«فرق الانتقال العسكري»: استراتيجية الولايات المتحدة للنجاح في العراق وأفغانستان

المزج بين التدريب العسكري والتعليم للتعامل مع القوات المحلية

لقاء بين الرائد هيلي ومدربين من أصل عراقي في فورت رايلي (تصوير: مينا العريبي)
TT

يدخل الرائد هيلي الى غرفة عمليات عسكرية صغيرة وأول ما يقوله لثلاثة عراقيين يرتدون لباساً عسكرياً هو «السلام عليكم، اشلونكم»؟ بلكنة تمزج بين اللهجة العراقية وطريقة اللفظ الاميركية القوية. يرد عليه العراقيون بـ«وعليكم السلام» ويصافحونه وبحرارة قبل الجلوس وتبادل التحية والسؤال عن عائلة كل واحد منهم. يرشف الجندي الاميركي «التشاي» العراقي ويتبادلون المجاملات قبل الانتقال الى الموضوع الرئيسي وهو حاجة القوات العراقية للتدريب، خاصة من رتبة رائد. وعلى الرغم من ثقة هيلي في بداية اللقاء بالحديث باللغة العربية، عندما يتحول الحديث الى الامور الرسمية والتفصيلية، يفضل هيلي اللجوء الى مترجمه التونسي الذي يعمل مع القوات الاميركية منذ عام 2003. يدور نصف ساعة من النقاش بين الطرفين حول «اولويات» الجيش العراقي، في غرفة هواؤها معبق ونوافذها مغلقة، جدرانها عارية سوى من علم عراقي كبير، يحمل نجماته الثلاث قبل تغييره ولكن لا يبالي احد لتغيير العلم هنا. يتحدث العراقيون ويستمع هيلي اليهم بمداخلات عدة لتوضيح مطالبهم قبل ان يتفق الطرفان على اللقاء قريباً مع وعد هيلي بنقل طلب العراقيين بالمزيد من الاسلحة الى قيادييه والعمل على تلبية هذه الحاجة. لم يكن هذا اللقاء في احدى مدن العراق أو احيائه، بل في ولاية «كانساس» الاميركية، غرب مدينة «كانساس سيتي»، حيث يوجد معسكر تدريب «فورت رايلي» لتدريب «فرق الانتقال العسكري». فهنا يأتي الجنود من رتب مختلفة قبل مغادرتهم مباشرة الى العراق أو افغانستان في «فرق الانتقال العسكري» المعروفة بفرق «ميت». وتأتي كلمة «ميت» من الحروف الاولى من Military Transitional Teams – (MiTT)، واصبحت من اكثر المصطلحات المستخدمة في الجيش الاميركي، اذ المئات من هذه الفرق في العراق، موزعة على القوات الامنية العراقية وترافقها لمساعدتها على التقدم الى الامام. وبينما يزداد الحديث في واشنطن وبغداد حول سحب القوات القتالية من العراق، من المتوقع ان تكون هذه الفرق، هي التي تأخذ محل القوات القتالية، لتكون عملية التدريب والالتصاق المباشر في القوات العراقية البديلة للقوات القتالية البحتة.

وشرح قائد «مركز الاسلحة الموحد للجيش الاميركي» الفريق ويليام كولدويل: «نجاحنا النهائي يعتمد على هذه الفرق، فعندما يقف الجيش العراقي والشرطة على قدميهما فلن يكون هناك سبب لبقائنا ويمكننا بدء الانسحاب وهذا ما نريده». ويأتي «فورت رايلي» تحت اشراف كولدويل المسؤول عن 18 كلية ومركز تدريب لضباط الجيش الاميركي. وشدد كولدويل على ان «فرق التدريب في غاية الاهمية» لمستقبل العمليات العسكرية الاميركية في العراق وافغانستان واية عملية مستقبلية تحتاج الى «عمليات استقرار» بعد نزاع مسلح. والفكرة وراء هذه الفرق انها تدرب القوات المحلية، وابرزها القوات العراقية، على تحمل مسؤولية توفير الحماية لشعبها والدفاع عن الحكومة من معارضيها المسلحين. وبحسب كتيب «اف ام 3.07» الذي سينشر قبل نهاية هذا العام، يعتبر القادة الاميركيون «اصلاح القطاع الامني» جذرياً لاستقرار اية منطقة نزاع. ويذكر ان اصلاح القطاع الامني يشكل جزءا اساسياً للسياسة الاميركية ليس فقط في العراق وافغانستان، بل في الاراضي الفلسطينية ايضاً. ويشمل اصلاح القطاع الامني اجندة موسعة، ابعد من تدريب القوات المحلية، بل تشمل اصلاح مؤسسات الجيش والشرطة بالاضافة الى اصلاح الوزارات الخاصة بالقطاع الامني وفرق اعادة الاعمار المحلية التي تبنى على النجاحات العسكرية. وعلى الرغم من رفض العسكريين الخوض في التصريحات السياسية او التعليق على سياسة ابقاء القوات الاميركية في العراق وافغانستان، إلا ان استراتيجية تدريب القوات في البلدين تعتبر خطوة واضحة من الجيش لاظهار قابليته للقيام بمهام ستساعد جيشي البلدين في الاعتماد على نفسيهما مع تبرير اهمية ابقاء القوات في مكانها في الوقت الراهن. وهناك ترقب واسع في اوساط الجيش حول نتائج الانتخابات الاميركية الرئاسية المرتقبة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ولكن في الوقت نفسه هناك التزام بعدم التصريح حول سياسات المرشحين الثلاثة للانتخابات. ولكن عددا من الضباط أكدوا انهم يهدفون الى «تثقيف الشعب حول عملنا كي يتخذوا القرارات السليمة في اختيار سياسييهم الذين سيحددون مستقبل المهمات». وهذه جملة تكررت مرات عدة عند الحديث مع الضباط حول ضرورة التواصل مع الشعب الاميركي وشرح مهمة الجيش لهم. وبينما يزداد الحديث عن سحب «القوات القتالية» من العراق، ستمثل هذه الفرق النموذج الذي يعتمد عليه الجيش الاميركي في مواصلة مهمته هناك. وقامت «الشرق الأوسط» بالتجوال في معسكر «فورت رايلي»، حيث كانت وحدة المشاة الاولى تمارس مهامها. وقد اعطيت فرقة المشاة الاولى (First Infantry Division)، وهي اقدم فرقة في الجيش الاميركي، مهمة الاشراف على فرق الانتقال العسكري وتدريبها. وتتكون الفرقة من 15 الف جندي، ينتشرون الآن بين التدريب في العراق والكويت وافغانستان وتدريب رفاقهم من الجنود الاميركيين في «فورت رايلي». وتم اقرار برنامج خاص بتدريب القوات العراقية والافغانية عام 2006 بشكل رسمي، اذ يؤكد عسكريون عدة بأن قبل ذلك كان تدريب القوات العراقية الافغانية يقوم على اسس عشوائية اذ لم يكن جزءا من العملية العسكرية الاميركية سابقاً. وبعد ان اقتنعت القوات الاميركية بالحاجة الى تدريب القوات العراقية من اجل ان تتولى مهامها بنفسها وسحب القوات الاميركية من المدن العراقية، لم يكن لديها برنامج معين لتدريبها. ويخضع كل جندي يكلف بالالتحاق بفرق تدريب الانتقال العسكري الى 60 يوماً من التدريب المكثف قبل ارسال الفرق الى ساحة القتال. وهناك جدول مفصل لبرنامج التدريب الذي تغير بشكل اساسي خلال السنتين الماضيتين. وشرح كولدويل:«كانت فرق التدريب تنظم بشكل عشوائي، لم توجد الية لاختيار الفرق وتنسيق عملها ولكن اليوم الامور تغيرت تماماً». وأضاف:«يسكن ويدرس ويتدرب اعضاء الفريق الواحد معا في معسكر واحد لعدة اسابيع من اجل بناء فريق حقيقي».

وخلال فترة تدريب على مدار 60 يوماً، يتعرف الجنود الى بعضهم بعضا، ويعطون مهام تدريبية معينة تظهر نقاط قوة وضعف كل جندي من اجل تشكيل فريق متماسك يتمتع كل جندي عضو فيه بخصال معينة، تساهم في انجاح الفريق قبل توجهه الى العراق او افغانستان. وعادة ما يكون هناك بين 500 و600 جندي في كل فصل أو مرحلة تدريب في فورت رايلي، يتم اختيار اعضاء الفرق الانتقالية منها. وعادة ما يكون فريق الانتقال العسكري صغيراً، عدد افراده بين 11 الى 16 جندياً حسب الحاجة، يقودهم ضابط بمرتبة رائد. ويذكر ان فرق الانتقال العسكري مكونة من عناصر من الجيش والبحرية والقوة الجوية، حسب حاجة الفرق. وصرح اللوتنينت كولونيل سكراباتس، المسؤول عن قسم التدريب في «التأثير الثقافي ومكافحة التمرد» في فورت رايلي لـ«الشرق الأوسط» بأن «حوالى 90 في المائة من المدربين هنا خدموا في العراق أو افغانستان، مما يعني ان كل ما يقدموه من تدريب واقعي ومبني على التجربة التي حصلوا عليها والتي سينقلوها الى القوات المحلية». وعلى الرغم من انه اصبح مفصلا، الا ان برنامج التدريب لفرق الانتقال العسكري ما زال يتطور، فكان اساساً طوله 30 يوماً، ثم اصبح 40 يوما ومن ثم 52 يوماً وهو حالياً 60 يوماً. وشرح سكراباتس ان 50 في المائة من وقت التدريب خاص بالتدريب العسكري، اذ عادة ما يأتي الجنود الى «فورت رايلي» مباشرة قبل ارسالهم الى ساحات القتال، بينما النصف الآخر من التدريب يخصص لبناء الفريق واعطائه الآليات المناسبة للنجاح في مهمة تدريب القوات العراقية والافغانية. وقال سكراباتس:«الجنود يأتون عندنا بمعرفة عسكرية، حتى وان لم تكن كثيرة، ولكن ما يفتقدونه هو المسائل الثقافية والتعليمية ... فتكون بحاجة الى تركيز اكبر. ويأتي 33 في المائة من التدريب تحت عنوان «التعليم»، الذي يعتمد على مكافحة التمرد والنظريات العسكرية، بينما 17 في المائة من التدريب يخصص لـ«بناء الفريق». وذلك يعني جعل كل فريق، المكون عادة من 16 جندياً، متماسكاً وصلباً، اذ على الجنود ان يعملوا معا لمدة سنة أو 15 شهراً لبناء فرق امنية سليمة في اجواء حرب، اذا كانت في العراق أو افغانستان. ويشمل التدريب النظري للجنود في «فورت رايلي» عناصر كثيرة ومتنوعة، فبينما عنصر اساسي من تعليمهم، يعتمد على المعلومات الاستخباراتية وقراءة الخرائط لمعرفة طرق المنطقة التي سيتجه اليها الفريق، هناك ايضاً التدريبات على الاسعافات الاولية وابطال مفعول المتفجرات. وقال سكراباتس:«مهمتنا ان نوجد الاجواء هنا لتكون اقرب ما يمكن الى اجواء ساحة العمليات». واضاف: «العمليات العسكرية تستوجب التركيز على الارضية، وفي عملية مكافحة التمرد مثل العراق، الارضية تصبح الناس انفسهم، طريقة حكمهم وتقديم الخدمات لهم، وليس اطلاق النار».

وكان لقاء الرائد هيلي مع العراقيين الثلاثة جزءا اساسيا من التدريب الثقافي واللغوي الذي يشمل وضع سيناريوهات محتملة لما قد يواجهه الجنود في العراق او أفغانستان، ولكن ليس من منظور قتالي، بل من منظور التعاون مع القوات العراقية أو الافغانية. فعلى سبيل المثال من الامور «الثقافية» التي يتعلمها الجنود هي ان اللقاء بالعراقيين يحتاج الى ثلاثة لقاءات، الاول للتعرف والثاني للتعرف وكل طرف يتحدث عن نفسه، واللقاء الثالث هو عن «العمل». ويشرح كولدويل:«القضية تعتمد على بناء علاقات، وهذا عنصر اساسي في الدول التي نعمل فيها اكثر بكثير من ثقافتنا هنا في الولايات المتحدة». ويشمل التدريب الثقافي تعلم تاريخ المنطقة ومعرفة بسيطة عن الدين الاسلامي وتعلم المصطلحات في اللغة العربية او الدارج منها. ولفت سكراباتس الى ان «نماذج التدريب تشمل كل شيء من طريقة شرب «التشاي» العراقي وطريقة الجلوس»، مضيفاً:«لقد تعلمنا ان مضغ العلكة ورفع القدم اثناء الجلوس كلها امور غير مقبولة ونريد التعلم من اخطاء الماضي». وتابع ان هناك دوافع امنية عدة للتدريب الثقافي، ليس فقط لبناء الثقة بين القوات الاميركية والقوات العراقية، بل ايضاً «لمساعدة الجندي الاميركي على التفكير مثلما يمكن ان يفكر متمرد عراقي ويساعد على التوصل الى حلول عراقية لمشاكل عراقية».

وهناك 16 خبيراً لغوياً عراقياً و16 آخر من افغانستان يقومون بتدريب الجنود. وشارك 3 من هؤلاء العراقيين في جلسة الحوار مع الرائد هيلي، ولكنهم ابدوا تحفظاً على الحديث مع «الشرق الأوسط»، خوفاً من ان يستهدف المسلحون في العراق عائلاتهم. وطلبوا عدم ذكر اسماء عائلاتهم، والاكتفاء بذكر اسمهم الاول. فقال سمير:«ما زال لدي اقارب واهل في العراق واخشى عليهم»، مضيفا انه ترك العراق منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي لكنه ما زال يخشى على عائلته في العراق. وتحدث سمير عن عمله الذي يقوم به منذ 5 سنوات، قائلا:«هذا التدريب هنا في فورت رايلي افضل برنامج رأيته، وقد تحسنت الاوضاع كثيراً»، مضيفاً:«انا اقوم بعملي ليس فقط لمساعدة الاميركيين بل لمساعدة بلدي والعراقيين ايضاً». واوضح:«من دون معرفة مبادئ بسيطة من اللغة والثقافة، فرص سوء التفاهم تكثر ومخاطر الصدامات تزداد»، ليضيف رفيقه سهيل:«نحن نقلل من الاخطاء التي يمكن ان تقتل احدا». وربط الرقيب اول فيليب جوندرو بين بناء العلاقات الوثيقة مع العراقيين وتعلم اللغة العربية ونجاح مهمة الجيشين الاميركي والعراقي، قائلاً:«عندما يشعر جندي بأن هذه منطقته ويشعر فخر بأمانها، نجحت القوات بمهامها».

وبعد الانتهاء من التدريب في فورت رايلي، يخضع كل فريق لـ«تدريب واقعي» للتأكد من تضامن الفريق وقدرته على نقل الخبرات الى العراق، ليرسل الى وجهته لفترة تتراوح بين 12 و 15 شهراً. ويلتحق كل فريق انتقال اميركي بوحدة امنية عراقية، اما في الجيش أو الشرطة أو شرطة الحدود او غيرها، ويقيمون عمل الوحدة بناءً على تقارير شهرية تقيس عملهم العسكري. ويتوقع القادة العسكريون انه مع انسحاب القوات القتالية من العراق، سيزداد دول فرق الانتقال العسكري التي من المتوقع ان تبقى في العراق في المستقبل المنظور. وشدد جوندرو على ان:«القوات العراقية هي المستقبل، نخصص أعدادا اكبر من مصادرنا لهذا البرنامج المهم».