روسيا مستاءة من وسائل الإعلام الغربية.. وتصور ساكاشفيلي كمجرم حرب

تبليسي تقدم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية.. وموسكو تستعد لتحريك دعوى مماثلة

TT

بعد إعلان روسيا وقف العمليات العسكرية في منطقة القوقاز، بعد تحقيق الهدف المعلن وهو طرد القوات الجورجية من اوسيتيا الجنوبية، و«معاقبة المعتدي»، يبدو أن الثقة الروسية بالرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي قد أصبحت معدومة، والانزعاج الروسي من تصوير وسائل الاعلام الغربية له على أنه الضحية، قد بلغ حده.

وقد تحدث الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، ورئيس حكومته فلاديمير بوتين، علانية عن الجرائم التي ارتكبتها القوات الجورجية وقال إن من هذه الجرائم احتجاز الكثيرين من المواطنين ومنهم النساء والاطفال وراء أسوار إحدى حظائر المواشي وإضرام النار بها. ويصر المسؤولون الروس على تأكيد أن من المستحيل التفاوض مع زعيم على غرار ساكاشفيلي. وقد كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي عقده امس مع نظيره الفنلندي اليكس توب، عن تحريف نظيرته الاميركية كوندوليزا رايس لما قاله حول ساكاشفيلي. وقال لافروف إنه اشار في معرض تناوله للأوضاع في القوقاز، الى ان موسكو لم تعد تثق بساكاشفيلي وأنه صار له من الافضل ان يرحل، مشيرا الى ان رايس سارعت بنقل ما جرى في محادثتهما السرية الى كل الاوساط الرسمية الاوروبية والقيادة الاميركية وكأن موسكو تطالب بالإطاحة بنظام ساكاشفيلي. واعتبر لافروف أن مثل هذا السلوك موقف غير مسؤول، ولا سيما انه تتخذ على اساسه مواقف دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، مؤكدا عدم جواز بناء السياسات الدولية استنادا الى اقوال جرى تحريفها. وأكد ان موسكو لم تتبن يوما أساليب الاطاحة بالحكومات وان ذلك ليس من مفردات قاموسها وهو من صميم حقوق الشعوب. وكان بوتين قد تحدث أيضا عن الحملات الاعلامية الغربية «التي تقلب الحقائق رأسا على عقب وتجعل الابيض اسود والاسود ابيض». إلا ان هناك الكثير من الاصوات القريبة من الكرملين تتخذ مواقف الادانة والنقد للماكينة الإعلامية الروسية التي تبدو عاجزة عن نقل الصورة الحقيقية للأحداث الى الرأي العام الغربي. وبهذا الصدد يقول جليب بافلوفسكي، رئيس مؤسسة «السياسة الفعالة» القريب من الكرملين، إن نصف اعضاء البرلمان الجورجي يجوبون العواصم الغربية من اجل حشد الرأي العام الى جانب تبليسي، في الوقت الذي اعرب فيه عن شكوكه من احتمالات ان يكون نواب البرلمان الروسي يقضون اوقاتهم في المنتجعات السياحية.

وشدد على ضرورة عدم افتعال المواجهة مع الغرب، مشيرا إلى أهمية مواصلة شرح المواقف والسياسات متسلحين بالصبر والمواقف والحقائق الدامغة. ومع ذلك، يبدو الشارع الروسي أقرب الى ما يشبه الإجماع حول ادانة السياسة الجورجية وقبول ما يقال حول ضرورة تقديم ساكاشفيلي الى المحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب على خلفية ما تنشره وسائل الاعلام الروسية من مشاهد دمار وخراب وانتشار جثث القتلى من مدنيين وعسكريين في شوارع العاصمة تسيخنفالي والقرى التي لم يبق منها سوى شواهد متفرقة. ويقول بوريس غريزلوف، رئيس مجلس الدوما، بهذا الصدد، إن «ساكاشفيلي يجب ان يودع وراء اسوار السجون»، ويشير في نفس الوقت الى ان العملية الجورجية صارت جزءا من الحملة الانتخابية الاميركية للحزب الجمهوري. أما سيرغي ميرونوف رئيس مجلس الاتحاد (المجلس الاعلى للجمعية التشريعية)، فقد اشار الى ضرورة تشكيل لجان تقصي الحقائق في جرائم الحرب وجمع القرائن والادلة، والى ان ساكاشفيلي لوث علم الاتحاد الاوروبي، الذي يحرص دائما على الحديث على خلفيته، رغم ان جورجيا ليست عضوا في هذا الاتحاد. وتحدث ممثل الحزب الشيوعي الروسي ايفان ميلنيكوف عن ضرورة النظر في مسألة الاعتراف باستقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا وهو ما سبق ولمّح اليه رئيس الحكومة الروسية بوتين حين قال إنه صار من الصعب بعد العملية العسكرية الجورجية بقاء اوسيتيا الجنوبية ضمن اراضي جورجيا. وفي محاولة لشرح أبعاد الكارثة الانسانية لا يتوقف التلفزيون الروسي بكل قنواته وبرامجه الاخبارية وغير الاخبارية عن بث مشاهد ما بقي من حياة في أقبية ما بقي من منازل في عاصمة اوسيتيا الجنوبية حيث مئات النساء والاطفال الذين قضوا هناك ايام الحرب بدون طعام او شراب الى جانب صور القتلى والمصابين ممن اكتظت بهم المستشفيات الميدانية والمدنية في المناطق المجاورة لأوسيتيا الجنوبية. وقد اعلنت مصادر النيابة العامة عن تحريك الدعوى الجنائية في جرائم الحرب ضد ممثلي القيادتين السياسية والعسكرية الجورجية، في الوقت الذي اعلنت فيه المخابرات العسكرية الروسية عن اعتقال تسعة من العملاء الذين دفعت بهم المخابرات الجورجية الى داخل الاراضي الروسية للقيام بعدد من العمليات الارهابية والتخريبية ضد المدنيين والعسكريين حسب اعترافاتهم التي ادلوا بها ونقلتها وسائل الاعلام المرئية. من جهتها،أعلنت الحكومة الجورجية في بيان أمس انها قدمت للمحكمة الجنائية الدولية أمس شكوى ضد روسيا بتهمة التطهير العرقي. وجاء في البيان: «الحكومة الجورجية رفعت شكوى الى المحكمة الجنائية في لاهاي ضد روسيا لارتكابها أعمال تطهير عرقي على اراضيها».