حالات اجتماعية تلخص أزمة كركوك.. كردي متزوج من تركمانية: إذا تكلمنا في السياسة تقع المشاكل

جنرال أميركي: شرارة النزاع موجودة تحت الرماد وتنتظر من يشعلها

اثنان من سكان كركوك يتبادلان الحديث في أحد شوارعها (تصوير: كامران نجم)
TT

هيوا أسعد وزوجته جولر صباح لا يزال يجمع بينهما رابط الحب والزواج منذ 20 عاما، فعلامات السعادة بادية عليهما، رضا كل منهما عن صاحبه، ورغم وضعهما المادي المتواضع إلا أن الابتسامة لا تكاد تفارقهما.

وأسعد مقاتل كردي سابق، أما زوجته صباح فهي تركمانية. ومع ذلك، فإن الجو الذي يسود بين الزوجين جو من السعادة والهدوء، إلا أنه ما من أمل في أن يتوقف النزاع الذي يخوضه الجانبان للسيطرة على المدينة. ويقول أسعد: «إذا كان هناك قتال وإذا رغب التركمان في انتزاع المدينة منا فإنني سأحمل بندقيتي وأخرج للدفاع عن أهلي. لا يمكنني أن أتركهم يفقدون ما حصلوا عليه». ويضيف «أعلم أنه سيكون هناك قتال حول كركوك فالأمور تزداد سوءا يوما إثر يوم».

مثل هذه التحذيرات أصبحت أمرا شائعا في المدينة هذه الأيام، فالمظاهرات العارمة تملأ الشوارع والخطاب السياسي المشحون لا يفارق ألسنة الزعماء السياسيين، بل حتى في الأماكن التي كانت تشهد وئاما كمنزل أسعد. لقد أصبحت المدينة نموذجا مصغرا لما يجري على أرض العراق، فقد بدأت التهديدات باندلاع نزاع مسلح جديد، إذا ما منحت أقاليم أخرى في البلاد مكاسب أمنية، وتصاعد الجدل الدائر حول عودة الجنود الأميركيين إلى بلادهم.

والصراع في كركوك ينحصر في سؤال واحد: لمن ستكون الغلبة في السيطرة على المدينة التي تحتوي على 40% من احتياطي النفط العراقي، والتي تتمثل فيها كل الطوائف الدينية العراقية ـ فالمدينة التي يقطنها 850.000 تسمى قدس العراق ـ مما يعني أن حربا طائفية أخرى تنشب في هذه المدينة ستنتقل إلى أماكن أخرى في العراق.

ويقول رضا تقي أحد القادة السياسيين الشيعة: «لقد أضحت كركوك حقل ألغام إذا ما اقتربنا منها وحاولنا حل الأزمة ستنفجر وإذا ما تجاهلناها وتباطأنا في حلها فستنفجر أيضا». ويعتقد الأكراد الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان المدينة، أنها يجب أن تكون جزءا من إقليم كردستان. ويخشى العرب والتركمان، الذين يرغبون في أن تظل المدينة على وضعها الحالي تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد، من التمييز العرقي ضدهم، إذا ما انفصل الإقليم.

وقال الميجر جنرال مارك هارتلنج قائد القوات الأميركية في شمال العراق، «إن كركوك آمنة إلى حد ما»، لكنه اعترف بأن «شرارة النزاع المسلح موجودة تحت الرماد في انتظار من يشعلها». وبالفعل بعض دلائل الخطر موجودة الآن، اذ يقول حسين كمال رئيس الاستخبارات بوزارة الداخلية العراقية، تحاول القاعدة استغلال معاقلها في شمال العراق لإذكاء التوترات الطائفية، كما فعلت في بغداد.

ومثلما كان سكان بغداد يتحدثون في وقت ما عن الوئام وعلاقات المصاهرة بين الشيعة والسنة، فان الحالة ذاتها تنطبق على أهالي كركوك. وعلى مائدة غداء في منزل أسعد تطايرت الضحكات والنكات بالعربية والكردية والتركمانية، مما يعكس مدى التناغم والتعايش السلمي الذي تشهده تلك المناطق العرقية والقبلية منذ وقت طويل. لكن المشكلة كما يصفها رزكار محمد صهر أسعد وصديقه منذ أمد بعيد المتزوج هو الآخر من تركمانية هي «بين السياسيين والأحزاب السياسية ولا توجد مشكلة بين الأهالي»، لكن أسعد الذي استمع إلى الكلام بأدب قال «لا تصدق كثيرا كل ما تسمع إنهم يقولون إن كل شيء على ما يرام وما أن تسنح لهم الفرصة سيقتلون بعضهم البعض. فالناس في كركوك يتعاملون بطريقتين يتحدثون معك كما لو كانوا ملائكة ويقولون: ليس لدينا أعداء ونحن لا نكره الأديان أو القوميات الأخرى، لكن ما إن يخلوا إلى طوائفهم يبدأون في لعن وسب الطوائف الأخرى». ويقول عبد الرازق، أحد سكان المدينة «لقد أدهش الحقد المنتشر في المدينة سكانها، الذين عاشوا جنبا إلى جنب منذ مئات السنين، لكن الأمور اختلفت اليوم». وعندما نعود إلى بيت أسعد لمواصلة الحديث سنجد أن الخلافات اجتذبت السكان من جميع الأعمار، حيث دخل ابنه وأشار إلى أن الجلبة التي بالخارج إنما هي عراك بين أطفال من الأكراد والتركمان. وأحيانا تطفو الخلافات العرقية على سطح علاقة أسعد بزوجته وهما غالبا ما يتعاملان معها بصورة ضاحكة. فيقول موجها حديثه إليها «كان والدك دائما ما ينعتنا بألفاظ سيئة، فيقول بأننا لصوص وقطاع طرق وأنا استمع إليه بهدوء بدافع من الاحترام»، لكن زوجته ترد عليه «إنك كنت تصمت لأنك تعلم أن الأكراد سيئون» ثم يتبادلان الضحكات قبل ان يعودا إلى الجدية من جديد فتقول صباح «يعتقد الأكراد أنهم يجب أن يحصلوا على معاملة خاصة لأنهم عانوا من صدام حسين، لكن صدام فعل نفس الشيء مع التركمان كما فعل مع الأكراد».

لكن ذلك القول أثار استهجان الزوج الذي صرخ بأعلى صوته «الأنفال الأنفال»، مشيرا إلى حملة الإبادة العرقية التي قام بها صدام ضد الأكراد عام 1988 وقتل فيها عشرات الآلاف من الأكراد، إنكم لم تشهدوا مذبحة كهذه. ذلك التاريخ من الاضطهاد ضدهم هو الذي يجعل الأكراد متمسكين بالسيطرة على المدينة وضمها إلى إقليم كردستان في الشمال. ويشير سام باركر المحلل في معهد السلام، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له إلى أن «الأكراد يبذلون كل ما بوسعهم لضمان الحصول على امتيازات طويلة الأمد». ويضيف باركر «يطالب الدستور العراقي بإقامة استفتاء في كركوك ليقرر سكان بأنفسهم ما إذا كانوا يرغبون في أن تصبح المدينة جزءا من كردستان أم لا، وقد تأجل التصويت سنوات عدة نظرا للمخاوف من أن يؤدي أحد القرارات إلى اندلاع أعمال عنف، لذا كان الحل الأمثل اللجوء إلى التأجيل».

وسواء تم إقرار هذا الحل أو ذاك، فإن أسرة أسعد لا تزال تتمسك بالحل الهش فيقول أسعد: «إننا لا نتحدث في السياسة في المنزل. لذا فكل شيء هادئ، وإذا ما تحدثنا فيها فستقع المشكلات».

* خدمة: «يو إس إيه توداي» خاص بـ«الشرق الأوسط»