جدل بين الأطباء النفسيين حول طرق الاستجواب في قضايا الإرهاب

وثائق غوانتانامو تكشف عن استخدام طرق في التحقيقات مستقاة من الأساليب الصينية

TT

اضطلع الأطباء النفسيون، أكثر من أي أعضاء تخصص طبي آخر، بدور محوري في التحقيقات التي أجرتها المؤسسة العسكرية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مع الأشخاص المشتبه في كونهم «مقاتلين أعداء»، حيث عمد الأطباء النفسيون إلى تفحص المشتبه فيهم عن قرب، والبحث عن أي مؤشرات توحي بمعاناتهم من خلل عقلي. كما أنهم اقترحوا الخطوط العامة التي ينبغي أن ينتهجها أسلوب التحقيق، وساعدوا في تقرير متى ينبغي ممارسة قدر أكبر من الضغوط على المشتبه فيهم، ومتى تكون المواجهة محتدمة بصورة مفرطة وينبغي التوقف عندها. إلا أن الأوساط المهنية الطبية المعنية بالمجال النفسي، التي انقسمت على نفسها منذ أمد بعيد بين مؤيد ومعارض لهذا الدور، تدرس حالياً ما إذا كان ينبغي تجريم مشاركة الأطباء النفسيين في التحقيقات العسكرية، باعتبارها انتهاكا لأخلاق المهنة. وخلال الاجتماع السنوي للاتحاد الأميركي للطب النفسي، المنعقد خلال هذا الأسبوع في بوسطن، ندد بعض الأعضاء البارزين بمثل هذه المشاركة، باعتبارها منافية للأخلاق، بينما أصر البعض الآخر ـ من مدنيين وعسكريين ـ على أن تقييد دور الأطباء النفسيين لن يسفر سوى عن زيادة احتمالات تسبب التحقيقات في أذى أكبر للمحتجزين. ومثلما الحال مع المنظمات المهنية الأخرى، لا يتمتع الاتحاد بقدر كبير من السلطة المباشرة، التي تمكنه من تقييد قدرة الأعضاء على ممارسة المهنة. إلا أن مجالس إصدار التراخيص التابعة للولايات بمقدورها تجميد أو إلغاء ترخيص عمل أي طبيب نفسي، ونوه عدد من الخبراء بأن هذه المجالس غالباً ما تأخذ في الاعتبار أي انتهاكات لأخلاقيات الاتحاد. من ناحية أخرى، يجري النظر على نطاق واسع إلى انتخاب رئيس الاتحاد باعتباره استفتاء حول قضية مشاركة الأطباء النفسيين في التحقيقات مع الإرهابيين المشتبه فيهم.

من ناحيتها، تخطط الجماعات المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، لتنظيم تظاهرة يوم السبت للاعتراض على هذه المشاركة. جدير بالذكر أن المحامين الممثلين لأحد المحتجزين في قاعدة غوانتانامو بكوبا، أشاروا في الأسبوع السابق، وذلك للمرة الأولى، إلى أحد الأطباء النفسيين باعتباره عنصرا جوهريا فيما يتعلق بوثائق تزعم تعرض المحتجز لمعاملة تعسفية. في تعليقه على الأمر، أكد براد أولسون، الطبيب النفسي بجامعة نورثويسترن، أن: الأمر أشبه بصراع حول روح المهنة. يذكر أن أولسون طرح على الأعضاء التماسا يقضي بتعليق مثل هذه الاستشارات الطبية من جانب الأطباء النفسيين في التحقيقات العسكرية. على الجانب الآخر، أعرب آخرون عن معارضتهم الشديدة لهذه الفكرة. على سبيل المثال، قال ويليام جيه. ستريكلاند، الذي يمثل جمعية الأطباء النفسيين العسكريين أمام مجلس الاتحاد، إن: الغالبية العظمى من الأطباء النفسيين العسكريين يعون قانون أخلاقيات المهنة، ويدركون تماماً ما الذي ينبغي عليهم فعله وما لا ينبغي فعله. إن هذا الأمر أشبه بصراع حول سلوك الأطباء النفسيين الأفراد، وعلينا أن نبقيه داخل هذه الحدود. ويتركز الجدال الدائر حول دور فرق الاستشارة المعنية بعلم السلوك التابعة للمؤسسة العسكرية، والمؤلفة من أطباء نفسيين ومهنيين آخرين يساعدون في التحقيقات. ولا يتوافر سوى قدر ضئيل من المعلومات حول هذه الفرق، بما في ذلك أعداد الأطباء النفسيين المشاركين بها. ولم يكشف أي من المؤسسة العسكرية أو أعضاء الفرق عن أي تفاصيل في هذا الصدد. ويصر أنصار اضطلاع الأطباء النفسيين بهذا الدور على أن هذه الفرق تتسم بأهمية جوهرية في الإبقاء على مسار التحقيقات داخل حدود آمنة وفاعلة وقانونية. على الجانب الآخر، يقول النقاد إن الهدف الرئيس من وراء الاستعانة بالأطباء النفسيين المساعدة في تحطيم أعصاب المحتجزين، واستخدام أساليب ربما تشكل انتهاكاً للقانون الدولي. يذكر أنه في إطار الوثائق المقدمة إلى المحكمة يوم الثلاثاء، أكد محامو محمد جواد، المحتجز في غوانتانامو، أن التقرير الذي وضعه الطبيب النفسي ساعد في احتجاز جواد، الذي كان مراهقاً آنذاك، في زنزانة انفرادية، حيث أصابته حالة متفاقمة من اليأس. وطبقاً للوثائق، أنجز الطبيب النفسي، الذي لم يتم الكشف عن اسمه، تقييم جواد بعد أن شاهده يتحدث إلى صورة معلقة على الجدار. في أعقاب ذلك بفترة قصيرة، في سبتمبر (أيلول 2003)، تم عزل جواد عن باقي المحتجزين، وتم تجاهل الكثير من طلباته بأن يلتقي المحققين. في وقت لاحق، أقدم جواد على محاولة الانتحار، طبقاً لما ورد بالوثائق المقدمة إلى المحكمة، التي تضمنت طلباً برفض القضية بناءً على تعرض المتهم لمعاملة تعسفية.

وتقوم محكمة غوانتانامو حالياً بالنظر في القضية. من جانبهم، نفى المحامون العسكريون معاناة جواد من أي مشكلات من حيث صحته الذهنية بسبب التحقيقات التي تعرض لها. يوم الثلاثاء، استشهد الطبيب النفسي المعني بالقضية بالمادة 31 من قانون العدالة العسكرية، وهو المكافئ العسكري للتعديل الخامس في الدستور. من ناحيته، علق ستيفن ريزنر، البروفيسور المساعد بكلية الطب بجامعة نيويورك وأحد المرشحين البارزين لرئاسة الاتحاد الأميركي للطب النفسي، على الأمر بقوله: هذا ما آل إليه الحال، بات لدينا أطباء نفسيون يلجأون إلى التعديل الخامس. وفي إطار جهوده لنيل رئاسة الاتحاد، طالب دكتور ريزنر باتخاذ موقف مسؤول إزاء سياسة بلادنا القائمة على الاستعانة بالأطباء النفسيين في الإشراف على التحقيقات التي تنطوي على معاملة تعسفية أو قمعية في غوانتانامو وما يطلق عليه المواقع السوداء التي تتولى وكالة الاستخبارات المركزية إدارتها. جدير بالذكر أن أحدث التعديلات التي تم إدخالها على ميثاق الأخلاق الخاص بالاتحاد تدين بشدة الأساليب التعسفية التي انتهجتها إدارة بوش في إطار حملتها ضد الإرهاب. بيد أن الخطوط الإرشادية الصادرة حالياً عن الاتحاد وتتناول أسلوب ممارسة مهنة الطب النفسي خلصت إلى أنه: متوافق مع ميثاق الأخلاق الخاص بالاتحاد الأميركي للطب النفسي، في ما يتعلق بالأطباء النفسيين، الذين يضطلعون بأدوار استشارية في عمليات التحقيق وجمع المعلومات لأغراض ترتبط بالأمن القومي، طالما أنهم لا يشاركون في أي من الإجراءات التعسفية، بما في ذلك استخدام أساليب محاكاة الغرق واستخدام أغطية للرأس وأي اعتداء جسدي. إلا أنه من غير الواضح بعد كيف تحدد هذه الإرشادات الملامح العامة لسلوك الأطباء النفسيين خلال التحقيقات. يذكر أن الوثائق المرتبطة بغوانتانامو، التي تم الكشف عنها في يونيو (حزيران) توحي بأن بعض الأساليب القمعية على الأقل التي تستخدمها المؤسسة العسكرية في التحقيقات مستقاة من برنامج البقاء والتهرب والمقاومة والهرب، المعتمد على الأساليب الصينية التي جرى استخدامها في الخمسينات، والتي أسفرت عن اعترافات كاذبة من جانب الأسرى الأميركيين. وتضمنت هذه الأساليب التقييد لفترات طويلة والحرمان من النوم. من ناحيته، أكد ناثانيل رايموند، عضو منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، التي تنتقد بشدة موقف الاتحاد الأميركي للطب النفسي من القضية، أنه في ظل مثل هذا النمط من البيئات، قد يتحول المهنيون المعنيون بالحفاظ على الصحة، والذين تلزمهم دوافع أخلاقية قوية بعدم إلحاق الأذى بأي شخص، إلى أدوات لتحديد مستويات الأذى (التي يمكن إنزالها بالمحتجزين). من ناحية أخرى، هناك انقسام في صفوف المحققين حول مشاركة الأطباء النفسيين في التحقيقات وما إذا كانوا يقدمون إسهاماً قيماً على هذا الصعيد، حيث يرى البعض أن النصائح التي يقدمها الأطباء قد تكون مفيدة، بينما يؤكد آخرون أنه لا توجد أدلة على أن الاستعانة بالأطباء النفسيين يساعد في تحسين مستوى جودة المعلومات التي يتم الحصول عليها.

* خدمة «نيويورك تايمز»