الملاكم الأعمى مصدر إلهام لأوغندا

واجه خصومه في الحلبة لتحدي إعاقته ويبحث عن الملاكمين المكفوفين في العالم

TT

في وسط صالة رياضية كبيرة، حيث لا مكان للضعفاء، يمارس بشير راماثان لعبة الملاكمة فيلكم بقفازه الرث بعنف، ويداه تحاولان البحث عن هدفهما، وتتساقط اللكمات على ذراعيه وصدره ووجهه لكن يديه لا تتوقفان عن الحركة في الظلام الدامس.

المفارقة أن رامثان فاقد للبصر لكن مع ذلك يمارس الملاكمة، قد يبدو ذلك غير معقول وخطيرا، لكن تلك طريقته في التعامل مع الإعاقة.

هذا الملاكم الأوغندي الضخم لا يخشى خصومه فيطلب من كل الملاكمين الموجودين في الصالة منازلته نداً لند.

وفي أحد الأيام قام أحد الملاكمين بعصب عينيه بأحد القمصان ونزل لمواجهة راماثان في الحلبة. وتبادل الاثنان العديد من اللكمات وكان هناك العديد الآهات من جانب مشاهديهم، وبلغت المباراة ذروتها فكان الاثنان يتلاكمان كالمجانين يكيلان اللكمات في الفراغ وفي الاتجاه الخاطئ.

وقال راماثان إنه حاول التدرب على استخدام حاستي الشم والسمع مثل صرير القدم ووقع أنفاس خصمه. ويقول مدربه حسن خليل «إن بشير يلاكم بعقله»، وتقول مونيكا آبي، وهي إحدى الشابات التي تدربت معه «إنه موهوب». لكن تلك الشخصية الأسطورية الأوغندية ليست في مجال الملاكمة فحسب وإنما هي قصة رجل فقد بصره منذ 12 عاماً ليتحول من شخصية مهملة تقبع في حجرتها إلى بطل صار مصدر إلهام لأوغندا بأسرها.

وعندما يخرج للقيام بالتمرينات الرياضية الصباحية المعتادة تراه كما لو كان في حصة تمرينات رياضية في المدرسة وإلى جواره أحد الأطفال عمره 12 عاماً يجري ممسكاً معصمه كمرشد له ويخرج الناس من محالهم التجارية وأكشاك التليفونات ليهتفوا له.

لا توجد في أوغندا كلاب مخصصة لفاقدي البصر ولا منحدرات فالطرق غير مستوية، ومفروشة بالصخور ومليئة بالوحل في بعض الأماكن، وتبدو صعبة حتى للمبصرين، لكن راماثان تمكن من تجاوز كل تلك العقبات في الأرض كحفر الصرف الصحي ومناطق المياه الراكدة وشاحنات البيبسي الواقفة في وسط الطريق وكأنها صخور تحول دون المرور، لكن أخطر الإصابات التي وقعت له منذ سنوات كانت عندما صدمته إحدى السيارات، ولاتزال ركبته اليمنى تؤلمه نتيجة لذلك.

ويقول المسؤولون عن المكفوفين في أوغندا إن راماثان أصبح بطلا ورمزا لـ 500.000 كفيف في البلاد. ويقول فرانسيس كينوبي رئيس اتحاد رياضات المكفوفين الأوغندية: «إنه رجل أظهر أن فقد بصره لم يكن نهاية العالم». وهذا العام لن يشترك الاتحاد الأوغندي في منافسات الألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة في بكين لأنه لا يمتلك 200 دولار لبدء عملية التسجيل وهو ما يعد إشارة على ضعف الموارد المتاحة لذوي الاحتياجات الخاصة في القارة الأفريقية.

ويقول راماثان عن نفسه أنه بلغ من العمر 36 أو 37 عاماً (هو لا يعرف تحديداً) ولد في حي فقير خارج العاصمة كمبالا معروف بأكواخه المسقوفة بالزنك. وأوغندا لديها تقليد قديم في الملاكمة يعود إلى عصر الديكتاتور السابق عيدي أمين الذي كان نفسه ملاكماً للوزن الثقيل. وقد أنجب الحي نفسه أفضل الملاكمين في أوغندا مثل جون موغابي الذي يعرف بالوحش والذي لاكم في الولايات المتحدة وهزم مارفن هلغر ومايكل أوبن بطل الملاكمة الأميركي.

وقد نشأ راماثان على القتال فتوفي والداه عندما كان صغيراً وخرج من المدرسة ليعمل في صناعة الطوب وكان معروفاً بأنه رياضي عظيم ولاعب كرة ومقاتل مرهوب من خصومه. لكن شيئاً غريباً حدث في عام 1996 اذ أصابه دوار فذهب لاستشارة الطبيب الذي أخبره بأنه أصيب بالعمى. ويقول: «فقد الإبصار أولاً بعيني اليمنى ثم تلتها اليسرى وتحول كل ما حولي إلى ظلام دامس». وقال الطبيب: «إنه ما من أحد في أوغندا يمكنه مساعدتك».

وبعد إصابته تخلت عنه زوجته وهجره إخوته. ويقول راماثان «إنني ألتمس لهم العذر، يكفيهم ما يعانونه من مشكلات». ومع غياب الدعم الحكومي للمكفوفين استطاع بشير أن يعيش بالدولارات القليلة التي يحصل عليها من أحد المساجد المحلية. ويأتي الأطفال الأيتام من الأكواخ الأخرى لمساعدته في أمور الطهي. ويقول: «شعرت بالحزن في البداية لكنني وجدت أن هناك الكثيرين مثلي». وقد قرر منذ عامين العودة إلى حلبة الملاكمة. فلما سئل عن السبب قال: «أردت أن أحصل على اللياقة». والفرق بين الهواية والاحتراف في عالم الملاكمة في أوغندا غير واضح، فهناك بعض الشباب الذين يجنون بضعة مئات من الدولارات من ممارسة تلك الرياضة في النوادي الليلية المحلية وفي العام الماضي كان راماثان محور الاهتمام في مباراة خيرية لجمع 2600 دولار لصالته الرياضية المحلية «ذا إيست كوست بوكسنغ كلوب» حيث لاكم أحد الملاكمين المحترفين (وكان معصوب العينين بالطبع) واستطاع راماثان الفوز بالنقاط. ومنذ ذلك الحين والصحافيون في أفريقيا يتدافعون إليه وتذكر راماثان أحد الصحافيين من جنوب أفريقيا الذي رقص معه خارج كوخه ولا حقاً قام فريق تصوير هولندي بعمل فيلم عن حياته.

ومع كل ذلك فإن راماثان مستعد للتخلي عنه في مقابل أن يبصر مرة أخرى. ويقول: «يظن البعض أنني أتظاهر، يظنون أنني أقوم بذلك من أجل جذب الاهتمام والمال لكنني لا أتظاهر إنني أود أن أرى مثلهم». ويخطط راماثان الآن لتدشين بطولة ملاكمة دولية للمكفوفين فيقول: «إذا كان باستطاعة المكفوفين المصارعة فلما لا يمكنهم الملاكمة؟».

وقال إن أحدهم أخبره أن هناك ملاكما كفيفا آخر في تنزانيا ولذا يحاول البحث عنه، ويفكر راماثان في الخروج من القارة الأفريقية ويقول «هناك الكثير من المكفوفين في أميركا فهل سيقبل أحدهم بأن ينازلني؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»