الهجوم الإسرائيلي على إيران: 7 أسباب تدعو للتمهل قبل قصف المواقع الإيرانية

منها أن أحمدي نجاد ليس النظام الإيراني.. وبرنامج طهران النووي جريء لكنه ليس مجنونا.. ونظام الملالي ليس «مفجرا انتحاريا»

TT

يوماً بعد يوم، تتضاءل احتمالات أن تقدم إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش على شن ضربة عسكرية حاسمة ضد المنشآت النووية الإيرانية ـ لكن الحال لا يبدو كذلك بالنسبة لإسرائيل. ومن المؤكد أن التصريحات الصادرة من إسرائيل ستتنامى حدتها مع ازدياد التنافس على خلافة رئيس الوزراء إيهود أولمرت، التي تحيط به فضائح فساد، والذي اعلن أنه سيترك منصبه في سبتمبر (أيلول) المقبل. في هذا الإطار، يتنافس وزير الدفاع شاؤول موفاز بقوة في مواجهة وزيرة الخارجية تسيبي لفني، التي تتميز بأنها ليست صقرا متشددا، على الفوز بمنصب أولمرت في رئاسة حزب «كاديما» الحاكم.

وفي تصريح له لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، الاسرائيلية اليومية، قال موفاز إن مسألة شن هجوم ضد إيران يعد أمراً «لا مفر منه». ومن المحتمل أيضاً أن يدرس بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة اليمينية، حزب ليكود، الذي ربما يفوز على ليفني أو موفاز في انتخابات عامة، بجدية إمكانية شن غارة وقائية إسرائيلية ضد إيران. في الوقت ذاته، يصر كبار المحللين السياسيين والمسؤولين والكتاب الإسرائيليين على أن طهران تشكل تهديدا متناميا لوجود إسرائيل. على سبيل المثال، توقع بيني موريس، أحد أهم المؤرخين الإسرائيليين، وأحد أعضاء معسكر الحمائم في السابق، في مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية بأنه: «يكاد يكون من المؤكد أن إسرائيل ستهاجم المواقع النووية الإيرانية خلال الفترة ما بين الشهور الأربعة والسبعة القادمة»، ما يتزامن تقريباً مع الفترة ما بين عقد انتخابات الرئاسة الأميركية ورحيل إدارة بوش. وادعى موريس أن وجهة نظره المتعلقة بان وجود إسرائيل بات على المحك، يشاركه فيها مختلف الأطياف السياسية. واليوم، أصبح أي شخص يعارض مثل هذه الفكرة في مواجهة اتهامات بالتخاذل والسعي لاسترضاء الأعداء. وإذا تم استبعاد احتمالية أن يكون التهديد الإسرائيلي بشن هجوم عسكري ضد إيران مصمماً بهدف منح زخم للجهود الدبلوماسية الأميركية والأوروبية الرامية للضغط على طهران كي تتخلى عن تخصيب اليورانيوم، فهل مثل هذه الضربة العسكرية باتت وشيكة؟ اولا يجب ان نتغاضى عن حقيقة أنه لا يمكن حدوث مثل هذه الضربة الإسرائيلية بدون ضوء أخضر من قبل واشنطن، وسماحها بمرور الطائرات الإسرائيلية فوق العراق. وهناك سؤال مطروح: هل يمكن أن تكون التهديدات الإسرائيلية جادة؟ هناك حجج كثيرة تتم صياغتها للاقدام على قصف المواقع النووية الإيرانية. ومن بين هذه الحجج التي يتم طرحها بصورة تكاد تكون يومية في إسرائيل، اولا أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «جهادي متعصب»، وانه عاقد العزم على محو إسرائيل «من الخارطة»، حسب تعبيره، وأن إصراره على نفي وقوع المحارق النازية بحق اليهود (الهولوكوست) يكشف أنه ربما يكون مستعدا لارتكاب محرقة أخرى. كما يؤكد مروجو هذه الحجة ثانيا أن طهران ماضية بسرعة في طريقها نحو صنع سلاح نووي. وعليه، يجب على الغرب، وإن لم يكن الغرب فإسرائيل بمفردها، التعامل مع إيران كما لو كانت المكافئ الدولي لتفجيري انتحاري. لذا، يجب مهاجمتها الآن قبل أن يفوت الأوان.

وتمضي الحجة قدماً مؤكدة ثالثا أنه حتى لو لم تبادر إيران النووية بمهاجمة إسرائيل، فإن مجرد امتلاكها السلاح النووي سيثير سباق تسلح نووي من شأنه تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة تعج بالدول التي تهدد بعضها البعض بالدمار المتبادل المحقق. رابعا، تمتع طهران بسلاح نووي سيحد من حرية الحركة أمام إسرائيل، إذا ما رغبت في التحرك ضد عشرات الآلاف من الصواريخ التي يملكها حالياً حزب الله. إذاً لماذا لا تتحرك إسرائيل نحو مهاجمة إيران؟ هناك عدد من الأسباب يجب النظر فيها، تدعو لعدم إقدام إسرائيل على هذه الخطوة، فإيران تخوض أمام الغرب لعبة أشبه بلعبة شطرنج حقيقية، بينما لا يفهم مؤيدو شن ضربة وقائية إسرائيلية ضد طهران سوى مجرد جانب واحد من اللعبة. يصر خبراء الاستخبارات دوماً على ضرورة تفحص كل من نوايا وقدرات خصم ما. إذاً دعونا نطبق ذلك على طهران. 1- الرئيس الإيراني ليس النظام الإيراني كله. فبادئ ذي بدء، الرئيس الإيراني لا يمثل النظام بأكمله. في الواقع، يفتقر أحمدي نجاد بصورة كاملة تقريباً إلى السيطرة على البرنامج النووي الإيراني. كما أن السلطة الحقيقة داخل البلاد تكمن في يد المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، حيث يسيطر بمفرده على المؤسسة العسكرية ويملي أوامره على صعيد السياسة الخارجية. ومن خلال وسطاء، أمثال إسفنديار رحيم مشائي، نائب احمدي نجاد وصهره ايضا، انتهجت طهران توجهاً أكثر ليناً إزاء المفاوضات النووية مع الغرب. ومثلما أوضح رحيم مشائي، حسبما أوردت وكالات الأنباء الإيرانية قبل ايام، فإن إيران لا ترغب في خوض حرب ضد أي دولة، واليوم تعد إيران صديقة للولايات المتحدة بل وحتى إسرائيل. 2- النظام الإيراني ليس «مفجرا انتحاريا»، ذلك أنه من الجنون الاعتقاد بأن إيران ستقدم في صباح أحد الأيام على محاصرة تل أبيب. في الحقيقة، يعتبر وصف بيني موريس لـ«الفكر الأصولي الانتحاري» للملالي، الذي يردده آخرون ايضا، أقرب إلى الرسم الكاريكاتيري الذي يبالغ في تضخيم العيوب. ويدرك النظام الإيراني جيداً أن هناك اعتقادا سائدا بأن إسرائيل تملك ما يصل إلى 200 رأس حربي نووي، علاوة على صواريخ وغواصات وقاذفات استراتيجية وقيادات لديها القدرة على الانتقام. 3- النظام الإيراني يريد البقاء. رغبة النظام الإيراني تتركز حول البقاء. فيجب الا يتم تناسي أن الملالي تمكنوا من البقاء في السلطة على امتداد ثلاثة عقود، رغم العزلة الدولية المفروضة على البلاد والتورط في حرب مدمرة مع العراق على مدار ثماني سنوات، والسخط الذي تشعر به الغالبية العظمى من المواطنين ضدهم. وفي أوقات الأزمات الاقتصادية، يعتمد الملالي على الخطابات المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة بهدف تشتيت الأنظار بعيداً عن هذه الأزمات الداخلية. وعلينا أن ننظر إلى البرنامج النووي الإيراني من هذا المنظور. وطبقاً لتقديرات وكالة الاستخبارات الأميركية، تحظى إيران بثالث أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة على مستوى العالم، ومع ذلك تستورد قرابة 40% من احتياجاتها من الغازولين لمجرد أنها تفتقر إلى الموارد أو المعرفة اللازمة لتحديث معامل التكرير لديها، بما يمكنها من ضخ المزيد من النفط. في الواقع، هناك أسباب اكبر تدعو للاعتقاد بأنه مع مرور الوقت سيرضخ الملالي للضغوط الداخلية ويفتحون أبواب البلاد أمام الثروات الفكرية العالمية، بدلاً من الإقدام على ارتكاب مذابح انتحارية. 4- البرنامج النووي الإيراني يتسم بالجرأة لكن ليس بالجنون. علينا أن نفكر في الوضع من المنظور الإيراني. فقد أقدمت واشنطن على الإطاحة بالحكومة الإيرانية عام 1953 للحصول على النفط. كما أن البلاد محاطة الآن بقوات أميركية في العراق وأفغانستان والكويت وقطر والإمارات. ومن المؤكد أن هذا الوضع يدفع طهران لتوخي الحذر في تحركاتها. إضافة إلى ذلك، فإن النظام ربما تلقى درساً مهماً من عضو آخر بـ«محور الشر» وهو كوريا الشمالية، التي تمتلك ايضا برنامجا نوويا، والتي لم تتعرض قط للهجوم، بل تم عرض مئات الملايين من الدولارات عليها مقابل التخلي عن برنامجها النووي. وربما دفع ذلك الملالي إلى نتيجة مفادها بأن الدبلوماسية النووية تعزز المكانة الدولية لدولة تنتمي إلى العالم الثالث. 5- القنبلة النووية الإيرانية لن تسفر بالضرورة عن اشتعال سباق تسلح بالشرق الأوسط، خاصة أن امتلاك إسرائيل لهذه القنبلة، رغم كونها أكثر القوى التي تمقتها وتخشاها الدول المجاورة، لم ينتج عنه سباق تسلح نووي في المنطقة حتى الان. 6- حتى لو كانت طهران عاقدة العزم على الوصول إلى السلاح النووي، فإن ذلك لا يعني أنها ستنجح. ففي الواقع، يتسم البرنامج النووي الإيراني بمستوى أكثر تواضعاً عما يصوره القادة الإيرانيون. ففي شهادته امام الكونغرس الشهر الماضي قال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية وليام بيرنز ان برنامج ايران النووي تطور بشكل متواضع بسبب العقوبات الدولية المفروضة على طهران، محددا تخصيب اليورانيوم لمستويات مرتفعة او برنامج الصواريخ الإيراني. 7- لن يسفر امتلاك إيران للسلاح النووي عن تقليص «قوة الردع الإسرائيلية»، ذلك أن عشرات الآلاف من الصواريخ الإيرانية التقليدية الموجودة بجنوب لبنان وسورية وغزة وإيران نجم عنها ذلك بالفعل. فحزب الله يعرف أنه يستطيع ان يقصف اسرائيل وينجو كما فعل خلال حرب الصيف 2006. لا تعني اي من هذه النقاط ان احمدي نجاد سيتوقف عن الاستفزاز، ولا تعني ان على الدول الغربية ان تتوقف عن تطوير استراتيجية بعيدة المدى للتعامل مع إيران. لكن يجب على الدول الغربية الا تركز الان فقط على قوة التخويف، بل على قوة الجذب ايضا. يجب التركيز على نظام امني جماعي يستفيد منه جميع الأطراف في المنطقة. فالتهديد الاسرائيلي بقصف ايران يخلق فقط شعورا بالخوف والتضامن داخل إيران.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»