باكستان تطوي مرحلة مشرف: أعلن استقالته بعد 9 سنوات في الحكم وترك مصيره «في يد الأمة والشعب»

ترحيب وسط الأحزاب وباكستانيون رقصوا في الشوارع.. ومصدر عسكري يؤكد أن الجيش كان له دور في الاستقالة

بائع باكستاني في محل إلكترونيات يشاهد خطاب مشرف الذي أعلن فيه استقالته أمس (أ.ب)
TT

طوت باكستان أمس سنوات حكم الرئيس برويز مشرف، الذي قدم استقالته خلال كلمة متلفزة، في اجراء يبدو لتفادي مساءلة مذلة، كان نواب في البرلمان يعدون لها. وبعد 9 سنوات مضطربة من الحكم، وخسارته الدعم السياسي والشعبي.. وافتقاره بشكل كبير أيضا لدعم الجيش، وحلفائه الغربيين، قرر مشرف قائد الجيش السابق، التنحي عن الحكم، في صفقة ستحول دون مواجهة القضاء. ولم يتضح على الفور مصير مشرف، غير انباء تشير الى انه قرر البقاء في البلاد، ضمن صفقة الاستقالة مع خصومه. ورقص باكستانيون في الشوارع بعد دقائق قليلة من نبأ الاستقالة، ويأمل العديد من المسؤولين والمواطنين العاديين أن يدخل رحيله تحسنا على حياتهم، فيما أشادت جهات أخرى بخطوته، ووصفتها بالشجاعة، وقالت انها جديرة بالاحترام. وأعلنت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى انها ستواصل «العمل مع الحكومة الباكستانية»، بعد استقالة مشرف، الذي اشادت بمساهمته في «الحرب ضد الارهاب».

وأعلن مشرف ان قرار الاستقالة جاء بعد مفاوضات مطولة مع مستشاريه السياسيين والقانونين استمرت خلال يومي الأحد وحتى صباح الاثنين. وقال مسؤول بارز في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن برويز مشرف عقد أيضا اجتماعا من مسؤولين مخابراتيين يوم الأحد في إسلام آباد. وليس من الواضح ما هو الدور المستقبلي الذي سوف يختاره مشرف لنفسه، ولكن هناك دلائل قوية في خطابه على أنه لن ينسحب من الحياة العامة. وقال مشرف: «اترك القرار بشأن مستقبلي في أيدي الشعب الباكستاني، ليكونوا هم الحكم».

وأفاد مصدر سياسي مطلع أن ضابطا كبيرا بالجيش كان له دور أساسي في إقناع الرئيس مشرف بالاستقالة وإقناع حزب الشعب الباكستاني بعدم بدء أية إجراءات قانونية ضده. وأكد مشرف في كلمته «بعد دراسة الوضع واستشارة المستشارين القانونيين والحلفاء السياسيين، وبعد نصيحتهم قررت الاستقالة». واضاف «اترك مستقبلي في ايدي الشعب». واشار الى انه سيسلم استقالته الى رئيس مجلس النواب (في وقت لاحق أمس). ونفى مشرف بشدة التهم الموجهة اليه من خصومه وقال: «لا يمكن اثبات هذه التهم المثارة ضدي.. لانني لم افعل اي شيء مطلقا لمصلحتي الشخصية بل كان كل شيء من اجل مصلحة باكستان».

ودافع مشرف، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، مطولا عن فترة حكمه.

وقال انه ساعد على ارساء القانون والنظام في البلاد، كما ساهم في تحسين وضع حقوق الانسان والديمقراطية، واصبحت باكستان دولة مهمة على الساحة الدولية.

واضاف «على خارطة العالم، اصبحت باكستان الان دولة مهمة بفضل الله». واكد انه قاد البلاد على الدوام «بنية حسنة» خصوصا في مواجهة المشاكل الاقتصادية وتهديد التمرد الاسلامي، وقال ان خصومه وجهوا «اتهامات خاطئة» له. وقال «لقد كانت فلسفتي هي باكستان اولا». وتابع «لكن لسوء الحظ وجه بعض العناصر الذين يتصرفون بدوافع من المصلحة الخاصة، الي اتهامات خاطئة وضللوا الناس.. ولم يفكروا في الضرر الذي يمكن ان يحدثه ذلك على البلاد». وبدا الرئيس مشرف هادئا وكان يرتدي سترة سوداء وربطة عنق، ولكنه لم يتمالك نفسه في نهاية الخطاب وهو يودع الوطن. وقال: «أدعو الله أن تصبح باكستان أقوى وأقوى».

وحظي القرار بترحيب من الساحة السياسية، وخرج المواطنون في الشوارع للاحتفال به. وبعد سماعه الخبر، هرع رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف إلى مقر إقامة آصف علي زرداري، رئيس حزب الشعب الباكستاني، حيث رأى المواطنون يوزعون الحلوى. وقال أحسن إقبال، السكرتير الإعلامي بحزب الرابطة الإسلامي الذي يتزعمه نواز شريف في حديث لوسائل الإعلام أمام منزل زارداري: «هذا يوم الانتصار للشعب الباكستاني». ورحب زارداري والقاضي افتخار محمد تشودري بالقرار، وقالا إنه انتصار للشعب الباكستاني. وخرج المحامون الذين قادوا حملة ضد مشرف في السابق منذ أن سعى لعزل كبير القضاة العام الماضي، من قاعات المحاكم في مدينة ملتان في جنوب شرق البلاد لدى سماعهم نبأ استقالته منددين بفترة حكمه. ورقص المحامي مالك نويد وسط حشد من نحو 400 من زملائه وقال «كأنني أحتفل بزفافي». وقال جعفر شاه وهو جندي متقاعد في مدينة بيشاور في شمال غرب البلاد «سبب كل المشاكل قد ذهب». وأضاف «اتمنى أن أطلق النار للتعبير عن فرحتي لكني للاسف لا أستطيع القيام بذلك».

وفي كراتشي العاصمة التجارية للبلاد فرق السكان الحلوى ورقصوا احتفالا. وقال محمد الياس، 30 عاما، «حمدا لله انه استقال. الدولة ستكون أحسن حالا الان. هذا انتصار للشعب». وشكا مراقبون من أن الخلاف بشأن مشرف شتت انتباه الحكومة عن تدهور الوضع الامني وتراجع الاقتصاد. فالتضخم بلغ أعلى مستوياته في 30 عاما والعجز في الموازنة وميزان المعاملات الجارية يتسع. وفقدت الروبية نحو ربع قيمتها هذا العام في حين تهاوت الاسهم بنحو 50 بالمائة عن مستواها القياسي المسجل يوم 21 ابريل نيسان. وسجلت أكبر بورصة في باكستان بكاراتشي، التي تعد المؤشر الأبرز على قوة الاقتصاد الباكستاني، زيادة 400 نقطة خلال الدقائق الأولى من إعلان الاستقالة. وتعرض مشرف الذي استولى على السلطة في انقلاب ابيض عام 1999، لضغوط هائلة من الائتلاف الحاكم، لتقديم استقالته قبل بدء أول اجراءات مساءلة في تاريخ باكستان منذ استقلالها قبل 61 عاما. وتمكنت هذه الاحزاب التي فازت في انتخابات فبراير (شباط) بقيادة حزب الشعب الباكستاني الذي كانت تتزعمه بي ناظير بوتو، من التغلب على الانقسامات التي استمرت اشهرا واتفقت على توجيه الاتهامات لمشرف بهدف اقالته في السابع من اغسطس (اب).

وذكرت مصادر ان بين تلك الاتهامات انتهاك الدستور واساءة التصرف. وقال مسؤولون باكستانيون ان مساعدي مشرف اجروا محادثات مع الائتلاف الحاكم بوساطة السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا للسماح لمشرف بالاستقالة مقابل سلامته الشخصية. وذكروا أن مشرف كان يسعى للحصول على حصانة ضد محاكمته الا أن مشرف قال في كلمته امس انه لا يطلب أي شيء. وتابع لا أريد أي شيء من أي أحد. لست مهتما. أترك مستقبلي في يد الامة والشعب». وبعد اعلان مشرف، شهدت مدن باكستانية عدة احتفالات ورقص الناس في الشوارع رغم ان مستقبل البلاد السياسي ودور باكستان في «الحرب على الارهاب» التي تخوضها واشنطن، اصبحا غير معروفين.

ونفى المتحدث باسم مشرف خلال الايام الماضية انباء عن نية مشرف الاستقالة. الا ان غياب دعم الجيش لمشرف الذي تنازل عن قيادته في نوفمبر تشرين الثاني، جعل خيارات اخرى من بينها حل البرلمان او اعلان حالة طوارئ اخرى، امرا مستحيلا. وتزايدت التكهنات بشان مصير مشرف ليل الاحد الاثنين عندما صرحت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ان الولايات المتحدة لا تفكر حاليا في منح مشرف اللجوء السياسي. وقالت «هذه ليست مسالة مطروحة على الطاولة واريد ان اواصل التركيز على ما يجب عمله مع حكومة باكستان الديموقراطية».