الأمير فيصل بن سلمان: تأسيس مجلس أمناء من ذوي الخبرة والاختصاص للشركة السعودية للأبحاث والنشر

لضمان الاستقلالية المهنية والنهج الصحافي المتزن لمطبوعاتها.. وعلى غرار مؤسسات عالمية في أوروبا وأميركا * انطلاق أعمال ندوة الإعلام في القرن الـ21: محمد بن عيسى ينوه بموضوعية «الشرق الأوسط».. وخالد الناصري يدعو لتحصين الطفرة الفضائية العربية بالمهنية

الأمير فيصل يتوسط المنصة الرئيسية لندوة «الإعلام في أفق القرن الواحد والعشرين» بينما يلقي محمد بن عيسى كلمته (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

أعلن الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس ادارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق تأسيس مجلس أمناء الشركة السعودية للأبحاث والنشر، ليضم في عضويته نخبة منوعة من ذوي الخبرة والاختصاص ويساهم في تقييم الأداء التحريري لكافة مطبوعات الشركة، وهو ما يمثلُ نقلة نوعية في صناعة الإعلام العربي.

واوضح الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز في كلمة ألقاها امس في ندوة «الإعلام في أفق القرن الواحد والعشرين»، التي تنظمها جريدة «الشرق الأوسط» بشراكة مع مؤسسة منتدى أصيلة، وذلك في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الثلاثين والتي انطلقت أمس، ان الخطوة تأتي في سياق اهتمام مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق وكبار المساهمين فيها ببناء نظام مؤسسي لإدارة نشاطات المجموعة وفق المعايير الدولية للإدارة الرشيدة، مشيرا الى أن القرار يمثلُ نقلة نوعية في صناعة الإعلام العربي ويعزز التوجه العام الذي لا تطغى فيه قوى السوق والاعتبارات التجارية على عمل التحرير الصحافي وتطلعاته.

وفيما يلي كلمة الأمير فيصل بن سلمان «معالي الأخ الأستاذ محمد بن عيسى/ معالي السيد خالد الناصري وزير الاتصال الإخوة والأخوات، الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد إنه من بالغ سعادتي وسروري أن أتحدث إليكم من هذا المكان، الذي مثّل وعبر قرون طويلة جسراً للتواصل والتحاور بين الحضارات والثقافات. أصيلة هذه المدينة الأصيلة في تاريخنا العربي، والتي أصبح مهرجانها السنوي واحداً من أهم اللقاءات الثقافية على مستوى الوطن العربي، والذي أتمنى له مزيداً من التوهج والازدهار. كما يسعدني أن أرحب بكم في هذا المساء، الذي نحتفل فيه بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على مهرجان أصيلة، وهو العام الذي يُصادف أيضاً مرور ثلاثين عاماً على تأسيس صحيفة العرب الدولية «الشرق الأوسط» التي جاء تأسيسها قبل ثلاثة عقود تلبيةً لحاجة ملحة وماسة تتمثل في خدمة العرب الموجودين خارج أوطانهم وإمدادهم بأخبار منطقتهم العربية، وفق منهجية صحافية متزنة، متوجهة إلى العرب أجمعين، وليس إلى بلدٍ واحد، مستفيدةً من التطورات التكنولوجية الحديثة، كي تطبع في عدد من المدن على مستوى العالم. وأعتقد أن من سيرصد تاريخ الصحافة العربية ويتابع تطورها خلال العقود الثلاثة الماضية، فسيجد أن صحيفة «الشرق الأوسط» صاحبة سبق وريادة وذات أثر كبير في مسيرة العمل الصحافي العربي.

الإخوة والأخوات تعتبر «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» أولَ مجموعة إعلامية عربية تُدرج أسهمها في السوق المالية. وقد جاء هذا بعد النجاحات المتميزة لمطبوعاتها، ومنها صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبل ذلك وبعده امتلاكها لبنية متكاملة من التجهيزات الضخمة ومتانة مركزها المالي وإنشاء شراكات استراتيجية مع مؤسسات إعلامية عالمية، ولم تغفل أيضا عن تأهيل وتطوير كوادرها الإعلامية من خلال إنشاء معهد الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي، الذي افتتح رسمياً في مدينة الرياض قبل 3 أشهر. وفي سياق اهتمام مجلس إدارة «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» وكبار المساهمين فيها ببناء نظام مؤسسي لإدارة نشاطات المجموعة وفق المعايير الدولية للإدارة الرشيدة، فإنه يسرني أن أُعلن في هذه المناسبة عن قرار يمثلُ نقلةً نوعية في صناعة الإعلام العربي ويعزز التوجه العام الذي لا تطغى فيه قوى السوق والاعتبارات التجارية على عمل التحرير الصحفي وتطلعاته، إذ رأى مجلس إدارة المجموعة وكبار المستثمرين فيها، ضرورة ضمان استقرار النهج الصحافي المتزن وحماية الرسالة الإعلامية التي تتبناها المجموعة وضمان استقلاليتها المهنية، وذلك من خلال تأسيس مجلس أمناء «الشركة السعودية للأبحاث والنشر»، الذي أُقرّ أخيراً وسيتم الإعلان عن أسماء أعضائه وتفاصيل نظامه خلال الأيام القادمة، بإذن الله. وسيضمّ مجلس الأمناء في عضويته نخبة منوعة من ذوي الخبرة والاختصاص، وسيُساهم في تقييم الأداء التحريري لكافة مطبوعات الشركة، كما سيتولى مهمة تقييم أداء رؤساء التحرير ومدى التزامهم بالسياسات التحريرية المتزنة، التي تبنتها المجموعة عبر عقود من العمل الإعلامي المتخصص، مما سيمنح رؤساء التحرير مزيداً من الاستقلالية المهنية في إطار نهج فصل واضح بين الملكية والإدارة والاستقلالية الصحافية. وإن «الشركة السعودية للأبحاث والنشر»، وهي تتبنّى هذا النهج الفريد في المؤسسات الإعلامية العربية، ورغم معرفة وإدراك مجلس الإدارة أن مثل هذا النهج سينطوي على مصادرة عدد من صلاحيات مجلس الإدارة ورئيسه، إلا أن ذلك يأتي إدراكاً لأهمية ودور مجلس الأمناء، وسيعمل مجلس الإدارة على إنجاح غاياته. كما أن هذا النهج يأتي متسقاً مع ما تمارسه عدد من المؤسسات الصحافية والإعلامية العالمية، في أوروبا وأميركا. أيها الزملاء والزميلات، لن أضيف جديداً إن قلت إن مهرجان أصيلة المتنوع في شتى جوانب المعارف الثقافية قد ترجم وبنجاح لافت الكثيرَ من أهدافه وغاياته، وهو ما يُحسب للقائمين عليه، الذين أرجو منهم الموافقة على تعزيز نجاحات هذا المهرجان من خلال جمع أعمال ندوتكم في كتاب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». من جانبه أشاد محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، بالتجربة الصحافية لجريدة «الشرق الأوسط» ووصفها بأنها المطبوعة العربية التي ساهمت، بشكل منتظم وفعال وعلى نطاق واسع، في تعزيز وتدعيم جسور المعرفة في ما بين العرب، خاصة أنها جعلت المغرب، ضمن مراكز طبعها الأولى في كبرى العواصم والحواضر العالمية، مما ساهم في توثيق عرى الروابط المتينة القائمة، من جهة بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها المملكة المغربية، وبينها وبين مختلف الأرجاء، حيث يوجد قارئ للجريدة، من جهة أخرى.

وعزا بن عيسى ذلك إلى ما اتسمت به الخدمة الصحافية لجريدة «الشرق الأوسط»، منذ العدد الأول، من موضوعية واحترام للحقيقة والرأي الآخر، وابتعاد عن أساليب التحريض والتهجم المجاني، سواء على الأشخاص أو الأنظمة، فكانت بذلك الخط التحريري، أحسن فضاء للقاء بين المشرق والمغرب ومع العالم.

وتطرق بن عيسى إلى موضوع ندوة «الإعلام في أفق القرن الواحد والعشرين»، قائلا إنه «يتميز براهنية متجددة، في ظل تطور نحس أنه يسابقنا ويلاحقنا، مما يجعلنا، مؤسسات إعلامية وأفراداً، فاعلين في القطاع، أو مستهلكين لإنتاجه، مستفيدين من خدماته، نتساءل جميعنا بإلحاح، بل وبقلق مشروع أحياناً: كيف ستكون صورة الإعلام في القرن الواحد والعشرين؟». وهو سؤال اعتبره بن عيسى بديهياً، يترتب عنه جواب أشد بداهة، مبرزاً أن صورة الإعلام في غضون العقود، بل في السنوات القليلة المقبلة، بما يشهده من تقلبات وتغيرات، تطال المنظومات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وسلم القيم الأخلاقية، لن تكون، حتماً بمثل ما هي عليه اليوم، أو في الغد القريب، وذلك لاعتبارات ومؤشرات نعرف بعضها، مثلما لسنا متيقنين من تلك التي لا نملك تصوراً دقيقاً عنها في اللحظة الحالية، مشيرا إلى أن المعارف البشرية، بشتى أصنافها، والذكاء الإنساني المتصل بحبل التراكمات والخبرات البشرية في الماضي، تلتقي منجزاتها جميعها، متفاعلة في الساحة الإعلامية مترامية الأطراف، دون حدود معلومة.

وشدد بن عيسى على أن الإعلام هو السلاح الأشد فاعلية ونفاذاً، تلجأ إليه المجموعات البشرية والقوى الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية والعسكرية، لإبلاغ رسالتها الإنسانية السلمية، أو فرض إرادتها في الهيمنة والتحكم. وتساءل عن الكيفية التي سيتم بها توظيف الإعلام، وقد تطورت صناعته، وتعددت وسائله، وتدفقت قنواته، مع ما أفرزه كل هذا التقدم الهائل من ابتداع أساليب جديدة للتعبير والتواصل، لا تسلم دائما من أشكال من التمويه والخداع والتضليل، موضحا أن الإعلام، وبسبب طبيعته الجامحة في ملاحقة الأحداث ورصد الظواهر وتغطيتها، تحدوه الرغبة في تحقيق مزيد من إنجازاته بسرعة قصوى، وكسب معارك المنافسة المحتدمة، كما أصبح يشكل تهديداً حقيقياً لحميمية الحياة الشخصية للبشر تحت ذريعة الحرية والانفتاح وتكسير القيود.

ورأى بن عيسى أننا حينما نتحدث عن الإعلام، ينصرف ذهننا إلى أمرين متلازمين، هما شكله ومضمونه؛ الشكل، هنا، بمعنى وسائل الإعلام وأدواته وتمظهراته، كصناعة مثل باقي الصناعات، لها مقوماتها ومنطقها، تقوم بدور الناقل للمضمون الذي يصلنا عبر صحف وقنوات في صور وأشكال متعددة.

وعبر بن عيسى، في ختام كلمته، عن اعتزاز مؤسسة منتدى أصيلة، بالتعاون مع جريدة العرب الدولية، وتطلعها إلى أن تكون هذه الشراكة في تناول القضايا الإعلامية، بداية تعبيد طريق آخر لحوار الثقافات وتحالف الحضارات. فالإعلام بكل أشكاله وألوانه، يقول ين عيسى، هو المعبر إلى تفعيل هذا الحوار وتنشيط هذا التحالف.

ومن جهة، شاطر خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام) الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، بن عيسى في الإشادة بالتجرية الإعلامية لجريدة «الشرق الأوسط»، التي وصفها بالفريدة والرائدة، حافظت على رصيدها المهني كواحة للرأي والرأي الآخر، وخيمة تتسع لكل الأقلام العربية، في المشرق والمغرب وفي المهجر.

ونوه الناصري بوجاهة اختيار موضوع الندوة، معربا عن يقينه أن نقاشات الندوة ستتسم بالعمق والتنوع، موسومة بفضائل الحوار البناء والرأي الآخر، لاقتران المسؤولية بالحرية، ما يحمي من الانزلاق والانحراف والتماهي مع النزوعات الفوضوية والعبثية.

وتحدث الناصري عن السياسة التي تنهجها بلاده في مجال الإعلام منذ استقلالها الوطني، حيث تميزت بالتعددية السياسية التي مكنت جميع المغاربة من الحق في تأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات، ما نتج عنه بروز حياة سياسية مطبوعة بالتنوع والتنافس، وهي تعددية أرسى لبناتها الأولى الملك الراحل محمد الخامس ورسخها الملك المرحوم الحسن الثاني ووسع من مداها الملك محمد السادس على نحو جريء، حيث أتاحت ظهور صحافة، القليل منها مملوك للدولة، وأغلبها مملوك للأحزاب والخواص، من مشارب واتجاهات شتى.

وأضاف الناصري أن المغرب شهد منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي بروزا قويا للصحافة المستقلة الصادرة عن مقاولات حرة، حيث تتساكن في المشهد الإعلامي المغربي التجربة الصحافية الحزبية والخاصة، مبرزاً أنه إذا كانت الممارسة الصحافية في المغرب تنعم حاليا بأكبر قسط من الحرية، حيث لم يبق مجال لم يشمله شغب الصحافيين وفضولهم المهني، فإن بعض أوجه هذه الممارسة باتت تثير نقاشا مهنيا داخل الجسم الإعلامي والسياسي المغربي، بخصوص علاقة الحرية بالمسؤولية ووجوب تلازمهما بكيفية تضمن للصحافة الحرية في معالجة ومواكبة قضايا المجتمع، وفي ذات الوقت مراعاة مستلزمات المسؤولية واحترام الضوابط الأخلاقية لمهنة الصحافة وفي مقدمتها صيانة قيم الأمة وعدم المساس بكرامة الأفراد والجماعات وحرمة الحياة الخاصة.

ورأى الناصري أن النجاح في إقرار تلك المعادلة الصعبة وتثبيتها في واقع الإعلام المغربي يشكل أحد أبرز الأولويات الراهنة للحكومة، مشيرا الى التجربة التي وصفها بالشجاعة، التي أقدمت عليها بلاده، بإنهاء احتكار الدولة للبث الإذاعي والتلفزي وتحرير قطاع الإعلام والاتصال.

وخلص الناصري إلى القول إن الندوة فرصة سانحة لمساءلة واقع الإعلام العربي واستعراض حصيلته ومكتساباته وتقييم ما راكمه من تجارب على امتداد العقود المنصرمة وذلك في أفق استشراف آفاقه ورصد التحديات التي تواجهه، من قبيل الفجوة الرقمية التي تفصلنا عن الغرب وترتيبنا في منظومة مجتمع المعرفة والإعلام وتزايد ما أسماه سلطة الغزو الإعلامي الإلكتروني، وكذا إشكالية ضمان استقلالية التوجهات الإعلامية والقيم المهنية عن سلطة وتأثير الجهات الممولة، فضلا عن الأضرار الناتجة عن توظيف الإعلام في النزاعات والمنافسات السياسية بين أقطار الأمة الواحدة، إضافة إلى دور ومسؤولية الإعلام في تنمية ودعم حوار الحضارات والثقافات عوض تصادمها، مشيراً إلى تزايد وتسارع التنافس الإعلامي عبر البث الفضائي الذي أصبح للفضائيات العربية فيه نصيب ملحوظ، قائلا: إن ذلك بقدر ما أتاح للإعلام العربي من مكاسب جديدة بقدر ما يلقي عليه مسؤوليات ثابتة تتعلق بوجوب صيانة تلك الطفرة الإعلامية الفضائية وتحصينها بأكبر قدر من المهنية والأمانة والضوابط الأخلاقية، حتى لا ننحرف بالمكتسبات ونحول فضائياتنا إلى وسيلة لهدم تماسك الأمة وإشاعة الفتنة والإضرار باستقرار الأوطان ونشر ثقافة اليأس والإحباط والعدمية.

كما خاطب الندوة برناردينو ليون وزير الدولة الإسباني والأمين العام للحكومة، ومحمد العربي المساري وزير الاتصال المغربي الأسبق ونقيب الصحافيين سابقا، وجميل مروة رئيس تحرير «ديلي ستار» اللبنانية، ويونس مجاهد نقيب الصحافيين في المغرب.