجذب المانحين، كما طالب بمزيد من الشفافية في عمل الأمم المتحدة بنيويورك، مؤيدا توسيع مجلس الأمن بحيث يصل العدد إلى 22 عضوا، مع اتخاذ القرارات بأغلبية الثلثين في المجلس والجمعية العامة.

وختم هوبتن تدخله بالدعوة إلى الخروج من الإطار الضيق، جنوب ـ جنوب، إلى التعامل مع كافة الشركاء، وخاصة الدول الأقل تمثيلية.

وثمن موسى أوكالا، وزير خارجية جمهورية بنين، العمل الذي ظلت تقوم به الأمم المتحدة، من جهة حل المشاكل الإنسانية، معتبراً أن النتائج كانت مهمة وجديرة بالتقدير، ولاسيما في أفريقيا، حيث تحسنت الأمور كثيراً، غير أنه لاحظ أن الظروف الحالية، التي تعيشها المنظمة، تكرس التصنيف إلى دول غنية ومتوسطة وفقيرة، من حيث الثروة الوطنية، ورأى أن الصراعات الداخلية ازدادت في مقابل تقلص الصراعات بين الدول، غداة انتهاء الحرب الباردة. وذهب إلى أن التوجه نحو الحلول الإقليمية للنزاعات قد يكون أحد عناصر إصلاح الأمم المتحدة.

ولاحظ يوسف وادارغو، رئيس وزراء بوركينا فاصو السابق، أن الهيكل الأساسي للأمم المتحدة جاء نتيجة للحرب العالمية الثانية، وأن المنتصرين هم من استحوذوا على مجلس الأمن، واليوم تغير الأمر. ورأى أن «أفريقيا هي القارة الوحيدة غير الممثلة في مجلس الأمن، وفي هذا عدم إنصاف، وبالتالي فلا بد من تصويب هذا الواقع»، وأضاف، قائلا: «مشاكلنا هي ثمار لعدم التوازن الذي تعيشه الأمم المتحدة، ولا بد من تحقيق تمثيل متوازن ومنصف لجميع القارات»، متعجباً بقوله «إن 70 في المائة من جدول أعمال المنظمة يخص أفريقيا، ولذلك فلا بد من تمكين هذه القارة من حق النقض حتى تتمكن من التفاوض مع الباقين»، وختم بالدعوة إلى إلغاء حق النقض أو تكييفه مع سياسات العالم ومستجداته.

وقال رياض محمد خان، الوكيل السابق لوزارة الخارجية الباكستانية، إن «الكل يدعو إلى تقوية الأمم المتحدة والرفع من نجاعتها»، ملاحظا أن مفهوم الجنوب مبهم وغامض، مشيرا إلى أن الشمال يركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، والجنوب يرغب في توسيع العضوية داخل مجلس الأمن والرفع من مستوى التنمية ومكافحة المجاعة وتسوية النزاعات، مثيراً قضايا مستجدة، من قبيل تغيرات المناخ والاحتباس الحراري والأمن الغذائي ونقص المياه، كتحديات ينتظر أن تزداد حدة.

وعلى مستوى الأمن والسلم الدوليين، لاحظ محمد خان أن مجلس الأمن ازداد نفوذاً ونشاطاً عما كان عليه الأمر في الماضي، مبرزاً أن التدخل المسلح، تحت ذريعة حقوق الإنسان وفرض الديمقراطية، يزيد الأمور تعقيداً وحدة. وقالت مارية فرناندا إسبيوسا، وزيرة خارجية سابقة للإكوادور، وممثلتها الدائمة في الأمم المتحدة، إننا «لن نجد الحل السحري لكل المشاكل التي تواجهنا، بل علينا أن نتعلم التعايش جماعة»، ملاحظة أن هناك اختلافاً في النظر إلى المشاكل، بحسب اختلاف البلدان والجهات، داعية إلى حلول توفيقية للإصلاح، الذي يختلف باختلاف المفسرين، وهو الإصلاح الذي يجب أن يكون شاملا، وأن يركز على حقوق الإنسان والتنمية، عبر تقوية الوكالات المتخصصة والتعاون الدولي، داعية إلى تحقيق وتعميق التقارب بين أفريقيا وأميركا اللاتينية، مشيرة إلى أن الديمقراطية صارت تعاني من بعض التآكل في المفهوم، مشددة على ضرورة إعادة تعريف مفهوم السيادة، داعية إلى أن تكون الأمم المتحدة في خدمة الجميع وليس في صالح الكبار، فقط.

ولاحظ علي أحمد عتيقة، نائب رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، أنه من السهل انتقاد الأمم المتحدة، التي تحسب لها إيجابيات كثيرة، حيث قامت بالكثير لصالح الدول الأعضاء، وقال إن «الإصلاح سيكون صعباً، وخصوصاً على مستوى مجلس الأمن"» وأن «الذين يعتقدون أن الخمسة الأعضاء الدائمين سيتنازلون بسهولة عن امتيازاتهم هم يحلمون، كما أن الرفع من عدد الأعضاء، مع استمرار حق الفيتو لا معنى له، وبالتالي فلا بد من التركيز على الجانب التنموي كأساس، وهذا يرتبط بإصلاح الدول والأمم في حد ذاتها»، الشيء الذي يعني أن إصلاح الدول يبقى هو المدخل لإصلاح الأمم المتحدة، خاصة أن الكثير من الدعم المقدم للدول يبقى من دون فائدة، نظراً لضعف قدرة كثير من الدول على حسن التصرف في المساعدات التي تقدم إليها.