توقيع اتفاقية تاريخية بين طرابلس وواشنطن ينهي 17 عاماً من التوتر بينهما

بوش عبر عن «ارتياحه» للاتفاق ورايس تزور ليبيا قبل نهاية العام

مسؤول شؤون الأميركتين في وزارة الخارجية الليبية أحمد الفيتوري يوقع الاتفاقية الليبية ـ الاميركية، والى يمينه مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد وولش في طرابلس امس (أ ف ب)
TT

دخلت العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة مرحلة جديدة أمس بتوقيع اتفاقية تاريخية غير مسبوقة تنهى حقبة طويلة من العداء المتبادل بين الطرفين وتشمل تسوية دعاوى ومطالبات مواطنين من الطرفين عن أضرار لحقت بهم قبل عام 2006. ومن شأن هذا الاتفاق أن يسمح لكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية بزيارة ليبيا قبل نهاية ولاية للرئيس الأميركي جورج بوش، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عهد الرئيس الأميركي الراحل دوايت آيزنهاور عام 1953.

ووقع الاتفاقية احمد الفيتوري مسؤول شؤون الأميركتين في وزارة الخارجية الليبية وديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى في طرابلس امس، بحضور كبار مسؤولي الخارجية الليبية والفريق المفاوض في كلا البلدين.

وينص الاتفاق على دفع تعويضات الى ذوي كل من الضحايا الاميركيين والليبيين للحوادث التي وقعت بين البلدين إبان ثمانينات القرن الماضي، ما يفتح الباب امام تطبيع علاقاتهما. وتمنح هذه الاتفاقية ليبيا حصانة قانونية دائمة من أي دعاوى قضائية قد يقيمها في المستقبل أي مواطن أميركي عن أحداث وقعت قبل عام 2006. ووصف وولش الاتفاق أمام الصحافيين بانه «هام جدا» ويسمح «بحل آخر مشكلة تمنع اقامة علاقات طبيعية بين البلدين». واضاف: «بفضل هذا الاتفاق سيحصل مواطنو البلدين على تعويض عادل عن الحوادث الماضية». ويضع الاتفاق آلية لدفع التعويضات التي لم يعلن عن قيمتها الاجمالية امس. وفي بيان مشترك من فقرتين فقط اعلن البلدان ان الطرفين توصلا الى «اتفاق شامل حول تسوية دعاوى (الضحايا)» مرحبين باقرار آلية تسمح «بدفع تعويض عادل لمواطنيهما». واضاف البيان ان «البلدين سيركزان منذ الآن جهودهما على مستقبل علاقاتهما الثنائية».

وجرى التوقيع على الاتفاقية المكونة من خمسة بنود فقط، بعدما سلم وولش رسالة خطية من الرئيس الأميركي جورج بوش إلى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي التقاه مساء أول من أمس في مقره بطرابلس.

وافاد بيان ليبي-أميركي مشترك صدر أمس، أن الطرفين يرحبان بتأسيس مسار يوفر تعويض عادل لمواطنيهما، موضحا أنهما يوجهان تركيزهما لمستقبل علاقاتهما الثنائية، ويؤكدان على «الفوائد التي سيوفرها التوسع في العلاقة» بين البلدين للشعبين الليبي والأميركي.

ولم يوضح البيان المقتضب اجمالي حجم التعويضات المنتظرة من الطرفين، الا ان مصادر دبلوماسية ليبية وغربية قالت لـ «الشرق الأوسط» إن ليبيا ستدفع مبالغ مالية قد تصل إلى 16 مليار دولار أميركي لإنهاء دعاوى قضائية أميركية حول سلسلة من العمليات التي نفذها مسلحون من تنظيمات فلسطينية في السابق ضد مصالح اميركية بتمويل ليبي، فيما ستقدم واشنطن تعويضات لمواطنين ليبيين من ضحايا الغارة الأميركية التي وقعت في شهر أبريل (نيسان) 1986، الذين كانت من بينهم ابنة العقيد القذافي بالتبني، قتلت آنذاك. ونقلت وكالة «اسوشييتد بريس» عن مسؤول ليبي لم تكشف هويته، ان الاتفاق يشمل زيارة لوزيرة الخارجية الاميركية الى طرابلس قبل نهاية ولاية بوش في يناير (كانون الثاني) المقبل. وأعرب الرئيس الاميركي عن «ارتياحه» لتحسن العلاقات بين واشنطن وطرابلس وذلك في الرسالة التي وجهها الى الزعيم الليبي ونقلتها أمس وكالة الانباء الليبية الرسمية. وقالت الوكالة ان بوش بعث «باحر تحياته» الى قائد الثورة الليبية معربا عن «ارتياحه للمستوى الذي وصلت اليه العلاقات الثنائية». واضافت ان الرئيس الاميركي شدد من جهة اخرى على «اهمية دور ليبيا الكبير على الساحة الدولية، معبرا عن امله في مواصلة التعاون بين البلدين». كما اشاد بالجهود التي بذلها القذافي من اجل «استقرار العالم لاسيما في افريقيا من اجل السلام في دارفور واعادة العلاقات بين السودان وتشاد الى طبيعتها». وشهدت العلاقات الثنائية بين ليبيا والولايات المتحدة تحسنا مطردا عقب قيام ليبيا بشكل مفاجئ في نهاية شهر ديسمبر(كانون الأول) عام 2003 بالتخلي عن برنامجها النووي والسماح لمفتشين من الولايات المتحدة والأمم المتحدة بزيارة منشآتها ذات الصلة.

وأعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في منتصف شهر مايو(أيار) عام 2006، أن الولايات المتحدة رفعت مستوى التمثيل الدبلوماسي الأميركي في طرابلس من مكتب اتصال إلى سفارة يرأسها سفير أميركي. وكانت الولايات المتحدة قد سحبت آخر سفير أميركي من ليبيا في العام 1972، ثم تم سحب جميع الموظفين الحكوميين الأميركيين من ليبيا وإغلاق السفارة بعد مهاجمة متظاهرين غاضبين للسفارة وإشعال النار فيها في الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1979. وتم استئناف وجود دبلوماسي مباشر في فبراير (شباط) 2004، بوصول موظفين أميركيين إلى قسم المصالح الأميركية في طرابلس الغرب. وتم رفع مستوى تلك البعثة إلى مكتب اتصال في 24 يونيو (حزيران) من نفس العام. وعلى أساس المعاملة بالمثل، دُعيت ليبيا إلى رفع مستوى مكتب الاتصال الليبي في واشنطن العاصمة إلى مستوى سفارة وتعيين سفير. وأمكن توقيع هذا الاتفاق الذي يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بفضل قانون أقره الكونغرس الاميركي ينص على انشاء صندوق لتعويض الضحايا الاميركيين وكذلك ضحايا الغارات الاميركية التي شنت على ليبيا عام 1986. وأقر هذا القانون الرئيس الاميركي جورج بوش مطلع الاسبوع. ولم تنته طرابلس من تسوية كامل التعويضات لضحايا اعتداء طائرة «بان ام» فوق «لوكربي» في اسكتلندا الذي خلف 270 قتيلا عام 1988 والاعتداء الذي استهدف ملهى «لابيل» الليلي الذي كان يتردد عليه جنود اميركيون في برلين عام 1986 واسفر عن سقوط ثلاثة قتلى و260 جريحا. واعترفت ليبيا بمسؤوليتها عن اعتداء «لوكربي» ووقعت مع لندن وواشنطن اتفاقا لتعويض ضحايا هذا الاعتداء بلغت قيمته نحو 2.7 مليار دولار اي عشرة ملايين دولار لكل عائلة. وفي يناير (كانون الثاني) حكم القضاء الاميركي ايضا على ليبيا بدفع اكثر من ستة مليارات دولار تعويضا لعائلات سبعة اميركيين قتلوا في الاعتداء على طائرة دي سي 10، تابعة لشركة «يوتا» فوق النيجر عام 1989. وكانت طرابلس تنفي باستمرار مسؤوليتها عن هذا الاعتداء الذي اسفر عن 170 قتيلا، لكنها وافقت عام 2004 على دفع 170 مليون دولار تعويضا لعائلات الضحايا.

* أبرز ما ورد في الاتفاقية الليبية ـ الأميركية

* القاهرة: «الشرق الاوسط»

* وقع احمد الفيتوري مسؤول شؤون الأميركتين في وزارة الخارجية الليبية وديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، اتفاقية تاريخية بين البلدين تسوي جميع قضايا التعويضات المتعلقة بينهما. وفي ما يلي ابرز ما ورد في الاتفاقية التي وقعت باللغتين العربية والانجليزية في طرابلس أمس:

> الغرض من الاتفاقية التسوية النهائية لدعاوى ومطالبات الطرفين، ودعاوى ومطالبات مواطنيهما «بمن فيهم الأشخاص الطبيعيون والقانونيون، بالإضافة إلى الإنهاء الدائم لكل القضايا العالقة»، بما في ذلك القضايا التي صدرت بشأنها أحكام قابلة للاستئناف أو أي شكل آخر من أشكال المراجعة القضائية المباشرة. > تمنع الاتفاقية أية قضايا قد تعرض على محاكمهما مستقبلاً، إذا كانت هذه الدعاوى والمطالبات أو القضايا ضد الطرف الآخر من الأفعال الاتية اذا حدثت قبل 30/6/2006:

( أ ) فعل تعذيب، أو قتل خارج نطاق القضاء، أو تخريب طائرات، أو أخذ رهائن، أو احتجاز، أو فعل إرهابي آخر، أو توفير دعم مادي أو موارد لمثل هذا الفعل.

( ب ) تدابير عسكرية.

> اتفق الطرفان على إنشاء صندوق تسوية إنساني كأساس لتسوية الدعاوى والمطالبات، وإنهاء ومنع القضايا المعنية.

> يقبل كل طرف بتوزيع الموارد كتسوية كاملة ونهائية لدعاواه ومطالباته وقضاياه، ودعاوى ومطالبات وقضايا مواطنيه، كما هي محددة في الاتفاقية.

> عقب تسلم المتضرر التعويض المالي، توفر الحصانة السيادية والدبلوماسية والرسمية للطرف الآخر، وممتلكاته ووكالاته ومؤسساته ومسؤوليه وممتلكاتهم، كما يوفرها بشكل طبيعي ضمن نظامه القانوني للدول الأخرى وممتلكاتها ووكالاتها ومؤسساتها ومسؤوليها وممتلكاتهم.

> يتوجب على كل طرف اتخاذ الإجراءات الضرورية بما يضمن أن موارد الصندوق لن تكون محلاً للحجز أو لأي إجراء قضائي آخر من شأنه أن يتعارض بأي شكل مع حيازة الصندوق للموارد أو تحويل الموارد إلى أو من الصندوق وفقاً لهذه الاتفاقية.