الموت يغيب عبد الصادق الربيع الأمين العام للحكومة المغربية

TT

غيب الموت عبد الصادق الربيع، الأمين العام للحكومة المغربية، أمس، إثر صراع صامت مع المرض امتد سنوات، وذلك عن عمر جاوز الثلاثة والستين (من مواليد عام 1945) من أسرة جزائرية الأصل، فوالده عبد الربيع لم يحصل على الجنسية المغربية إلا في عقد الستينيات من القرن الماضي، وكان أحد السباقين إلى تهنئة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، بنجاته من محاولة الانقلاب العسكري الدموية التي جرت بمنتجع الصخيرات (ضاحية الرباط) يوم العاشر من يوليو (تموز) 1971، حيث كان الملك الراحل يحتفل في قصره الشاطئي، بذكرى ميلاده، وسط مئات المدعوين من المغاربة والأجانب.

وكتعبير عن الامتنان لمبادرة الربيع الأب، وهو يومئذ محام بمدينة مراكش، كافأه الملك الحسن الثاني فيما بعد بأن أسند إليه مهمة مدير الأمن العام، وهو منصب دقيق في ظرف سياسي بالغ الحساسية، قربه أكثر من الملك الراحل الذي كان مولعا بالدراسات القانونية، ما جعله يكتشف مواهب النجل عبد الصادق في هذا المجال، فرعاه وشجعه وأكبر فيه خصال تكريس وقته لدراسة القانون والتعمق فيه، بعد أن أنهى دراسته الجامعية في جامعة بوردو (فرنسا) التي حصل منها كذلك على دبلوم في الفلسفة، أهله كل ذلك ليتقيد في سجل هيئة المحامين بالمدينة الفرنسية المشهورة بجامعاتها في حقل الدراسات القانونية.

في عام 1974، نادى الملك الراحل على، عبد الصادق، وأدخله إلى سراديب الأمانة العامة للحكومة، الجهاز المختص في تدقيق مشاريع القوانين والتشريعات الحكومية وملاءمتها مع مقتضيات الدستور والمنظومة القانونية العامة التي تحكم عمل الحكومة في الجانب التشريعي. وتدرج الداخل الجديد سريعا في سلم الأمانة العامة، من مدير الدراسات مكلف التشريع إلى أن أصبح في عام 1993 أمينا عاما، متقلدا ذات المنصب في حكومة محمد كريم العمراني، إذ حرص الملك الحسن الثاني، لحساسية المنصب السياسية، على إسناده لذوي العلم وأهل الثقة، مثل الوزير الذي ظل مقربا إليه إلى حين وفاته، يتعلق الأمر بالحاج محمد أباحنيني، الذي خلفه المرحوم عباس القيسي، فقد عرف الراحلان بثقافتهما الفقهية الواسعة وإتقانهما للغة الفرنسية، التي تصاغ بها جل القوانين في المغرب قبل أن تترجم إلى اللغة العربية.

وخلال عقد ونصف، لم يسلم الأمين العام الراحل من انتقاد الأحزاب السياسية وكذلك من الوزراء، ليس لشخصه وإنما للبطء الذي اتسم به دائما عمل الأمانة العامة في إخراج القوانين والتصديق عليها، بينما كان الراحل يرجع ذلك إلى الحرص على التدقيق، الذي لا يمكن أن يمارسه إلا خبراء قانونيون أكفاء، لم تتزود بهم الأمانة العامة لمواجهة الضغط التشريعي الذي تفجر في ظل حكومة عبد الرحمن اليوسفي المشكلة عام 1998 والتي أذهلها الفارغ التشريعي في مختلف الدواليب الحكومية. لذلك ظل مطلب تغيير الأمين العام، مطلبا مضمرا، خلال جميع المشاورات الحكومية بعد حكومة اليوسفي، لكن الأحزاب لم تجرؤ على التعبير عن ذلك المطلب بوضوح أو تضعه شرطاً لمشاركتها في الحكومة، إيمانا منها بأن مجال التشريع من اختصاص الملك وصلاحياته، باعتباره الرئيس الفعلي لمجلس الوزراء، حسب دستور المملكة.

وظهرت علامات المرض بوضوح في السنوات الأخيرة على ملامح الراحل الذي ظل صامتا طوال حياته، مبتعدا عن الصحافة وأجواء السياسة المتقلبة، حيث اعتقد الكثير أنه، بسبب المرض، لن يحتفظ بالمنصب في ظل حكومة عباس الفاسي الحالية، خاصة أن حزب الاستقلال في طليعة المنادين بتغيير الأمين العام للحكومة، لكن اتضح أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، لا يريد أن يتخلى عن الرجل وهو في ذروة محنة المرض فأبقاه في منصبه.

من المؤكد أن اختيار خلف للربيع الراحل، سيقرر فيه الملك محمد السادس، ولا توجد أسماء مرشحة بعينها، ففي وقت برز اسم عمر عزيمان وزير العدل الأسبق والسفير الحالي في مدريد، وقيل إنه كان موضوع توافق بين اليوسفي والملك الحسن الثاني قبل رحيل هذا الأخير، كما تداولت الصحف المغربية في وقت سابق اسم عبد اللطيف المنوني، عضو المجلس الدستوري. ولم يظهر على مدى السنوات الماضية اسم من داخل مطبخ الأمانة العامة، لكن المفاجأة قد تحدث، مع الإشارة إلى أن المغرب يحفل بمن تتوفر فيهم مواصفات هذا المنصب، الذي سيظل في جميع الأحوال، بعيدا عن الأحزاب السياسية سواء المشاركة في الحكومة أو المعارضة، لكن ذلك لا يلغي احتمال اللجوء إلى أسماء سبق لها أن انتسبت وناضلت في صفوف الأحزاب السياسية من اليمين واليسار على السواء، في ظرف انتفت فيه ثقافة تصنيف الأشخاص والحكم عليهم انطلاقا من قناعاتهم وانتماءاتهم المذهبية. ومن هنا رشحت مصادر خالد الناصري، وزير الاعلام الحالي لهدا المنصب.

ويبقى السؤال، هل يكون تعويض عبد الصادق الربيع، مبرراً لإدخال تعديل على الحكومة الحالية، خاصة وقد انتشر هذا الاحتمال خلال الأشهر الماضية، بعد أن شاع أن الملك محمد السادس، ليس راضياً تمام الرضى عن أسلوب العمل في بعض القطاعات الحكومية والذي تعود المسؤولية فيها إلى شخص الوزير قبل غيره.