الجيش الأميركي يكرّس جهوده في بناء الثقة مع العراقيين من خلال تعلم لغتهم

«الكتيب اللغوي» يحوي 23 صفحة صغيرة من أبسط المصطلحات.. لم يطبع حتى عام 2005

TT

«رح نضربك إبرة».. «هذا المي ينشرب؟».. «انبطح».. إنها عبارات باللهجة العراقية العامية، يستخدمها العراقي في المستشفى أو الحياة العامة. لكنها أيضاً أصبحت جزءاً أساسياً من تدريب عدد كبير من الجنود الأميركيين قبل إرسالهم الى العراق، فقد أدرجت في 22 فئة نشرت ضمن «الكتيب اللغوي من اجل البقاء». ويعطى كل جندي يذهب إلى العراق نسخة من الكتيب الصغير، الذي صمم ليكون حجمه ليس اكبر من كف اليد كي يحمله الجندي في كل الأوقات. ويشمل هذا الكتيب، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، مصطلحات تأتي ضمن تسميات مختلفة، مثل «التحقيق»، «الأقارب»، و«الأرقام». وعبر 23 صفحة صغيرة، يحاول الكتيب إعطاء الجنود المصطلحات الضرورية للقيام بمهامهم في العراق. ومن اللافت أن الجيش الأميركي لم ينشر هذا الكتيب عام 2003، عند شن الحرب في العراق، وانتظر حتى عام 2005 لنشره.

ويأتي هذا الكتيب ضمن إطار جهود الجيش الأميركي لتحسين مهارات الجنود اللغوية بعد سنواته الأولى في العراق التي عانى الجنود فيها من صدمة واقع خوض حرب طويلة. يقول الرائد دون ستيوارت، الذي كان في العراق عام 2003: «عندما ذهبت للعراق حصلنا على تدريب لغوي مبدئي لم يطل أكثر من بضع ساعات، لم يكن هناك أي تركيز على الثقافة واللغة.. تدريبنا كان على القتال المباشر، توقعنا أن نقاتل أطول بالشكل التقليدي». وشرح دون أن ذلك جعل الجنود يقعون في أخطاء بسيطة ربما أدت إلى سوء تفاهم أحياناً والى مخاطرة في حياتهم وحياة العراقيين أحياناً أخرى. وتغير هذا الواقع بعض الشيء من خلال التدريب الذي يحصل عليه الجنود.

وارسل دون الذي تحدث مع «الشرق الأوسط» في فورت رايلي، الى أفغانستان حيث قاد «فريق تدريب عسكري» في أفغانستان بين عامي 2007 و2008، اشرف على تدريب وحدة عسكرية أفغانية من 1600 جندي، وقال دون: «تعلمت الكثير من خلال تدريبي قبل الذهاب الى أفغانستان، كان الجيش قد بدأ التدريب اللغوي والثقافي والمبني على التواصل مع الشعوب نفسها»، مؤكداً انه استطاع بناء الثقة مع الجنود الأفغان الذين عمل معهم بمساعدة هذا التدريب وكتيبات اللغة المبسطة.

يذكر ان الجنود يتعلمون العربية، مع التركيز على اللهجة العراقية لتساعدهم على عملهم في العراق، بالإضافة إلى فئة تتعلم الداري، من اجل المهمات العسكرية الأميركية في أفغانستان. وتعلم دون مبادئ الداري قبل الذهاب الى أفغانستان، لكنه قال مبتسماً: «تعلمت الداري.. لكن الذي عاشرتهم يتكلمون الباشتو!». ولفت عدد من الجنود إلى أن تحديد تعلم القوات المنتشرة في أفغانستان لغة الداري فقط، تعيقهم في مناطق أفغانية يتحدث سكانها الباشتو، إلا أن الجيش قرر عدم التركيز على تلك اللغة التي يتحدثها حوالي 40 في المائة من سكان أفغانستان وفي مناطق مهمة مثل كابل وقندهار. ولفت احد الجنود إلى أن لغة الداري تفيد الجنود، وقال مبتسماً: «الداري ليست بعيدة عن الفارسية المستخدمة في إيران». وعند سؤال المسؤولين في فورت رايلي عن الربط بين اختيار الجيش تعليم جنوده الداري بدلاً من الباشتو، كان الجواب الرسمي بأن ذلك جاء بناء على رغبة الجيش في عدم تشتيت تركيز الجنود والجهود المبذولة لتطوير قدراتهم اللغوية. وقال الرائد دون: «على الرغم من أن مثل هذه التدريبات والكتيبات جاءت متأخرة بعض الشيء، إلا أنها بدأت منذ فترة وبدأنا نرى نتائجها».

وبالإضافة الى تعلمهم اللغة، يحاول بعض الجنود التقرب من الشعبين العراقي والأفغاني من خلال مبادرات صغيرة أحياناً تعني الفرق لهم بين الحياة والموت. ويخضع الضباط مثل دون ورفاقه من الجنود المتوجهين إلى العراق وأفغانستان لدراسة تشمل فصولاً عن الإسلام والتعامل مع المرأة المسلمة والتعامل بشكل عام. وقال الرائد دون: «عندما كنت في أفغانستان قررت تطويل شاربي، على الرغم من أن ذلك يخالف التعليمات العسكرية، لكنه كان ضرورياً من الناحية الثقافية». فموجب تعليمات الجيش الأميركي، يجب أن يكون وجه الجندي خالياً من الشعر، لكن يتخذ الكثير من الجنود قرار تربية الشارب من اجل «التقرب من الشعب وأحياناً لإثبات رجولتنا!»، على حد قول دون، وأضاف: «نحاول أن نبدي احتراماً، مثل أكل أي طعام يقدمونه لنا وان نرشف الشاي ببطء مثل العراقيين حتى وان كان الطعام غريباً علينا أو يؤدي أحياناً الى مرض بعض الجنود.. لكن علينا التعود على ذلك».

وأشار المستشار المدني للجيش الأميركي، إلى ما يخص «الاتصالات الاستراتيجية»، دانكان بوثبي: «حتى السير بين العراقيين من دون لبس الخوذة يعتبر خرقاً للتعليمات، لكن حتى (قائد القوات الأميركية في العراق) الجنرال ديفيد بترايوس، يقوم بذلك»، وأضاف: «أحياناً الواقع على الأرض يجبر الجنود على اتخاذ قرارات مثل هذه للتقارب من الشعب وبناء الثقة المتبادلة».