مشرف: الجنرال المعجب بنابليون حاول مزج النجاح بالحظ

خلع الزي العسكري بصعوبة وكان يعتبره مثل جلده

الجنرال مشرف (أ.ب)
TT

أصبح برويز مشرف أكثر شخصية مؤثرة على مسيرة باكستان خلال العقد الماضي. فقد تقلد ارفع منصب في البلاد، الرئاسة، وقواها لتصبح أقوى منصب ايضاً. ولكنه ترك المنصب أمس وبلده اضعف من السابق والكرسي الرئاسي مهدد بالتراجع أمام رئاسة الوزراء القوية تقليدياً. وخارجياً، يترك مشرف العالم متسائلاً عن دور باكستان في «الحرب على الإرهاب» ومواجهة التطرف في باكستان وجارتها أفغانستان، فعمل على التحالف مع واشنطن في مواجهة تنظيم «القاعدة» مما جعله من أهم حلفائها، ولكن ذلك لم يحمه من الانتقادات الداخلية والخارجية لمعالجته الملف الأمني. ويعتبر مشرف ليبراليا ومتحرراً في القضايا الاجتماعية، فهو ينتقد التزمت والتطرف. كما انه مولع بالموسيقى والرقص ويتحدث الانجليزية بلباقة، مما قربه من السياسيين الغربيين. ويبدي مشرف اعجابه الكبير بكل من القائد الفرنسي التاريخي نابوليون بونابارت، والرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، الاول بسبب صراحته وتفكيره العسكري، والثاني بسبب قدرته على استيعاب الأوضاع والتأقلم معها. ونقل عن مشرف قوله: «أعتبر نفسي محظوظا، نابوليون كان يقول انه اضافة الى كل الكفاءات المطلوبة على الزعيم ايضا ان يكون محظوظا لينجح، لذلك علي ان انجح». ولكن بدأ حظ مشرف يتراجع اذ عاش في ظروف امنية وسياسية حرجة خلال الأشهر الماضية، وترك السلطة بتأثير ولو جزئي من الرجل الذي اطاحه هو ليصل الى السلطة. فلعب رئيس الوزراء السابق نواز شريف وابرز خصوم مشرف دوراً اساسياً في محاصرته سياسياً والعمل على مساءلته. فوصل مشرف الى السلطة في انقلاب ابيض في اكتوبر (تشرين الاول) 1999 ضد شريف، الذي اجبره على المنفى حتى نهاية عام 2007. وعاد شريف الى باكستان في وقت بدأت فيه قوة مشرف تتضاءل.

وكانت علاقة باكستان مع الهند تؤثر على مشرف منذ صغره ولعبت دوراً في وصوله الى الرئاسة. فقد ولد في نيودلهي في 11 أغسطس (آب) عام 1943 ووصل مع والده الدبلوماسي ووالدته الى كراتشي العاصمة الأولى لباكستان بعد يوم من تقسيم الهند عام 1947. وبعد 40 عاماً، اوصل مشرف باكستان الى حافة الحرب مع الهند، وحافة السلام. فقد ادعى سابقاً المسؤولية عن نزاع «كارغيل» مع الهند عام 1998 الذي كان نصراً عسكرياً رغم تبعاته السياسية السلبية. وتاريخ مشرف العسكري اطول من تاريخه السياسي. فقد انخرط بالجيش منذ عمر الـ18، وحصل على وسام شرف لشجاعته خلال الحرب ضد الهند عام 1965، وفي عام 1966 انضم الى فرقة نخبة داخل الجيش الباكستاني. وكان تعيينه في السابع من اكتوبر (تشرين الأول) 1998 قائدا للجيش، بأمر من رئيس الوزراء انذاك نواز شريف، النقطة التاريخية المفصلية التي أوصلته الى كرسي الرئاسة. فالرجلان سرعان ما اختلفا بعد سنة خلال مواجهات عسكرية مع الهند في كارغيل في كشمير الهندية. فقد امر شريف بسحب الجيش الباكستاني من المنطقة المتنازعة عليها بضغط من واشنطن، ما فسر على انه صفعة لنواز شريف. وحاول شريف بعد ذلك اقالة مشرف، الا ان العسكريين الاوفياء لقائدهم مكنوه من السيطرة على السلطة في انقلاب عسكري ابيض في الثاني عشر من اكتوبر 1999، من دون إطلاق نار او إراقة دماء.

ومنذ دخوله الأكاديمية العسكرية الباكستانية وفي كاكول وهو في الـ18 من العمر، لم تفارقه البزة العسكرية طيلة اكثر من 45 عاماً، حتى انه كان يصفها بـ«جلدي الثاني». وقد انتظم مشرف في سلاح المدفعية وبعدها تخرج من كلية الأركان العامة في كويتا ثم كلية الدفاع الوطني في راولبندي، ليدرس بعدها في الكلية الملكية للدراسات الدفاعية في بريطانيا. وكان مشرف اكثر ارتياحاً في الاوساط العسكرية، ولكن اضطرته رغبته في البقاء بالسلطة على الاستقالة من رئاسة الجيش كي لا يواصل خرق الدستور الباكستاني. واعتبر مشرف نفسه دوماً عسكرياً في الدرجة الأولى، وكان تخليه عن قيادة الجيش في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بداية تراجع موقعه في البلاد. وبعد الانقلاب العسكري ضد شريف، وعد مشرف باعادة الديمقراطية الى باكستان بعد استئصال الفساد وانتخب لولاية جديدة من خمس سنوات في عام 2002. الا ان ولايته الجديدة من خمس سنوات لم تصمد اكثر من سنة امام الضغوط السياسية التي فرضها عليه خصومه في الداخل. وضمن مساعيه للاستئثار بالسلطة، عدل مشرف الدستور عام 2003 ليقوي الرئاسة وأعطى نفسه صلاحيات أهمها صلاحية حل الجمعية الوطنية (البرلمان). وجاءت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، لتغير من الواقع السياسي في باكستان والمنطقة. وأصبح مشرف الحليف الأساسي للولايات المتحدة في «حربها ضد الإرهاب» وهو ما يرغب بالتشديد عليه في أحاديثه الصحافية. وهو يقدم نفسه على انه منقذ الأمة الباكستانية والمدافع عن العالم من تنظيم «القاعدة». وكان دائماً يعبر عن استعداده للتخلي عن الدفاع عن الحريات الشخصية والمدنية في مواجهة التطرف وعدم الاستقرار. وللحفاظ على سلطته اعلن مشرف حالة الطوارئ في البلاد في نوفمبر2007، مبررا هذا الإجراء بتصاعد المد الاسلامي وبـ«تدخلات» المحكمة العليا التي كانت تسعى لنزع الشرعية عن اعادة انتخابه رئيسا في السادس من اكتوبر2007.

وقد ادت مساندته للولايات المتحدة الى ضخ واشنطن ما يصل الى 11 مليار دولار من الدعم لباكستان، مما اجل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، لكن لم يوقفها، خاصة أن غالبية الدعم كان للميزانية الدفاعية. وأدى ايضاً تحالف مشرف القوي مع الولايات المتحدة الى انتشار التطرف في باكستان بسبب رفض شريحة كبيرة من المجتمع الباكستاني المحافظ لهذا التحالف. وقد طالب قادة تنظيم «القاعدة» مراراً باستهداف مشرف، الذي تعرض لأربعة محاولات اغتيال. وبينما تراجعت شعبية مشرف في البلاد، عززت العناصر الموالية لحركة طالبان و«القاعدة» مواقعها في شمال غرب البلاد وعلى الحدود الأفغانية. وسعى مشرف لترسيخ «الإسلام المعتدل» في البلاد بحملة تحت الشعار نفسه، لكنه فشل في إضعاف الحركات المتشددة. وبالإضافة الى إعجابه بنابليون، فإن أفضل أفلام مشرف هو فيلم «المصارع» الذي يدور حول جنرال محترم ينقذ روما من امبراطور شرير. وكثيراً ما اعتبر منتقدو مشرف أن سبب سقوطه يعود الى وقوعه في المطب المرضي الأساسي لدى الطغاة، اي من يعتبر أن البلاد من دونه لا يمكن إلا أن تتجه نحو الكارثة.