موريتانيا: ميثاق يحدد صلاحيات القادة الجدد ويضع حداً لسلطة الرئيس المخلوع

«القاعدة» تهاجم قادة الانقلاب وتدعو لـ«الجهاد» > وساطة مغربية وراء إطلاق رئيس الحكومة السابق

رئيس الحكومة السابق ولد الواقف يتحدث خلال تجمع مناهض للانقلاب الليلة قبل الماضية في نواكشوط (ا.ب.ا)
TT

صادق المجلس الأعلى للدولة الحاكم في موريتانيا منذ الانقلاب على الرئيس سيدي ولد شيخ عبد الله في السادس من الشهر الحالي، على ميثاق دستوري يحدد صلاحيات هذا المجلس المكون من 12 ضابطاً، دون الإشارة لتحديد موعد للانتخابات الرئاسية، ودون أن ينص على منع أعضاء المجلس من الترشح لانتخابات رئاسية مقبلة.

وأعلن بيان صادر عن أول اجتماع علني لهذا المجلس «وضع حد نهائي لسلطات رئيس الجمهورية المنصب يوم 19 إبريل (نيسان) 2007». وبرر تدخل القوات المسلحة وقوات الأمن للإطاحة بالرئيس المخلوع «بشل المؤسسات الجمهورية وتدهور الظروف المعيشية للمواطنين وانهيار الدولة والإقالة غير المسؤولة لقيادات الجيش». ونص الميثاق على تعديل أحكام الدستور الحالي «المخالفة أو المتعارضة مع هذا الأمر الدستوري وذلك خلال الفترة الضرورية لتنظيم انتخابات رئاسية». وأوضح البيان ان الميثاق «يهدف وبدون المساس اكثر مما هو ضروري بأحكام دستور 20 يوليو (تموز) 1991 المعدل الى تحديد السلطات المؤقتة للمجلس الاعلى للدولة».

وعبر المجلس في بيانه عن ارتياحه لمساندة الأحزاب السياسية والفاعلين في المجتمع المدني والمنظمات المهنية والمواطنين لحركة التصحيح التي قام بها في السادس من شهر أغسطس (آب) الجاري، فيما أعرب عن تثمينه لمدى «الاهتمام الذي توليه الدول الشقيقة والصديقة وشركاؤنا في التنمية لبلادنا في هذه الظرفية». وتعهد المجلس بالإشراف على انتخابات رئاسية تمكن من دفع المسار الديمقراطي في البلد وتأسيسه على قواعد ثابتة ودائمة وذلك بالتشاور مع المؤسسات والقوى السياسية والمجتمع المدني.

وجاء هذا في وقت أعرب زعيم المعارضة احمد ولد داداه عن مساندته لما وصفه بحركة التصحيح التي قام بها المجلس الأعلى للدولة، ووصف الفترة التي أمضاها الرئيس المخلوع في السلطة بأنها كانت سيئة ومليئة بالفساد وانتشار الرشوة. وقال ولد داداه في أول تصريح له عقب الانقلاب إن الانتخابات الرئاسية الماضية كانت مزورة لكنه اعترف بها «ليجنب موريتانيا الوقوع في مزالق خطيرة».

وفي سياق منفصل شارك رئيس الحكومة السابق يحيى ولد الواقف مع اثنين آخرين من المعتقلين المفرج عنهم في مهرجان عقدته «جبهة الدفاع عن الديمقراطية» في نواكشوط الليلة قبل الماضية احتجاجا على الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وحضره العديد من القادة السياسيين والوزراء، إضافة إلى جماهير شعبية قدرت بثلاثة آلاف شخص. ودعا ولد الواقف في كلمة بالمناسبة مناوئي الانقلاب للصمود في وجه العسكر والتمسك بالشرعية، مثمنا موقف رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) مسعود ولد بولخير الرافض للاعتراف بالمجلس الأعلى للدولة وإدانته للانقلاب.

وقال ولد الواقف لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس المخلوع «بصحة جيدة، ومعنوياته مرتفعة ومتمسك بشرعيته الدستورية». وأكد أنه يقيم حالياً في جناح مجهز بقصر المؤتمرات التابع للحرس الرئاسي ويتابع ما يجري من تطورات عبر وسائل الإعلام».

وكانت السلطات الموريتانية قد أفرجت أول من أمس عن ثلاثة معتقلين على خلفية انقلاب السادس من أغسطس (اب) الجاري هم يحي ولد الواقف رئيس الحكومة، وموسى أفال مدير الوكالة الوطنية لدمج المبعدين، والوزير السابق ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي أحمد ولد سيدي باب، فيما أبقت على الرئيس السابق رهن الإقامة الجبرية بقصر المؤتمرات التابع للحرس الرئاسي.

وذكرت مصادر مطلعة أن الإفراج عن المعتقلين جاء بوساطة مغربية، وقد تم بعد ساعات من وصول مبعوث العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى نواكشوط، محمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والمستندات (مخابرات عسكرية خارجية). وفيما لم يكشف الموفد المغربي عن فحوى المشاورات التي جمعته مع القادة الجدد، أكدت مصادر قريبة من الوفد أن زيارة المنصوري تأتي في سياق انشغال المغرب، كغيره من دول الجوار، بالتطورات الجارية في موريتانيا والاطمئنان على صحة الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

وخلال هذا اللقاء، نقل المنصوري لرئيس المجلس الأعلى للدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، رسالة شفهية من العاهل المغربي. يذكر ان الرباط لم يصدر عنها أي موقف رسمي ازاء الانقلاب الذي اطاح اخيرا بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله.

في غضون ذلك، دعا زعيم تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي»، عبد المالك دروكدال إلى «الجهاد» في موريتانيا «حتى نعيدها خلافة راشدة على منهاج النبوة». وقال دروكدال في بيان نشره التنظيم المسلح على شبكة الانترنت أمس، إن مدبري الانقلاب على الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله «لم يكونوا ليقدموا على فعلتهم لو لم يحصلوا على موافقة دول الكفر، أميركا وفرنسا وإسرائيل». ودعا دروكدال المدعو «أبو مصعب عبد الودود» إلى الحذر مما أسماه «ديمقراطية كفرية لأنها من ألاعيب وخدع التحالف الصهيوني الصليبي بأهل الاسلام». وجاء في البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن «المثال الموريتاني ليس إلا عينة بسيطة للتناقض الذي تتخبط فيه الأنظمة الحاكمة في بلدان المغرب الاسلامي، تلك الانظمة التي طالما رفعت لواء الديمقراطية في حربها على الإسلام في الوقت الذي يرى الناس أن معظمها وصل إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، وبعضها ما زال يمارس الحكم في حالة الطوارئ».

وحرض دروكدال، 38 سنة، أتباع التيار السلفي في المغرب العربي على حمل السلاح لتغيير الوضع في موريتانيا وفي كامل المنطقة، فقال: «يا أهل الاسلام قد أتاكم النذير، أفيقوا من سباتكم وخذوا للحرب أهبتها فقد زحف إليكم الصليب وارفعوا راية الجهاد.. ولتقطع من الاشلاء حتى نعيدها خلافة راشدة».

يشار إلى أن تنظيم القاعدة المغاربي يتركز نشاطه اساسا في الجزائر لكنه يضم في صفوفه مسلحين مغاربيين ويملك أتباعا في موريتانيا كانوا له عونا في تنفيذ هجمات ضد الجيش، أهمها قتل 15 جنديا في شمال البلاد في صيف 2005. ونفذ نفس التنظيم هجوما على سفارة إسرائيل بنواكشوط في فبراير (شباط) الماضي خلف جرحى.

وفي القاهرة، أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى امس أنه تسلم من مساعده للشؤون السياسية احمد بن حلي تقريراً عن زيارته الاخيرة الى موريتانيا، مشيراً إلى أن التقرير يشدد على أن المؤسسات الديمقراطية في موريتانيا تعمل ما عدا مؤسسة الرئاسة. وأفاد موسى بان مبعوثه الى موريتانيا أبلغه ان رئيس مجلس الدولة محمد ولد عبد العزيز والقادة السياسيين ملتزمون وحريصون على عدم إحداث تراجع في المسار السياسي في موريتانيا. وأوضح موسى في مؤتمر صحافي أن بن حلي اطمأن على امن وصحة الرئيس المخلوع وحسن معاملته وانه مواطن موريتاني له حقوقه الاساسية التي يجب احترامها.

وأكد موسى ان ولد عبد العزيز اكد لابن حلي أن موريتانيا في وضع انتقالى ولن يستمر إلا لمدة اشهر وسينتهي في فترة زمنية قصيرة حتى يتمكن المجلس الجديد من خلق اجواء توفيقية لاجراء انتخابات رئاسية نزيهة.

وأكد موسى ان الوضع في موريتانيا سيكون موضع نقاش من قبل وزراء الخارجية العرب في سبتمبر (ايلول) المقبل، معرباً عن أمله في حضور دبلوماسي موريتاني عال لحضور هذه المناقشات. واضاف أن الوضع الانساني في موريتانيا بحاجة إلى تقديم مساعدات.

وبرر موسى عدم قيام الجامعة العربية والامم المتحدة باتخاذ قرار مماثل لقرار الاتحاد الافريقي القاضي بتعليق عضوية موريتانيا، بالقول إنه لا توجد نصوص في الجامعة او الامم المتحدة تنص على تعليق العضوية بعكس الاتحاد الافريقي. وقال ان هناك توافقاً على ان يكون قرار الاتحاد الافريقى جزءاً من الحل للأزمة في موريتانيا.

وفي رده على سؤال حول قبول الجامعة بالوضع الحالي في موريتانيا قال موسى ان الجامعة لن تجتمع لتقرر كيف يمكن التعامل مع هذا الوضع وهناك تقرير أعده بن حلي حول نتائج زيارته لموريتانيا تم ارساله بالفعل الى وزراء الخارجية العرب لدراسته. وأكد موسى أن الجامعة تتعامل مع واقع موجود في موريتانيا وتحاول المساعدة.

وردا على سؤال حول ما اذا كانت هناك آلية عربية لضمان امن وسلامة الزعماء العرب قال موسى يجب ان يكون هذا الموضوع محل بحث في الجامعة خصوصا ان الرئيس المخلوع هو رئيس منتخب. وذكر موسى ان تقرير بن حلي يتضمن عددا من المقترحات والتوصيات للتعامل مع الازمة الحالية في موريتانيا وسيتم عرضها على وزراء الخارجية العرب يومي 10 و11 سبتمبر (ايلول) المقبل في القاهرة.