الأنبار تنتظر تسلم ملفها الأمني.. وسط شكوك في جاهزية القوات العراقية

مراكز الشرطة في الرمادي تعاني من الصراعات القبلية والسياسية.. و«بيروقراطية» بغداد

TT

في الوقت الذي يتناقش فيه مسؤولون عراقيون وآخرون بالجيش الأميركي حول التوقيت المناسب لتولي محافظة الأنبار مسؤولية ملفها الأمني، يعطي مشهد سيارات الفورد المعطلة بفناء إحدى المدارس بمدينة الرمادي دلالة واضحة على مستوى جاهزية القوات الأمنية العراقية. سلّم الجيش الأميركي تلك السيارات إلى ضباط الشرطة الذين يقيمون في إحدى المدارس، ومع ذلك لم توفر الحكومة العراقية قطع الغيار لتلك السيارات ولم تضع نظام صيانة للمحافظة عليها. وتقف العلاقة الضعيفة بين تلك القوات والحكومة في بغداد كإحدى المشاكل التي تعطل الجهود الأميركية للانسحاب من المحافظة، بعد مضي أكثر من عام على تعاون الجيش الأميركي مع القوات الأمنية المحلية ومتمردين سابقين ومقاتلين قبليين للقضاء على تنظيم القاعدة في العراق داخل المحافظة. كان من المخطط أن يتولى العراقيون الملف الأمني في الأنبار مع بداية يوليو (تموز)، ولكن أُرجئ ذلك لأجل غير مسمى بعد أن استهدف انتحاري اجتماعا لمجلس المدينة في مدينة كرمة. وقد قُتل في التفجير الانتحاري ثلاثة من قوات المشاة البحرية الأميركية (المارينز)، بالإضافة إلى 22 عراقيا على الأقل. ويقول الجيش الأميركي إن التأخير يرجع إلى الطقس السيئ، ولكن يقول عدد من القيادات المحلية أن التفجير أظهر أن القوات الأمنية العراقية ما زالت غير مجهزة. وأخيرا، قام الكابتن جوناثان هاملتون، القائد المسؤول عن إحدى الوحدات التابعة للكتيبة الأولى بقوات المارينز، بزيارة قسم شرطة الفرسان، الذي يوجد بفنائه السيارات المعطلة. ومنذ أكثر من عام مضى على تأسيس قسم شرطة الفرسان في تلك المدرسة المهجورة، يقيم بعض الأفراد التابعين لقوات المارينز في قسم الشرطة ويتعاونون مع الشرطة العراقية. يقول هاميلتون إن الوقت قد حان كي يعتمد مركز الشرطة على نفسه. وبصورة تدريجية تسعى قوات المارينز لتقليل وجود أفراد الجيش الأميركي في المدينة، حسبما يقول هاميلتون. وشيئا فشيئا، تقوم القوات بسحب الوحدات التي تقيم في 11 مركزا للشرطة ليعودوا إلى قواعد في خارج المدينة. يقول هاميلتون: «بالتأكيد لن نرحل، ولكن نقلل من وجودنا».

خلال زيارة الكابتن هاميلتون للمركز، تعطل مولد توليد الكهرباء، واضطر للاجتماع مع الكولونيل حسن نايف عبد، قائد المنطقة الجنوبية في الظلام. يشعر كولونيل حسن، كما يحب القادة الأميركيون أن يسموه، بارتياح لأن قوات المارينز ستغادر قسم الشرطة الذي يترأسه، ولكنه لا يريد ان تحدث مشاكل بسبب ذلك. لا يعد انقطاع التيار الكهربائي التحدي الوحيد الذي يواجه قوة الشرطة الجديدة في مدينة الرمادي، خاصة وأن المدينة تسعى للاعتماد على نفسها في الكهرباء، ولكن خلال الأربعة أيام التي قضاها الكابتن هاميلتون في وحدة الجيش، كان هنا الكثير من الملاحظات بخصوص إدارة أقسام الشرطة، ومنها النظم غير الجيدة للحصول على الإمدادات. يثق كل من الجيش الأميركي وقيادة الشرطة العراقية على أن مستوى حرفية رجال الشرطة قد تحسن وأنه ليس ثمة مخاوف من ظهور «القاعدة» في العراق مرة أخرى داخل المدينة. ويقول الضابط ظاهر محمود علواني، المسؤول عن قسم شرطة ورار، حيث يوجد بعض المشتبه بهم في أعمال تمرد، ان «الوضع الأمني جيد في الوقت الحالي ويتحسن يوما بعد يوم. لا يقبل المواطنون بعودة تنظيم القاعدة مرة أخرى».

ويقول قادة الشرطة إنهم لا يخشون عودة تنظيم القاعدة في العراق، ولكن دعاوى الحق في تولي السلطة التي لم يفصل فيها حتى الآن منذ طرد المتطرفين. يقول علواني: «يوجد صراع سياسي، يقدم بعض الطامعين السياسيين مصالحهم الشخصية على مصالح الشعب، هناك عدد كبير من الأحزاب السياسية التي تعمل وفق ما تمليه عليها قبائلها، ولذا من الممكن أن يستغل الإرهابيون تلك الصراعات».

ونشبت الصراعات السياسية في الرمادي بسبب الانهيار شبه الكامل للمؤسسات المحلية الشرعية خلال الفترة التي سيطرت فيها «القاعدة» على المدينة وخلال مرحلة الاقتتال التي تلت ذلك. وانفرط عقد قوة الشرطة في المدينة، وتلاشت الوزارات الحكومية وهجر القادة المنتخبون المحافظة، وكانوا في بعض الأحيان يعقدون اجتماعاتهم في بغداد. وعلى ضوء ذلك، قام بعض الشيوخ والزعماء المحليين بتشكيل حكومة لتولي مسؤولية المدينة وكانت تُعقد اجتماعات لمجلس المدينة والمجالس الفرعية. وعلى الرغم من أن تلك التنظيمات لا أساس لها في الدستور العراقي، فقد استمرت سيطرتها، وجزء من ذلك بسبب الدعم التي تحصل عليه تلك التنظيمات من قوات المارينز، حيث ترى فيهم وسيلة ناجعة للسيطرة على زمام الامور عندما تحدث فوضى كما وينظرون إليها على أنها قنوات للحصول على معلومات هامة حول تنظيم «القاعدة» في العراق. ويقول الكابتن هاميلتون: «أنا فخور لأن مجالس المناطق التي نعمل معها ما زالت موجودة».

وعلى الرغم من أن الانتقال الرسمي للسلطة الأمنية للعراقيين ما زال تحفوه الشكوك، يقوم الجيش الأميركي بالتعاون مع قادة الشرطة العراقيين بخطوات عملية لأجل نقل الملف الأمني لقوات عراقية. ويقول الكابتن هاميلتون إن قوات المارينز تعمل على فطم الشرطة العراقية من الاعتماد على المساعدة الأميركية. ويضيف: «عندما نقيم في قسم للشرطة العراقية، نضع مولدا للكهرباء هناك ويحصل قسم الشرطة على الكهرباء من ذلك المولد، ولكن عندما نكون غير موجودين في قسم الشرطة، فعليه أن يتدبر أمر الحصول على مصدر لتوليد الكهرباء بنفسه».

وتتطلب تلك المهمة تفاهما ثقافيا بين العراقيين والأميركيين، ويسعى بعض الضباط مثل هاميلتون إلى عمل توازن بين النمط المتبع في الجيش الأميركي والتقاليد القبلية القديمة. ولا تشبه النظم المتبعة في قسم الفرسان النظام المحكم الذي يطبق في مراكز الشرطة الأميركية، حيث تجد في قسم شرطة الفرسان العشرات من رجال الشرطة يتحركون دون القيام بمهام واضحة. يقول الكابتن هاميلتون ومستشارون آخرون للجيش الأميركي إن المجندين العراقيين يتحسنون سريعا في القيام بالأساسيات المطلوبة من رجال الشرطة مثل إدارة نقاط العبور والبحث عن الأشخاص والتعامل مع المعتقلين والقيام بالاتصالات الميدانية. ولكنهم ليسوا متقدمين في الأنظمة الضرورية مثل المحاسبة والصيانة وإدارة الأسلحة التي تحتاج لإجراءات محددة وعلاقات جيدة مع وزارة الداخلية في بغداد. وليس أدل على ذلك من منظر السيارات المعطلة في فناء قسم شرطة الفرسان. ويضاف إلى ذلك، مشكلة الحصول على وقود للسيارات، حيث يقول أحد قادة الشرطة إنه بسبب عمليات وصول الإمدادات من بغداد غير المنتظمة، يضطر إلى تكليف رجاله بشراء الوقود، ويشتكي رجال الأعمال في مدينة الرمادي من أن ضباط الشرطة يستولون على الوقود بالقوة. وتعاني الإمدادات في وزارة الداخلية التابعة للحكومة المركزية في بغداد من البيروقراطية ولا توجد نظم ثابتة أو ميزانية شاملة لها. ويرى الكابتن هاميلتون أن أكبر تحد يمثل أمامه هو الحفاظ على الشرطة بعيدا على التأثيرات القبلية أو السياسية. وقد أظهرت حادثة وقعت قبل أسابيع قليلة الحال الذي يمكن أن يسود. قام ضابط شرطة بقتل مدني عند إحدى نقاط التفتيش. يقول هاميلتون إن رئيس قسم شرطة الفرسان محمد علي وجد أن حادث إطلاق النار غير مبرر ولذا اعتقل الضابط وبدأ تحقيق في الحادث. غير ان أفرادا من قبيلة الضحية، وهي قبيلة العلواني، فرضوا الحل القبلي. حيث اقتحمت مجموعة منهم، والذين يعملون في ذات الوقت كضباط شرطة، على اقتحام مقرات منطقة الجنوب في محاولة للنيل من الجاني. واستمر تبادل إطلاق النار بين الفريقين حتى تدخلت قوات المارينز. وحاول شيوخ القبيلة الضغط على رئيس الشرطة لتسليم الجاني، ولكن تدخلت قوات المارينز. يقول هاميلتون: «قلنا إن ذلك لن يحدث». طويت صفحة ذلك الحادث، ولكن أليس من الممكن ان يتكرر ذلك طالما أن قوات المارينز تنوي ترك قسم شرطة الفرسان؟

يقول هاميلتون إنه يتوقع أن تغادر قواته مركز الشرطة هذا في فصل الخريف، ولكنه أشار إلى أنهم سيكونون في الجوار، في حصون خارج المدينة، و«إذا ما حدث شيء ما، فسنكون مستعدين للتعامل مع الوضع».

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»