الحرب في القوقاز: من المواجهة المسلحة إلى الصراع السياسي

TT

تطورات الصراع المسلح في منطقة القوقاز تنذر وعلى عكس المألوف في الادبيات السياسية بمقدمات احتدام صراع سياسي يتعدى الحدود الى ما وراء البحار وهو ما تبدت مؤشراته في التلاسن الشديد الحدة بين مندوبي روسيا والولايات المتحدة فيتالي تشوركين وزلماي خليل زاد في مجلس الامن الدولي. واذا كانت روسيا تخوض اليوم ولاول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق حربا دموية مع احدى «الشقيقات السابقات» التي طالما ارتبطت معها بأواصر صداقة تاريخية على مدى مئات السنين فان واقع اليوم يقول انها فعلت ذلك تحت وطأة الكثير من تداعيات الفترة التي اعقبت عملية انهيار الدولة السوفياتية وتكثيف القوى الخارجية لمحاولات التدخل في اطار ما يسمى بـ«نظرية ملء الفراغ» والتي كشفت عنها واشنطن صراحة من خلال اتصالاتها مع حلفاء موسكو السابقين وخطواتها الرامية الى ضم جورجيا وأوكرانيا الى الناتو كمقدمة لتكرار المحاولة مع بلدان اخرى طالما كانت ضمن مناطق المصالح الروسية منذ سنوات الامبراطورية الروسية وما قبلها.

ولم تكن موسكو لتلتزم الصمت تجاه العملية العسكرية الخاطفة التي شنها الرئيس الجورجي في توقيت ثمة من يقول ان اختياره كان بايعاز من ممثلي الادارة الاميركية الذين سبق وزاروا تبليسي ابان انشغال رؤساء بلدان الثماني الكبار في قمتهم باليابان في يوليو الماضي. لقد كانت زيارة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية تستهدف ضمنا محاولة تحقيق اكبر قدر من المكاسب في العلاقات مع موسكو قبيل رحيلها في نهاية هذا العام وهو ما كانت موسكو تدركه وتقدر ابعاده. ولعل ذلك تحديدا لم يغب عن صانعي القرار الذين اتخذوا قرار التدخل العسكري لتعويض الكثير من قصور الماضي مدركين في نفس الوقت صعوبة تدخل واشنطن المباشر الى جانب تبليسي وهي التي لم تبرأ بعد من جراحها في العراق وأفغانستان.

لقد كانت موسكو موجودة في أوسيتيا الجنوبية التي يحمل 80% من سكانها الجنسية والسنوات الاخيرة التي اعقبت عقد اتفاقيات داغوميس في عام 1994 التي اكدت مشروعية قوات حفظ السلام الروسية في ابخازيا واوسيتيا الجنوبية واقرت تاسيس اللجنة المشتركة للحوار بين الاطراف المعنية، هذه السنوات الاخيرة شهدت الكثير من تعرجات التاريخ وتعقيدات العلاقة بين هذه الاطراف وان ظلت اساسا قانونيا لتكريس الوضع القائم بعد اعلان هاتين الجمهوريتين الانفصال عن جورجيا. صحيح ان روسيا لم تكن محايدة بالقدر الكافي او بقول آخر بقدر المعنى القانوني للحياد، لكنها كانت اشبه بصمام الامان الذي غدا في حاجة الى ضمان بعد اعلان الناتو عن مشروعية النظر في طلب جورجيا واوكرانيا حول الانضمام الى الناتو وهو ما كان ايضا في خلفية قرار الحرب ضد أوسيتيا الجنوبية. لم تكن روسيا محايدة ايضا بعد اعلانها الكثير من الاجراءات حول تعميق العلاقات مع مواطني هاتين الجمهوريتين في اعقاب اعلان الغرب تأييده واعترافه باستقلال كوسوفو.