محمود درويش قام بجولة وداع في الجليل

قبل أشهر من وفاته

TT

خلال الشهور الأخيرة، قام الشاعر محمود درويش بعدة جولات في جميع أنحاء منطقة الجليل، مسقط رأسه ومرعى طفولته وشبابه، وحرص على لقاء العديد من رفاق الطفولة والدرب وعدد من الشعراء والأدباء الذين ترعرع معهم. وكانت تلك وكأنها صولات وجولات الوداع.

هذا ما كشفه صديق محمود درويش، المحامي جواد بولس، لـ«الشرق الأوسط» أمس، وهو يستقبل ألوف المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48)، الذين تدفقوا على بيت آل درويش في بلدة جديدة لمشاطرتها الحزن على الخسارة الأليمة. وقال بولس، الذي رافق درويش في تلك الجولات، انه كان عاشقا لهذه البقعة من فلسطين بشكل خاص ويعتبرها سويسرا الشرق الأوسط ويتساءل دائما بحسرة: لماذا يجب أن تكون منطقة ساحرة كهذه في قلب حروب القتل والعداء. المعروف ان محمود درويش هو بالنسبة لفلسطينيي 48، الكنز ومثار الاعتزاز الكبير. فهو واحد من أهم الشخصيات التي خرجت من صفوفهم ولمعت أسماؤها عاليا في سماء العالم. يعتزون بانجازاته. ويرون فيه رمزا وقائدا. وقد عبروا عن هذا الحب في اللقاء الكبير الذي جرى معه في حيفا في السنة الماضية، حيث خرج متأثرا لدرجة البكاء. وفي يوم أمس، احتشدوا أمام بيت العائلة ضيوفا ومضيفين، يتبادلون العناق والبكاء. ويطالبون الحكومة الاسرائيلية بأن تسمح بدفنه في إحدى بقع الجليل التي أحبها. وقد استقبلوا وفدا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ضم ثلاثة من كبار مستشاريه، هم: أحمد عبد الرحمن وسميح عبد الفتاح وحكمت زيد، جاء يطلب من العائلة ومن القيادة السياسية والوطنية لفلسطينيي 48 أن يسمحوا بدفن جثمان محمود درويش في رام الله، ليتاح للقيادة الشرعية للشعب الفلسطيني ان تعطيه حقه كشخصية عزيزة غالية للشعب كله، وليس للشريحة التي انحدر منها وحسب. واجتمعوا مع أشقاء محمود، أحمد وزكي ونصوحي وصديقه جواد بولس وعضوي الكنيست، محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وجمال زحالقة، رئيس كتلة حزب التجمع الوطني، والأديب محمد علي طه، رئيس اتحاد الكتاب العرب في اسرائيل، وأكدوا ان السلطة الوطنية ومنظمة التحرير، تنوي اقامة مدينة ثقافية على اسم محمود درويش في رام الله تضم ضريحه ونصبا تذكاريا له وقصر ثقافة ومكتبة عامة. وترغب في أن يتحول هذا الصرح الثقافي الى مزار يؤمه الفلسطينيون والعرب من كل أرجاء الأرض، مؤكدين ان دفنه في الجليل لن يتيح ذلك حتى للفلسطينيين في الضفة الغربية، فما بالك بأحبائه من العالم العربي.

وقد تجاوبت عائلة محمود درويش وقادة 48 مع الطلب، مؤكدين انهم يعرفون ان محمود درويش ليس ملكا لهم وحدهم، وأنه يعتبر مبدعا على مستوى الشعب الفلسطيني والأمة العربية والحضارة الانسانية جمعاء. وقالوا انهم سيجدون الطريقة لتخليد اسم محمود درويش في هذه البقعة من الوطن، التي أحبها وكان لها رمزا كما هي له.

وكانت جميع الأحزاب الوطنية لفلسطينيي 48، من الحزب الشيوعي (ركح)، الذي بدأ درويش نشاطه السياسي في صفوفه، وبدأ نشر ابداعاته الأدبية والشعرية في صفحات صحفه «الاتحاد» و«الجديد»..، الى التجمع الوطني والحركة الاسلامية والحركة العربية للتغيير والحزب الديمقراطي العربي وغيرها، وجميع المؤسسات الثقافية والوطنية، قد نعت الفقيد ببيانات تحدثت فيها عن مميزاته ودوره وعطائه. واهتمت الصحافة الاسرائيلية بوفاة درويش، حيث نشرت جميعها الأخبار عنه تباعا، وكتب عشرات الأدباء الاسرائيليين اليهود، المقالات في مديحه بوصفه «الشاعر القومي للشعب الفلسطيني» و«المبدع الخصم»، برز بينهم أ. ب. يهوشوع ويتسحاق ليئور.

كان الفيلسوف العارف..