منتدى أصيلة يناقش دور النخب العربية في العمل الديمقراطي

غسان سلامة: النخبة والسلطة والديمقراطية.. ثلاثية صعبة ونادرة الحصول

جانب من ندوة النخبة والسلطة والديمقراطية في الوطن العربي (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

قال محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، إن موضوع «النخبة والسلطة والديمقراطية في الوطن العربي»، هو موضوع تتجاذب فيه كثير من التيارات والتقاطعات في وطننا العربي، ويتم تناوله من زوايا نظر عدة، ووفق أوضاع وخصوصيات وظروف كل بلد من البلدان العربية.

وأعرب بن عيسى عن أمله في أن يتم الخروج من الندوة، التي افتتحت أشغالها مساء أول من أمس، بمكتبة الأمير بندر بن سلطان، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي، في دورته الثلاثين، بتصور بناء، يمكن أن يفيد صانعي القرارات في البلدان العربية، وخاصة في المؤسسات غير الحكومية. وعبر بن عيسى عن أسفه «كوننا أمضينا سنين طويلة نضرب أنفسنا بالسوط على الظهر، نمارس النقد، الذي قد يكون، في كثير من الأحيان، موضوعياً وجريئاً»، داعياً إلى رسم ما أسماه «خارطة طريق للأجيال الصاعدة»، وألا نظل رهينة البكاء والنواح.

وبسط بن عيسى وجهة نظره، بصدد تفادي التطاول على نظام ما أو قائد ما، عند التعرض لقضايا تهم مصير الإنسان والشعوب، ليس خوفاً، ولكن توقفاً عن العادة التي تجعل من اجتماعاتنا محاكم، بدل أن نتبادل الرأي ونناقش ونعمق الحوار، ونحاول أن نصل إلى تصور رغم اختلافاتنا، فنبدأ في انتقاد الأنظمة، وكأن الأمر لا يتعلق بنا وإنما يتعلق بالآخر.

ورأى بن عيسى أن الظروف التي تمر بها الحكومات والشعوب العربية تحتم علينا أن ننظر بجدية إلى المستقبل، مضيفاً أن ذلك لا يغنينا على الإطلاق عن الاستمرار في الهدم، رغم أنه، أحياناً، يكون مشروعا وواجبا، لكن الهدم، إذا لم يكن مرتبطاً بمخطط وتصميم للبناء، يكون هدماً عبثياً في الهواء، وعملاً غير إيجابي، وبالتالي يبقينا مكشوفين في العراء.

ورأى غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني الأسبق، أن الندوة الحالية هي فرصة ممتازة للتفكير في ثلاثية النخبة والسلطة والديمقراطية، وقال: «قد يكون الأمل أن يأتي إلى سدة الحكم، في بلداننا العربية، مجموعات وأفراد يجمعون بين عناصر الثلاثية كلها، أي قادمون من النخبة، ويتملكون سلطة حقيقية لا خفية أو مقنعة، ويكون وجودهم في السلطة كنخبة معززا باختيار ديمقراطي واسع. لكن جمع تلك العناصر الثلاثة، أمر صعب ونادر الحصول، ففي أحيان كثيرة، تبقى النخبة خارج السلطة، أو تكون السلطة معادية للنخبة، أو تكون النخبة مناوئة للممارسة الديمقراطية، أو مفتقرة لها، أو تكون السلطة قائمة على منطق القوة، من دون أي اعتبار لأفكار النخبة أو لعملية الاختيار الديمقراطي. وآنذاك تنفصل أواصر هذه الثلاثية، ويذهب كل عنصر من العناصر الثلاثة في اتجاه مغاير». ولاحظ سلامة أن هناك شيئاً يجمع بين هذه العناصر الثلاثة، يتمثل في النفوذ والتأثير والقدرة على التغيير. وتابع قائلا إن «النخبة تقوم بذلك، بما لديها من رصيد معنوي يجعل أفكارها مسموعة ومقبولة ومرحبا بها في أوساط الناس، كما أن السلطة تمارس النفوذ والتأثير والتغيير من خلال احتلال مواقع بعينها في الدولة، أما الديمقراطية فهي نوع من ممارسة نفوذ الناس على السلطة، من خلال اختيار من يمثلهم داخل مؤسسات التشريع والتنفيذ، وبالتالي، تشترك العناصر الثلاثة كلها، في أنها تسعى للنفوذ وإحداث التأثير والتغيير. أولى تلك الثلاثة، النخبة، من خلال رصيدها، وثانيتها، السلطة، من خلال مناصبها، وثالثتها، الديمقراطية، التي تفعل ذلك من خلال الاحتكام إلى الناس». وربط سلامة حديثه، بالطريقة التي تصرف بها حيال النخب، كل من يوسف شاهين وإلكسندر سولجنيتسين ومحمود درويش، وكلهم مثقفون كبار رحلوا في غضون الأيام الأخيرة. فالمخرج المصري يوسف شاهين، «كان ابن النخبة، الذي ابتعد عنها وقارع السلطة معارضاَ ولم يستمتع بالديمقراطية، وبالتالي أصبح شاهين، خارج الثلاثية بأكملها». أما الأديب الروسي سولجنيتسين، «فكان من جهته مناهضاً للنخبة، لأنه كان يعتبر نخبة بلاده موالية أكثر من اللازم لنظام الحكم الشيوعي الشمولي، مثلما أصبح معارضا للسلطة، خصوصاً أيام الرئيس الراحل بوريس يلتسين، كما كان مشككاً في جدوى الديمقراطية إثر سنوات نفيه وإقامته في أميركا والغرب ومشاهدته عن قرب لطبيعة الديمقراطية هناك». أما الشاعر الفلسطيني محمود درويش، «فكانت له من الثلاثية مواقف عبر عنها بأناقته المعروفة، وكان كثير التشكيك باستقلالية النخبة، ولو أنه كان نخبوياً انتقائياً أنيقاً، وكان شديد الخوف والتشكيك من السلطة، التي اقترب منها في يوم من الأيام، وكان يتساءل باستمرار: لماذا تنتج الديمقراطية ممثلين غير الذين نتوقعهم؟». ورأى سلامة أن هؤلاء الثلاثة، يؤكدون أن المفاهيم المكونة لعنوان الندوة الحالية تلخص ثلاثية جديرة بأن نبحث فيها في هذه اللحظة التاريخية.

وانطلقت الشيخة مي آل خليفة، رئيسة مجلس الامناء بمركز الشيخ ابراهيم للثقافة والابحاث بالبحرين، في كلمتها، من مفاهيم «الهدم» و«النفوذ والتغيير»، كما جاءت في معرض كلمتي بن عيسى وسلامة، وقالت إن «من لا يبني ويقدر الجمال لا يستطيع أن يبني ويتواصل مع الآخرين وأن يتحاور معهم»، ورأت أن «الثقافة، بأبعادها الواسعة، لا بد أن تأتي من أشخاص معنيين بهذا الشأن»، وذهبت إلى أنه «لا بد أن نراهن على الثقافة، فهي رهاننا الوحيد»، مشددة على أن «الأمل هو ما يحفزنا على العطاء، فالأمل ابتكار». وقرأ الدكتور سليمان إبراهيم العسكري، رئيس تحرير مجلة «العربي» الكويتية، تحية شكر، بمناسبة احتفاء موسم أصيلة بالذكرى الخمسينية للمجلة الكويتية، التي وصفها بن عيسى بالجسر الواصل، وما يزال، خلال عقود، بين القراء العرب، كما ساهمت في تقريب الهوة المعرفية بين العرب. ورأت بهية الجشي، النائبة الثانية لرئيس مجلس الشورى في البحرين، أن حديث الديمقراطية وعلاقة النخبة بالسلطة والعولمة، غأغنى الساحة الفكرية، جدلا ونقاشا، مبرزة أن علاقة النخب ومؤسسات المجتمع المدني بالسلطة ودور المؤسسات التشريعية في إرساء دعائم الديمقراطية على أسس سليمة قادرة على النمو والعطاء هو من الموضوعات الساخنة، هذه الأيام، مشيرة إلى أن مشاركة النخب في المؤسسات المؤثرة في إحداث التغيير، تبقى أمراً في غاية الأهمية، على حد قولها. وأثارت الجشي، في ختام مداخلتها جملة أسئلة تهم نمط الديمقراطية التي تتطلع إليها النخب، وكيف يمكن للنخب العربية أن تساهم في تأصيل المواطنة والدولة الحديثة وهما أساس الديمقراطية.

وتمنى أسامة الغزالي حرب، رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية» المصرية، في معرض إشادته بتجربة أصيلة الثقافية، أن تظهر منتديات مماثلة لها في الدول العربية، خاصا بالذكر دول الخليج، التي تتوفر على الإمكانات المادية ما يجعلها قادرة على خلق منتديات منافسة.

وتعرض حرب إلى موضوع الندوة، الذي قال إنه يجب أن يعالج بما يتناسب مع أهميته من جهة، وبما يلزم من الشجاعة والنقد الذاتي، من جهة أخرى، على اعتبار أن المثقفين هم ذات وموضوع هذه الندوة، معربا عن يقينه ألا تقدم للعالم العربي بدون ديمقراطية.

وقالت فاطمة الصائغ، أستاذة تاريخ الخليج والإمارات العربية المتحدة، بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، إنها ستحرص من خلال مشاركتها في الندوة على نقل ملامح وخصوصيات تجربة دول الخليج في ممارسة الديمقراطية. وساهم محمد سبيلا، أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، بعرض تمهيدي أبرز من خلاله الإشكالات الخفية والمضمرة في الندوة، مبرزاً أن الحديث عن الديمقراطية أصبح مستفيضاً يعاني مما أسماه «التخمة»، ولذلك فلا بد في نظره من التجديد في تناول الموضوع، من منظور وصفي ونقدي، محددا معنى النقد في التحليل والتقييم الموضوعي، وليس النقد بمعناه السلبي القائم على التجريح، وإنما كما هو معناه في الثقافة الكونية بيان الحدود بين العناصر والإمكانات وأوجه القصور.

وتعرض سبيلا لدور النخب وتساءل عن أيها أولى بتدبير الشأن العام وتخليق السياسة ليس بالمعنى السياسوي بل بمعناها النبيل. ومن بين خلفيات موضوع الندوة، التي أثارها سبيلا، قوله إننا ننتقل من التفكير في السياسة والديمقراطية بشكل سطحي، متسائلا عن الآليات والمرتكزات التي تستند إليها الديمقراطية والسياسة، أي التفكير في الأدوات الاجتماعية لتحقيقها، وبالتالي ما هي القوى الاجتماعية المؤهلة لإقامة ديمقراطية عقلانية، مضيفا تساؤلاً آخر حدده في ملاحظته أنه إذا كانت الجماهير الشعبية هي التي تتلقى نتائج الديمقراطية، فإن الدور في ذلك يبقى دائما للنخب، على اعتبار أن التاريخ السياسي والاجتماعي للشعوب يتحرك عبر فعاليتها. وختم سبيلا بالقول إن التجارب السياسية الحديثة في العالم العربي بلغت قرنا من العمر، ولربما حان الوقت للتساؤل عن دور النخب السياسية والثقافية، ولم لا العسكرية، التي قال عنها إنها قدمت نفسها في عدد من التجارب السياسية العربية كقوى بديلة تريد أن تحقق التقدم والديمقراطية.