توقيع «وثيقة تفاهم» بين سلفيين لبنانيين و«حزب الله» يشعل سجالا حادا

النائب الجسر يؤكد أن الحريري لم يوضع في جو الاتفاق * الشهال يصف الوثيقة بـ «الفقاعة الإعلامية» * ميقاتي: أرحب بكل تفاهم بين اللبنانيين

رئيس المجلس السياسي في حزب الله، إبراهيم أمين السيد، يتقبل التهاني والقبل من أحد أعضاء التيار السلفي السني الذي وقع أمس على وثيقة تفاهم مع الحزب (رويترز)
TT

أثارت «وثيقة التفاهم» التي وقّعت امس بين أطراف سلفية لبنانية و«حزب الله» ردود فعل متباينة، ففيما قلل البعض من أهميتها اعتبرها آخرون «خطوة جبارة يجب ان تحتذى». وقع الوثيقة عن «حزب الله» رئيس المجلس السياسي فيه، السيد إبراهيم أمين السيد وعن السلفيين الداعية حسن الشهال رئيس «جمعية دعوة العدل والاحسان»، علماً ان السلفيين المشاركين في هذه الوثيقة بقوا حتى أول من أمس الأحد يميلون الى تأجيل الموعد، ريثما يتم شرح حيثيات هذه الخطوة للقاعدة السنية في طرابلس التي تعتبر معقلاً للإسلاميين.

وقد شرح الشهال لـ«الشرق الاوسط» سبب ابقاء موعد التوقيع دون تغيير فقال: «لم نرد ان يشعر الطرف الآخر اننا نتلاعب أو ان ثمة سوء نوايا. في النهاية تلاقى السياسيون في الدوحة فلماذا لا تكون اتفاقات شعبية. الوضع خطر، الحالة في باب التبانة متفجرة. ونحن نسمع ان أحداث 7 ايار قد تتجدد في بيروت. نحن دعاة مسلمون، فإن لم نتحرك لدرء الفتنة ونقوم بواجبنا، فماذا نفعل، هل نبقى مكتوفي الأيدي؟».

ورداً على اتهام الموقعين بأنهم مجرد جمعيات خدماتية لا تيارات سياسية لها تمثيل قال الشهال: «من الذي يستطيع ان يدّعي بأنه يمثل الساحة السلفية والسنية؟ لا أحد من الموقعين على الوثيقة او المعترضين عليها عنده أي اعتراض على مبدأ الحوار، وإنما الاختلاف على التوقيت وبعض الحيثيات».

وكشف الشيخ بلال شعبان رئيس «حركة التوحيد الإسلامي» المحسوبة على 8 آذار لـ»الشرق الأوسط» ان «اللقاءات والنقاشات بين الحركات الإسلامية السنية وحزب الله لم تتوقف، إنما هي تدور بعيداً عن الإعلام. وهناك ما يسمى اللجنة السباعية التي تعقد اجتماعات شهرية، وتضم الجماعة الإسلامية، وحزب التحرير وجبهة العمل الإسلامي وكذلك حركة التوحيد وآخرين. وهذه الاجتماعات يحضرها ممثلون عن حزب الله». ويشرح ان «الجماعة الإسلامية» القريبة من قوى «14 آذار» عندها لجنة تنسيق مستمرة مع «حزب الله» وكان السلفيون خارج هذه اللجنة السباعية والتفاهم الذي تم توقيعه سيدخل هؤلاء في مجال الحوار. اما المعترضون ـ بحسب رأيه ـ فهم ليسوا ببعيدين بالقدر الذي يتم الحديث عنه.

وفي رد على سؤال عن سبب هذه التحولات في الساحة الإسلامية يجيب شعبان: «لأن أميركا دخلت في حالة (كوما) انتخابية. وهذا ما انعكس في جورجيا وسينعكس في فلسطين والعراق ولبنان». ويضيف: «ستضعف بالتأكيد تبعاً لذلك بضائع (سوبر ماركت الفتنة المتنقلة) التي توزع أميركا أدواتها، فهنا الأدوات سنية ـ شيعية وهناك قبطية ـ إسلامية، وفي مكان آخر سنية ـ سنية. وتأكيداً على ذلك ان لقاء عقد في عكار شمال لبنان منذ ثلاثة اسابيع، تكريماً لمفتي المنطقة الشيخ أسامة الرفاعي، بدعوة من تيار المستقبل وضم صوفيين وسلفيين وشيخين شيعيين أحدهما سيد. وقد سررنا باللقاء وكانت الأجواء طيبة للغاية، فلماذا افتعال الفرقة؟ وكذلك نعتبر ان زيارة الشيخ سعد الحريري للنجف هي في إطار هذا التحول الجاري حالياً».

وكانت الأطراف الموقعة على وثيقة التفاهم بين «حزب الله» والسلفيين التي تعتبر قريبة وحليفة لتيار المستقبل، قد زارت النائب عن التيار سمير الجسر أول من أمس. وقالت انها نسقت معه كما صرحت انها تحدثت في شأن التحضيرات للوثيقة مع النائب سعد الحريري. لكن وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع النائب الجسر نفى ذلك. وقال: «لقد زاروني بالفعل واخبروني عن الوثيقة وانهم حددوا موعداً لتوقيعها، ووضعوني في الأجواء. وهذا كل ما في الأمر. ولا أملك شخصياً حق الموافقة أو الرفض، لأن لا سلطة لي على الجهات الموقعة على الاتفاق. صحيح انهم مقربون من تيار المستقبل، لكنهم اجتهدوا وهذا شأنهم. وكنت قد لفت نظرهم اثناء الحديث الى ان هكذا وثيقة قد تستغل لتعطي انطباعاً بأن الساحة الطرابلسية والوطنية منقسمة على ذاتها. بالمبدأ لست ضد نبذ العنف، لكنني لا أميل إلى الاتفاقات الثنائية، لأن أثرها لغاية الآن كان سلبياً». ويضيف: «هم يقولون انهم زاروا النائب سعد الحريري، لكنهم زاروه كما يفعل كل الناس، وليس لاستشارته في موضوع الوثيقة او التباحث معه». وبدوره قال رئيس الحكومة اللبنانية السابق، نجيب ميقاتي، أنه لم يطلع على بنود الوثيقة ولكنه «من حيث المبدأ» يرحب بكل تفاهم بين اللبنانيين.

واعتبر داعي الإسلام الشهال مؤسس التيار السلفي في لبنان «ان هذه الوثيقة فقاعة إعلامية ومضامينها عادية ومعروفة ومتفق عليها سلفاً ولن تحمل أي أثر ايجابي. وأي تفاهم من هذا النوع كي يعطي ثماره يجب أن يسبقه حوار معمق وترتيبات وبحث النقاط الحساسة. فما معنى أن تتحاور جمعية وقف التراث (الجهة التي أجرت الحوار مع حزب الله) التي هي مجرد جمعية خدماتية مع حزب كبير مثل حزب الله يملي شروطه الإقليمية على الدولة. وقبل اي شيء فليتفضل حزب الله ويطلب من حلفائه ان يوقفوا المآسي التي تحدث في باب التبانة، فأهل السنة في الأساس مسالمون».

وقال: «عديد من الذين ذهبوا للتوقيع ليسوا مقتنعين تماماً، وكانوا مترددين ونصفهم لا يمثلون شيئاً على الأرض. ثم ان التيار السلفي لم يكن ممثلاً وهو العمود الفقري للعمل السلفي. نحن مع مبدأ الحوار. وقد تمت دعوتنا مع الصف الأول للمشاركة في الوثيقة. ولم نرفض من حيث المبدأ، لكننا نريد للطائفة السنية أن تخرج بورقة مقبولة، لا أن نشارك في اتفاق كل هدفه تحقيق صفقة إعلامية».

وعن تأثير هذه الوثيقة عملياً، يعتبر داعي الإسلام الشهال ان «لا تأثير لها على الإطلاق. وهي كالدخان في السماء». ولا ينكر الشيخ بلال شعبان الذي اعتبر الوثيقة «خطوة جبارة وشجاعة «انها انتخابياً لا تزن كثيراً، فليس للسلفيين وزن انتخابي مهم، خاصة انهم لا يرون للانتخابات وجهاً شرعياً». لكنه يتوقع «أن تسهم هذه الوثيقة في تهدئة النفوس، خاصة ان الحوارات التي تدور بين من هم موافقون أو غير موافقين على الوثيقة هو كلام طيب للغاية». ويقول: «لقد حضرت جانباً من جلسات بين الطرفين تظهر بوضوح ان الجميع ذاهب نحو حوار ومصالحات، وان لمسنا اليوم حملة شعواء ضد الوثيقة والموقعين عليها، لكن ذلك سينتهي سريعاً».

وكان «حزب الله» قد رحب بالوثيقة. واعتبر النائب عن الحزب حسن حب الله في تعليق لـ«الشرق الأوسط» انه «عمل مهم وفيه مصلحة إسلامية. وكل تفاهم بين حزبين أو تيارين أو طرفين يشكل مصلحة وطنية عليا». وقال تعليقاً على الذين يقللون من شأن الجهات التي تم الاتفاق معها: «ما المشكلة ان كانت جمعيات؟ نحن ندعو الجميع لأن يشاركوا معنا، ان كانت بنود الاتفاق موضع اتفاق. ما يهمنا هو تحصين الساحة الوطنية لمنع الفتنة واستئصال اي بؤرة توتر يدخل من خلالها الأجنبي إلى بلادنا».