إحدى قصائد درويش ستكتب على حجر عملاق.. والحكومة الفلسطينية تعقد جلسة خاصة وفاء له

سيدفن في رام الله بعيدا عن خبز أمه

TT

وافقت عائلة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش على دفنه في مدينة رام الله إثر طلب تقدمت به السلطة الفلسطينية عبر وفد رئاسي زار العائلة في قرية الجديدة، قرب قرية «البروة» المهجرة، مسقط رأس الشاعر الراحل، الواقعة داخل الخط الأخضر. وقال جمال زحالقة العضو العربي في الكنيست الاسرائيلي لـ«الشرق الاوسط»: «وافق اخوة محمود درويش بعد نقاش عميق وشعبي وموسع على دفنه في رام الله باعتباره مُلكا للشعب الفلسطيني وليس لعائلته فقط».

وبرغم وجود تيار ضاغط من اجل دفن درويش في الجليل الاعلى حيث ولد وظل يكتب عن حنينه للجليل وخبز أمه، إلا ان القرار النهائي اتخذته عائلة درويش الذي لم يترك وصية بهذا الشأن. وأكد زحالقة ذلك قائلا: «وافق شقيقه وهو لم يترك اي وصية مطلقا».

وقال أحمد عبد الرحمن، مستشار الرئيس محمود عباس، الذي قام بزيارة أول أمس (الاحد)، إلى منزل أسرة درويش: «إن أشقاء درويش، وأسرته، وافقوا على دفنه في رام الله». من ناحية أخرى، أكد وزير الخارجية في السلطة رياض المالكي «عدم الطلب من اسرائيل السماح بدفن درويش في مسقط رأسه الذي دمر بشكل تام خلال حرب العام 1948».

وسيصل جثمان درويش إلى مطار عمان المدني (ماركا) حوالي الساعة العاشرة من صباح الاربعاء قادما من الولايات المتحدة الأميركية على متن طائرة خاصة. وقالت سفارة فلسطين لدى المملكة الأردنية إن استقبالا ووداعا رسميين سيجريان للراحل الكبير على أرض المطار، ينقل بعدهما الجثمان إلى الأراضي الفلسطينية. وفي رام الله، يواصل مهندسون وحرفيون العمل على تجهيز موقع دفن درويش، على تلة مرتفعة قرب قصر رام الله الثقافي الذي سيتحول اسمه الى مركز محمود درويش الثقافي. وقالت وزارة الاسكان والإشغال في بيان لها «إن آليات الوزارة تقوم بتسوية وتجهيز قطعة الأرض التي قدمتها بلدية رام الله، على التلة المقابلة لقصر الثقافة، وان العمل يشمل تسوية وحفر المدفن، ووضع صخرة كبيرة تكتب عليها بعض من أشعار المرحوم درويش».

وتبلغ مساحة الأرض التي سيدفن فيها درويش قرابة الدونم وربع الدونم. ومن المقرر، وفق وكيل وزارة الأشغال، ماهر غنيم، أن تتم إحاطة القبر بأشجار النخيل، إضافة إلى حفر أحد أبيات قصائده على حجر عملاق سيتم إحضاره خصيصاً من بيرزيت.

وبحسب ما ذكرته تهاني ابو دقة، وزيرة الثقافة، لـ«الشرق الاوسط» سيتم تحويل قبر درويش الى نصب تذكاري، وقال غنيم ان القبر سيتحول ايضا إلى حديقة عامة في المستقبل القريب.

وسيستقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه جثمان درويش في ساحة المقاطعة في رام الله، حيث ستقام مراسم تأبينه قبل ان ينقل الى ساحة قبره. ومن المقرر ان يطلق الحرس الرئاسي 21 طلقة تكريماً للراحل.

وعقدت الحكومة الفلسطينية امس، برئاسة فياض، جلسة خاصة في رام الله، وفاء لروح درويش. وقال فياض: «يرحل محمود كما الفراشة جميلاً، ولكن قلقاً على تضحيات وإنجازات شعبه. هل هزمك الخوف على مستقبل ثقافة أنت أحد بناتها بعد أن هزمت الموت أكثر من مرة؟». وخاطب فياض درويش قائلا «أدمي قلبك يا محمود بما حل بشعبنا من مأساة الانقسام مستشعراً الخطر على الهوية التي يمزقها الانفصال. قلبك المرهف وكأنه لم يحتمل ما يرى وما يسمع... توقف قلبك الممتلئ حبا وعشقا وهمًا، ولكن روحك تفيض بالحركة وتملأ سماء فلسطين وتكرس ملامحها الخالدة ... فلا تعتذر عما فعلت». وتابع: «غيب الموت فارس الحلم وشيخ شعراء قضية العرب الأولى، المسكون بالتضاريس الخالدة وحلم الوطن ونهاية المنفى... ولكن عزاءنا بأن الشعراء لا يموتون، ولا يجف مداد أحلامهم بفناء الجسد.  فما بالنا والحديث عن محمود.

وأضاف: «سيودعك شعبك الذي أحببت بما يليق بك وبشعبك، كما شعوب الأمتين العربية والإسلامية، وكل أحرار البشرية والمدافعين عن العدالة والحرية. سيظل يا محمود على هذه الأرض ما يستحق الحياة، على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارت تسمى فلسطين».

وكان رؤساء دول وقادة وشعراء ومثقفون وأدباء ومؤسسات وفصائل قد نعت الراحل الكبير. وتقدم امس، رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزي للشعب الفلسطيني ولعائلة وأصدقاء درويش، بأحر التعازي بغيابه. وقال ساركوزي: كان درويش واحداً من كبار الشعراء المعاصرين، وكان فلسطينياً ملتزماً. ومن خلال ترحاله في لبنان ومصر وتونس وفرنسا، كان شاهداً وفاعلاً في عصره».

وأضاف: «تشهد أعماله التي وسمها المنفى والحنين غنى في اللغة والتاريخ والثقافة الفلسطينية. وفي عدم توقفه عن التجدد، لم يترجم (في شعره) لا التشاؤم ولا الانحناء، وعلى العكس كان مفعماً بالحيوية والغنائية غير القابلة للمقارنة».

وضع درويش قوة الكلمات في خدمة الحقائق الأساسية، كما أن الأحاسيس التي كانت تثيرها في قلب كل قارئ من قرائه، تبين كونية المشاعر والارتباط بالأرض».

وخلص ساركوزي إلى القول: «في وقت أكثر من أي وقت مضى، الذي تجب فيه دعم جهود السلام بين الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي)، فإن نداء درويش للسلام والتعايش بين دولتين، تعيشان جنباً إلى جنب، يستحق أن يُستذكر وأن يُسمع».