ندوة «إصلاح الأمم المتحدة» في أصيلة تختتم أشغالها برفع توصيات إلى بان كي مون

بن عيسى ينتقد تركيز الجنوب على مقعد مجلس الأمن وإغفال قضايا الفقر والعدل والاندماج

TT

وجه المشاركون في ندوة «إصلاح الأمم المتحدة ومستقبل التعاون جنوب ـ جنوب»، المنظمة ضمن فعاليات الدورة الثلاثين، لموسم أصيلة الثقافي الدولي، رسالة إلى بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، تضمنت خلاصات للتوصيات والاقتراحات، التي تم التداول بشأنها في المحاور الثلاثة للندوة، التي اختتمت أشغالها الليلة قبل الماضية، وهمت «التعاون الدولي ومشاريع التنمية في دول الجنوب: إلى أين؟»، و«التعاون جنوب ـ جنوب، بين التطلعات والإكراهات»، و«إصلاح الأمم المتحدة ومقاربة التعاون جنوب ـ جنوب»، بمشاركة أكثر من 50 متدخلا من مختلف قارات العالم.

وتميزت أشغال الجلسة الختامية للندوة بتركيز المتدخلين على مستقبل التعاون جنوب ـ جنوب، في علاقة بدول الشمال، مع اتفاق على أنه لم يعد بالإمكان الحديث عن الجنوب ككتلة واحدة، كما تم التشديد على أن تحديد العوائق التي تعرفها العلاقات بين دول الجنوب يبقى كفيلا بتحديد الرؤى والأهداف والأدوات.

وعلى مستوى الشق المرتبط بإصلاح الأمم المتحدة، ذهبت الآراء إلى أن المنظمة، على الرغم من عيوبها، تبقى لها أهميتها، من جهة الأدوار التي تلعبها، وخاصة في مجالات الإغاثة والتغذية والتعاون، وإن كانت لا تزال رهينة الحسابات الاستراتيجية للدول الكبيرة. واتفق جميع المتدخلين على حقيقة أن هذا الإصلاح سوف يكون صعباً ومعقداً.

وانتقد محمد بن عيسى، أمين منتدى أصيلة، تركيز كثير من دول الجنوب على مقعد في مجلس الأمن، من دون أن يتحدث أحد عن الفقر والغنى والعدل والظلم والإقصاء والاندماج المتكامل. وتحدث بن عيسى عن «سباق سياسي» للحصول على مقعد أو مقعدين بالفيتو أو بدونه، الشيء الذي أدى إلى حدوث انقسامات في أفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. وأكد بن عيسى على حقيقة أنه آن للأمم المتحدة أن تُراجع. وعلى مستوى التعاون جنوب ـ جنوب، شدد على أن «هناك تعاوناً قائماً بالحجة والدليل»، وضرب لذلك مثلا بتجربة المغرب، الذي «ظل، رغم ضعف موارده المالية، يقدم مساعدات تذهب كلها نحو القارة الأفريقية»، وهي مساعدات، أكد بخصوصها أن «المغرب يقوم بها بعطف وأخوة، وليس فيها مساومة أو تقترن بمطالب أو مقابل».

ورأى بن عيسى أن للدول الشمالية مشاكلها ومحبطاتها وإكراهاتها، والمال الذي كان في السابق لم يعد، وفي المقابل هناك أموال في الجنوب، الذي قال إن جزءاً منه، الآن، غني، وختم بالقول إنه يعتقد أنه «يمكن للأمم المتحدة كمنظمة محايدة لا ترغب في الكسب أن تتصور وتسخر آلية توظف فيها جزء من هذه الموارد لمساعدة البلدان في الجنوب بعضها بعضا»، داعياً هذه الدول إلى «التحرر من فكرة المشاريع الكبرى باستمرار».

ولاحظ موسى أوكالا، وزير خارجية بنين، أن المنظمات الإقليمية ركزت أولوياتها، في السابق، على إسقاط الاستعمار، الشيء الذي جعلها تركز على الجانب السياسي، أكثر من الجانب الاقتصادي. ولاحظ أن «المرور من السياسي إلى الاقتصادي مرّ بعدة مشاكل، نجمت بالأساس عن الحرب الباردة، حيث صارت بعض البلدان تقترب من «الأخ الأكبر»، الذي كان إما في الشرق أو في الغرب، فيما لم تكن حركة عدم الانحياز متينة، ما دام أن منطق الحرب الباردة كان يقتضي اتخاذ مواقف وعدم البقاء على الحياد».

وأشار أوكالا إلى اختلاف درجات التنمية بين بلدان الجنوب، مؤكداً على حقيقة أننا «لا يمكن أن نأخذ الجنوب ككتلة واحدة»، مؤكداً على أن «هناك من لا يؤمن بالتكامل الإقليمي، الذي يبقى ضرورياً»، داعياً إلى اختيار وتحديد المجالات التي يمكن أن يتحقق فيها هذا التكامل.

ورأى الأمين كابا باجو، سفير غامبيا في إيران، ووزير خارجيتها السابق، أن «إصلاح مجلس الأمن صعب ومعقد»، وأن «الدول الخمس لن تتنازل عن امتيازاتها»، غير أن «العقل يقتضي ألا تبقى مناطق من العالم من دون أن تمثل على مستوى مصادر القرار الدولي»، وأن «التغيرات، التي طرأت، مع المرور إلى سياسة القطب الواحد، صارت تطرح تحديات أمنية واقتصادية على البشرية». ولاحظ أن «معظم القضايا التي تناقش تخصنا كأفارقة غير أننا لا نشارك فيها»، ورأى أن «على الفيتو أن يمارس خدمة لقضايا العالم، وليس لصالح المصالح الضيقة لبعض الدول»، ولذلك «لا بد من وضع كوابح تحد من الكيفية التي يمارس بها، هذا الحق، حالياً».

وبالنسبة للتعاون جنوب ـ جنوب، قال إنه «لا بد لنا أن نكثف مجهوداتنا حتى نشجع المبادلات التجارية بيننا، من دون التركيز أكثر على علاقاتنا مع الشمال»، داعياً، في هذا الإطار، إلى «إنجاز مشروعات مشتركة وتقوية التكتلات الإقليمية والرفع من مستوى الثقة المتبادلة بين دول الجنوب».

وركزت سميرة حنا الظاهر، السفيرة الممثلة الدائمة للبنان لدى اليونسكو، على عمليات حفظ السلام في العالم، ملاحظة أن إرسال خبراء للوقاية من الصراعات أخف وأهم من إرسال وحدات لفض النزاعات القائمة، ورأت أن منح المساعدات قبل نشوب الصراعات يبقى أكثر أهمية.

وتحدث علي أحمد عتيقة، نائب رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، في مداخلته عن نقطتين، فبصدد المشاكل المرتبطة بتحقيق التعاون، تحدث عن ضعف الفعالية المؤسساتية، وضعف الإرادة السياسية، الناتجة عن ضعف الإيمان بجدوى التعاون، ومزاجية العلاقات بين قيادات الجنوب، وسرعة تغير العلاقات بين الدول، وقال «لا يعقل أن يغضب الحكام من بعضهم فتغلق الحدود بين الدول»، ولاحظ عتيقة أن «الانقلابات العسكرية يبقى لها دور أساسي في هذا الواقع الذي تعيشه دول الجنوب»، متسائلا بقوله: «كيف يمكن أن نخلق تعاوناً في قارة وقع فيها 80 انقلاباً في ظرف 40 سنة؟».

وإلى جانب الخلافات على مستوى أسلوب الحكم بين دول الجنوب، أشار المتدخل إلى تدخلات أجنبية سلبية لم تساعد على تنمية وتطوير هذا التعاون بين هذه الدول.

وعن المستقبل، تصور عتيقة «صعوبة في التحرك»، بعد أن «صارت للجنوب مصالح متباينة»، داعياً دول الجنوب إلى التعلم من بعضها بعض، والأخذ بتجارب دول كالهند والصين وتركيا، ورأى أن «الجنوب سينقسم إلى مجموعات، وداخل هذه المجموعات لن تكون هناك قواسم مشتركة»، وختم بالقول إن لديه قناعة بأن استمرار التعاون جنوب ـ جنوب يستلزم تطوراً على المستوى الديمقراطي.

وشدد الدبلوماسي الجزائري، مراد أحميا، المدير التنفيذي لأمانة مجموعة 77 بالأمم المتحدة، على أن التعاون جنوب ـ جنوب لا يمكن أن يحل محل التعاون شمال ـ جنوب، فالتعاون مع الشمال ضروري لخلق التوازن. وأعلن أحميا اختلافه مع الرأي القائل إن التعاون جنوب ـ جنوب عجز عن إحقاق وإنجاز تقدم، مؤكداً أن تعزيز الإصلاح لابد أن يستهدف تعزيز الهياكل الاقتصادية، حتى تكون في خدمة البلدان النامية.

وركز محمد لوليشكي، السفيرالممثل الدائم للمغرب بمنظمة الأمم المتحدة بجنيف، على ثلاث قضايا، همت تاريخ التعاون جنوب ـ جنوب وأهمية الآمال المعقودة على هذا التعاون ونتائجه، وقال إن «التعاون شهد في الستينيات حماساً كبيراً تجسد في سلسلة من المبادرات منها إنشاء منظمات للتعاون»، و«في الثمانينيات شهدنا خيبة أمل نتيجة البرامج الهيكلية وزيادة العجز في ميزانيات الدولة»، فيما «عرف العالم في التسعينيات تغيرات جذرية، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وسيطرة الليبرالية الاقتصادية».

وأكد لوليشكي أهمية وإيجابية التعاون جنوب ـ جنوب، داعياً إلى ضرورة وضعه في خدمة مختلف الدول، مع تقوية وإشراك المجتمع المدني، وأن ينظم التعاون جنوب ـ جنوب على الصعيد الإقليمي قبل القاري، وأن يواكب بعمليات تقويمية وترتيب للأولويات. واتفق مع الرأي الذي يذهب إلى أن التعاون جنوب ـ جنوب لا يمكن أن يتشكل في تعارض مع الشمال.

وانطلق نور الدين أفاية، الباحث والأستاذ الجامعي المغربي، في مداخلته، من ثلاث نقط، هي سؤال الإصلاح ومسألة التفاوت وقضية النزاع، وقال إن «الإصلاح يصبح مطلوباً حين يكون هناك خلل أو فساد»، وأنها عملية يطلقها «إصلاحيون يرون أن الفساد يستشري، وأن الخلل مس بالمؤسسات، وأن الانحراف يهدد الأخلاق والسلوكات والقيم»، وشدد أفاية على أن «مشكلة إصلاح الأمم المتحدة يواجهها واقع التفاوت الكبير بين المبادئ والمعايير المعلنة أو المثبتة في مواثيق وبين التدبير الأممي لمشكلات ونزاعات العالم».

كما تساءل أفاية في معرض مداخلته، قائلا: «هل يمكن تصور إطار جديد للتضامن بين دول الجنوب مع مراعاة الاختلافات في المرجعيات الثقافية وفي المصالح والبحث عن المشترك في اتجاه إطلاق دينامية إصلاحية من الداخل؟»، ورأى أن «منظمة الأمم المتحدة، التي على الرغم من عيوبها، تبقى تقوم بأدوار لا جدال فيها في مجالات الإغاثة والتغذية والتعاون، وإن كانت لا تزال رهينة الحسابات الاستراتيجية للدول الكبيرة بخصوص حل النزاعات». وذهب عثمان هاشم، مدير سابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن التعاون جنوب ـ جنوب هو الأسلوب الأفضل، بالنسبة لهذه البلدان كي تخرج من الاعتماد على الآخر. ورأى أن هذا التعاون سيستفيد من أداء الأمم المتحدة شريطة ألا تكون مرهونة بمصالح معينة، وأن تكون على قدر ومستوى المبادئ النبيلة التي قامت عليها»، ولذلك دعا إلى تحسين أداء المنظمة الأممية، كما دعا دول الجنوب إلى التعاون والاقتداء بما جرى في الشمال، ولاحظ أن الإصلاح ضروري لكنه غير كاف. وانتقد خالد الشكراوي، الأستاذ الباحث في معهد الدراسات الأفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، «قداسة» الحدود السياسية، ملاحظا أن المجالات الحدودية في القارة الأفريقية هي مجالات مشاكل، متحدثاً عن ضعف البنيات التحتية للربط بين دول القارة، على مستوى النقل البري والجوي والبحري، وعن العائق الأمني، الذي قال إنه يتسبب في عدم ثقة المستثمرين، ومثل لذلك بما جرى في ساحل العاج، حيث تسبب الوضع المتأزم هناك في فرار ثلاث جاليات مهمة، هي المغربية واللبنانية والفرنسية.

وانتقد الشكراوي ضعف القرار السياسي والصراعات البينية بين دول القارة، وصراع الحكام للوصول إلى الزعامة الإقليمية والقارية، وقال إن بعض الحكام يريدون أن يصيروا «رؤساء قارة».

وبعد أن تحدث الشكراوي عن انعدام الحكامة الجيدة بدول الجنوب، قال إن «تحديد العوائق كفيل بتحديد الرؤى والأهداف والأدوات».

وتساءلت مارية فرناندا إسبيوسا، وزيرة خارجية سابقة للإكوادور وممثلتها الدائمة في الأمم المتحدة، بالقول «لماذا عجزت المنظمات الإقليمية عن بلوغ أهدافها؟»، لترى أن «هناك خلطاً بين التعاون والاندماج والمعاملات الجمركية والتجارية»، وأنه «لابد من إنشاء جدول أعمال وتحسين عمل الوكالات والاتفاق على مجالات التعاون المشترك»، مشددة على أن «التنمية بناء ثقافي»، قبل أي شيء آخر.

ورأى يوسف وادراغو، وزير خارجية بوركينا فاصو السابق، والمستشار الخاص لرئيس البنك الأفريقي للتنمية، أن أفريقيا قطعت أشواطاً مهمة على درب التنمية والتعاون، متحدثاً عن نماذج لدول في الجنوب زاد وزنها وتقوت مكانتها في العالم، مثل تركيا والصين والهند.

ورأت كلير سبنسر، رئيسة برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الملكي للشؤون الدولية ببريطانيا، أنه «آن الأوان لكي ننظر للتنمية بمنظور جديد، فنحن لم نعد بحاجة، اليوم، إلى أنماط مقولبة ومجمدة للتنمية»، وقالت إن هناك«تحديات مشتركة، وعلى الشمال والجنوب أن يعملا على ترشيد القطاع الخاص والعام لتلبية الاحتياجات، وأنه لا بد من أخذ احتياجات كل بلد بعين الاعتبار». وقال عبد الإله الخطيب، وزير خارجية الأردن السابق، إن «الجنوب جنوبان»، وأن «هناك فروقات يجب الاعتراف بها»، وقارن بين الشمال والجنوب، قائلا «في الجنوب نادراً ما تنفذ القرارات وغالباً ما لا تنفذ، وفي الشمال غالباً ما تنفذ القرارات ونادراً ما لا تنفذ».

ولاحظ الخطيب أن «الاندماج بالانسياب السلس والسهل للسلع والبضائع ورؤوس الأموال والأشخاص والأفكار، غير موجود، في غالب الأحوال، وإن وجد يكون معاقاً»، في وقت نجد فيه أن مواطن الجنوب «حين يرحب بالقرارات، فإنه يود أن يرى أثرها على الأرض». ودعا الخطيب دول الجنوب إلى «التعلم من تجارب الآخر»، وأن تكون هناك مساواة بين دول الجنوب في التمثيلية داخل المنظمات الإقليمية، وقال: «لا يعقل أن نطالب بمساواة في الأمم المتحدة بينما نعاني من تغييب للمساواة في منظماتنا الإقليمية» في الجنوب.