ندوة أصيلة تحلل الطابع الإشكالي للديمقراطية في العالم العربي

تحليل التجربة في الأنظمة المحافظة والثورية.. ورصد دور المال والتكنولوجيا في بروز نخب جديدة

TT

شكلت المداخلة التي مهّد بها للجلسة الثانية من ندوة «النخبة والسلطة والديمقراطية في الوطن العربي»، محمد الاخصاصي، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، والتي حملت نفس عنوان الندوة تقريبا، مدخلا للنقاش الذي ساهم فيه متدخلون من مشارب فكرية مختلفة، أظهرت وجهات نظرهم تباينا في مقاربة الإشكالية، حيث تركز النقاش على دور النخب ومسؤولياتها وتحالفاتها وارتباطاتها المشروعة أو غير المبررة.

واستهل الاخصاصي عرضه مساء اول من امس بالتأكيد على أنه لا أحد يجادل في أن قضية الديمقراطية تشكل اليوم أحد الرهانات الحيوية في الوطن العربي، بل لعلها الرهان الأعظم، الذي بات يستقطب تيارات الفكر السياسي العربي القومي والاشتراكي والسلفي المعتدل، ملاحظا أن هذا الاستقطاب ما انفك يتسم بالتباس كبير وفهم مضطرب وانخراط متردد، من مظاهره ما يطرح في سوق الفكر وميدان الممارسة من ضروب الإسقاط والاختزال والتردد، في مقاربة الديمقراطية، فهو في نظر البعض إحياء لمفهوم الشورى، وفي سعي آخرين استنساخ لمؤسسات تمثيلية شكلية معزولة عن نسق النظام الديمقراطي، كما أنه بنظر البعض الثالث آلية لتكريس سلطة ونظام الحزب الواحد. وكلها مقاربات تنتمي في نظره إلى ما أسماه مدرسة سياسية تلفيقية تحريفية للمفهوم الديمقراطي، يجمعها رغم تباين منابع فكرها مشروع مشترك، هو المشروع السلطوي الشمولي اللاديمقراطي.

وركزت فاطمة الصايغ، الأستاذة الجامعية الإماراتية، في كلمتها على علاقة الديمقراطية بالشرعية، ورأت أن اللجوء إلى التقنوقراط يمكن أن يساهم في إنقاذ البلاد كما يمكن أن يقود إلى الفساد.

من جهته، قال أسامة الغزالي حرب، رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية» المصرية، إنه لا خلاص للمجتمعات العربية إلا بتطبيق ديمقراطية حقيقية، ورأى أن كل حديث عن ثلاثية عنوان الندوة، يجب أن يعيدنا إلى الماضي القريب واستخلاص الدروس، كما شدد على صعوبة التعميم، متحدثا عن مجموعتين من الأنظمة، أولها نظم الخليج المحافظة إلى جانب الأردن والمغرب، كأنظمة تقليدية، حسب تصنيفه، وثانيها الأنظمة الثورية، التي قامت في مصر والجزائر وسورية والسودان، مشيراً إلى أن أسوأ مسار كان من نصيب النظم الثورية، وتحدث عن الأثر الفادح الذي أدت إليه انتكاسة الديمقراطية في النظم الثورية، ما أدى إلى تخريب المناخ السياسي في تلك الدول، على حد قوله، مضيفاً أن النخب العربية في ذات البلدان لم تكن مخلصة للديمقراطية، كما أسهمت في وأدها وتعطيلها.

وأشار أحمد ماهر، وزير خارجية مصر السابق، إلى ظاهرة انعزال النخب المثقفة وانغلاقها على نفسها في الأبراج العاجية، ملاحظاً أن الحديث عن خصوصيات الدول في ما يتعلق بفرض الديمقراطية، ينبغي ألا يكون حجة للتهرب من استحقاقاتها أو عرقلة التوجه نحوها.

ولاحظت سميرة رجب، عضو مجلس الشورى في البحرين، أن مداخلة الاخصاصي أهملت الإشارة إلى مسألة الهيمنة الدينية في العالم العربي، معتبرة ذلك عائقاً يحول دون الإصلاح الديمقراطي، متسائلة، كيف نعمم الديمقراطية في مجتمعات أصبح الدين هاجسها الأول.

وركزت زينب حفني، الأديبة السعودية، على وضعية المثقف العربي، متحدثة عن نماذج من المثقفين، منهم من يغير مواقفه باستمرار، الشيء الذي يخلق الريبة منهم، وفئة تنزوي، وأخرى تمتلك القدرة على إعادة النظر في معتقداتها. وشددت حفني على أن كل سلطة ليست ظالمة بالضرورة، وأن بعض الظلم قد يأتي من المثقفين أنفسهم، مبرزة حقيقة أن أغلبية المجتمعات العربية تتخوف من الحداثة.

وانتقد مصطفى الخلفي، رئيس تحرير صحيفة «التجديد» المغربية، دور النخبة في العالم العربي، ووصفها بأنها معزولة عن واقعها، لا تتوافر على قنوات الاتصال الاجتماعية والشعبية لتحويل فكرها إلى إجراءات حية وملموسة، بل رأى أنها نخبة جبانة لا تستطيع التضحية بأوضاعها الاقتصادية المريحة، كما أنها غير مبصرة وغير مبدعة في قراءة الواقع، داعياً إلى إصلاح جذري لها، إما عبر النقد الذاتي أو بواسطة عملية استبدالها، مبرزا أن طبيعة المجتمعات لا تعرف غير هذين الخيارين، وتساءل لماذا تتقدم الديمقراطية في دول إسلامية غير عربية، وهو سؤال يتفرع عنه سؤال آخر، لماذا لم تستطع النخب العربية استيعاب الفاعل الإسلامي الذي تعتبره خطرا على الديمقراطية، ولماذا نتصور تعارضا بين الديمقراطية والإسلام.

وتطرق عبد الرضى الأسيري، الأستاذ الجامعي الكويتي، إلى العلاقة بين النخبة والسلطة، منتقدا الأولى كونها تخلت عن دورها لقاء إغراءات المال والمنصب والشهرة، أو اختارت الانعزال أو الهجرة.

ورأى سليمان إبراهيم العسكري، رئيس تحرير مجلة «العربي» الكويتية، أن تجاربنا في الوطن العربي متشابهة في سلوكها السياسي، مشيرا إلى وجود عدة نخب اقتصادية واجتماعية وثقافية، ما يستوجب، من وجهة نظره، تحديد المفاهيم، قائلا إن النخب تداولت المسؤولية خلال نصف قرن دون أن تتغير السلطة، ذلك أن التجارب الديمقراطية كانت مفصلة على مقاس وبذلة وذوق الحاكم. وانتقد ضياء الموسوي، عضو مجلس الشورى البحريني، الحركات الإسلامية كونها لا تؤمن بالديمقراطية، مشدداً على أن أي إصلاح يستحيل أن يأتي من بوابة الإصلاح الديني، ورأى أن الحل يكمن في حركة تنويرية.

وركزت بهية الجشي، النائبة الثانية لرئيس مجلس الشورى البحريني، على حرص التيارات الدينية التدخل في بعض المجالات الحساسة من قبيل التربية والعمل التشريعي.

من جهته، قال علي أومليل، المفكر والسفير المغربي في بيروت، ان التغيرات الإيجابية التي طرأت على مفهوم «الشعب» ولا سيما في القرنين السابع والثامن عشر، حيث أصبح مصدر السلطات والسيادة في مواجهة الحكم المطلق، ذلك أن فلاسفة ذلك الزمان عبروا عن هذا التحول بشكل صريح حين نادوا بأن الشعب بفطرته يتجه نحو الفضيلة والمصلحة العامة، لدرجة أن الفيلسوف الفرنسي، جان جاك روسو، أضفى قداسة مطلقة على الشعب، بل ازدرى تمثيله عبر آلية البرلمان والانتخابات.

واستنتج السفير أومليل، أنه لا يمكن الاطمئنان إلى الديمقراطية إذا لم يتخذ موقف صريح منها، لا سيما أنها أفرزت أنظمة معادية لها. وختم أومليل عرضه بالقول : ليختلف المثقفون كيفما شاءوا، إلا أنه بدون النظام الديمقراطي، سيفقدون حقا هويتهم. ومن أجل ذلك، دعا إلى توسيع القاعدة الديمقراطية للثقافة.