أصيلة تؤبن محمود درويش بعدما كانت تستعد لتكريمه في موسمها الثقافي لعام 2009

بن عيسى سيقترح على مجلس بلديتها إطلاق اسمه على إحدى حدائقها الجميلة

المشاركون في الجلسة التأبينية للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش يقرأون الفاتحة على روحه (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

فرضَ رحيل الشاعر العربي الكبير محمود درويش تعديل برنامج الدورة الثلاثين من موسم أصيلة الثقافي الدولي، حيث خصص المنظمون الليلة قبل الماضية جلسة لتأبين الشاعر الراحل، بحضور مثقفين مغاربة وعرب، ضمنهم الناقد والباحث التونسي عبد السلام المسدي، وسليمان إبراهيم العسكري، رئيس تحرير مجلة «العربي» الكويتية، والناقد المصري صلاح فضل، والروائي المغربي أحمد المديني، والناقد المغربي عبد الرحيم العلام، والناقد السوداني محمد إبراهيم الشوش، والشاعرة المغربية إكرام عبدي، والروائي والكاتب الصحافي التونسي حسونة المصباحي، والروائي العراقي صموئيل شمعون، والشاعر المغربي المهدي أخريف، والروائي المغربي مبارك ربيع.

وقال محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، إنه «كان من المفروض أن يكون شاعرنا العزيز بيننا، اليوم، تحديداً، أي في الحادي عشر من اغسطس (آب) الحالي، وها نحن، بدل أن نستقبله في أصيلة، نودعه من أصيلة».

وأشار بن عيسى إلى أنه كان خاطب الشاعر الراحل في الشهر الماضي عبر رسالة ـ دعوة كان وجهها إليه، جاء فيها: «أكتب إليك، آملا أن نسعد باستقبالك في أصيلة هذا الصيف، حيث نحتفي بالذكرى الثلاثين لتأسيس «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، نحن ـ أهالي أصيلة وأعضاء مؤسسة منتدى أصيلة ـ نتذكر باعتزاز وافتخار حضورك الموسم الثقافي الثاني عام 1979، ومساهمتك في انطلاق أولى ندواته».

وأضاف بن عيسى قائلا: «شاهدتك في التلفزيون، الأسبوع الماضي، يحتفون بك في الميدان الذي يحمل اسمك. سعدتُ كثيراً لذلك، وأشاركك ما قلته عن تكريم المبدعين أحياء، بدل تكريمهم أمواتاً. عجبت لشبابك وصوتك. أنت يا محمود حي دائماً، في الذاكرة والوجدان، وفي الإنسان.. أنت صانع حياة».

وذكّر بن عيسى الشاعر الراحل، بلقاء سابق جمع بينهما قائلا: «هل تذكر يوم جئتك إلى باريس لأطمئن على صحتك بعد العملية الجراحية؟ كان ذلك في منتصف التسعينيات. استقبلتني في فندق «اللوفر»، وأثناء لقائنا عرضتُ عليك مشروع تكريمك دولياً في أصيلة. لم تمانع، ولكنك لم تتواصل. حسبتكَ غيرتَ رأيكَ. في أصيلة، إن سعدنا باحتضانك هذا الصيف، نستطيع إعادة مناقشة المشروع والتحضير له، لإنجازه في موسم 2009».

ومضى بن عيسى، في رسالته قائلا: «موسم أصيلة هذا العام يستمر من 23 يوليو (تموز) إلى 24 اغسطس (آب). في إطار الموسم، تنظم جامعة المعتمد بن عباد الصيفية سلسلة من الندوات واللقاءات في مواضيع الساعة، السياسية والاقتصادية والإبداعية. هذه السنة توزع «جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب»، وذلك يوم الخميس 15 غشت 2008. الجائزة أقمناها وفاء لرغبة كان صديقنا الشاعر الراحل بلند الحيدري يرددها طوال السنوات التي كان يحضر فيها مواسم أصيلة». وختم بن عيسى رسالته، قائلا: «من قلبي أتمنى أن تستجيب للدعوة، وأتطلع إلى فرحة استقبالك في أصيلة في اغسطس المقبل».

وقال بن عيسى، في ختام كلمته التأبينية: «لن نقول وداعاً. سنكون دائماً في الموعد مع شعرك، ومع وصاياك في النضال والنبل والالتزام. لقد كنا ننوي أن نكرمك في حياتك، كما كنت تشتهي دائماً.. ولكننا سنكرمك في أصيلة. سأقترح على مجلس بلدية المدينة أن نكرمك بتسمية إحدى حدائق أصيلة الجميلة، في وسط المدينة، باسمك، عرفاناً منا جميعاً بذكرى شاعر كبير يصعب تعويضه».

واختار عبد السلام المسدي، أن يخاطب الشاعر الراحل، انطلاقاً من عناوين الدواوين التي تركها للتاريخ الإنساني، وقال له: «فعلتها يا محمود. رحلت عنا بلا استئذان، كدأبك تفاجئ الجميع، وتهاجر دون سابق إخطار، فمن يعزي الشعر في يتمه، أنت الذي صنعت من الموت جداراً؟ آثرت الرحيل فلا تعتذر عما فعلت، أنت الذي كنت فريد زمانك، فلماذا تركت الحصان وحيداً؟ أيها الجليل بن الجليل، جواد الشعر من يركبه؟ فارس القضية من يحمله، فأنت القضية والقضية أنت؟ سجل أننا معك، سجل أننا عرب. سجل أن الأرض تئن لك. رفاقك بايعوك أمير الشعر على القضية وبايعوك في الأرض محموداً وفي السماء».

ورأى سليمان إبراهيم العسكري، أن الراحل «شاعر أخلص لقصائده ووهبها عمره كاملا»، مشيراً إلى أنه «رحل في توقيت لا يعد مثالياً في تاريخ القضية الفلسطينية»، وأنه لم يتساهل في الخصائص الفنية للقصيدة لصالح وثوقية الخطاب.

ووصف صلاح فضل، الشاعر الراحل بـ«الطفل السماوي الجميل»، و«الرمز والأسطورة»، الذي كسب اعتراف الخاصة والعامة، وأنه استطاع أن يجسد، منذ البداية، طريقاً فريداً في الشعرية العربية. وتحدث فضل عن شيوخ محمود درويش، وتحديداً المتنبي ونزار قباني، قبل أن يمتلك «مظلته الخاصة»، مشيراً إلى أن «قصيدته الشهيرة «سجل أنا عربي»، كانت الطلقة الشعرية الفلسطينية الأولى». وختم بالقول إن الراحل «سيبقى واحداً من كبار شعراء الإنسانية».

واختار أحمد المديني أن يهدي روح الشاعر نصاً جميلا يحتفي بالشعر، الذي يحتفي بالنخوة العربية، وعن الأمة التي كناها، والقضية، التي تنام و«حين تستيقظ، لا تجد شاعرها». ورأى سيف الرحبي أن «تقبل موت محمود درويش سيبقى صعباً لفترة زمنية مقبلة»، فيما دعا عبد الرحيم العلام إلى شكر درويش لأنه «عرف كيف يطهر أجسادنا من قذارات العالم»، وإلى تهنئته لأنه «علمنا أن الشعر سلوك ومعاملات ونمط عيش»، ورأى محمد ابراهيم الشوش أن درويش «لم يكن مجرد شاعر، بل كان ظاهرة وصوت أمة»، منتهيا إلى أن «العزاء يبقى في أن شعره سيبقى حياً بيننا».

وقالت إكرام عبدي: «علمني محمود درويش كيف أصنع الجمال والبهاء من فظاعة الحياة وقتامتها»، ورأى حسونة المصباحي أن درويش ينتمي إلى تلك القائمة الذهبية من شعراء العالم، فهو «شاعر كبير، تألق في أمة حزينة».

وتحدث صموئيل شمعون عن تجارب شخصية جمعته بالشاعر الراحل، وقال عنه إنه كان موهوباً وحراً في تفكيره ومنفتحاً على الإبداع العالمي.

وفيما قدم المهدي أخريف إشارات سريعة تحتفي بشعرية وقيمة الراحل، قال مبارك ربيع إن درويش كان امتداداً بلا حدود، وكان إنساناً تميزه قوة حب الحياة، وأن صوته كان صوت الحسم والإقناع والإنسان، الذي يميزه العقل ضداً عن العبثية والاستبداد، حتى ولو كان نضاليا وثورياً، وختم قائلا إن الراحل «كان جمع شعراء لا شاعراً واحداً»، وأنه «يكفيه فخراً أن يُدفن على أعلى ربوة في فلسطين».