ندوة «الشرق الاوسط» في أصيلة تبحث مستقبل الصحافة الورقية أمام منافسة الصحافة الإلكترونية

بن عبد الله: لا تهديد في المدى القصير والمتوسط * برادة: التكامل أفضل طريقة لإبقاء الصحافة المكتوبة حية * بن عيسى: الأنظمة التربوية العربية لم توظف الكومبيوتر والوسائل الإلكترونية التوظيف الصحيح

جانب من المشاركين في الجلسة الثانية من ندوة الإعلام في القرن الـ 21 (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

طغى الحديث عن مصير الصحافة الورقية إزاء منافسة الصحافة الالكترونية، على الجلسة الثانية من ندوة «الاعلام في افق القرن الواحد والعشرين»، التي تنظمها «الشرق الاوسط» بشراكة مع مؤسسة منتدى اصيلة.

وبحثت الجلسة الثانية مساء اول من امس محور «مصير الصحافة الورقية امام الاعلام الالكتروني: الهوة الرقمية القائمة بين الشمال والجنوب».

وانطلق محمد نبيل بن عبد الله، وزير الاتصال المغربي السابق (الإعلام)، المتحدث الرئيسي في الجلسة، بالحديث عن «صدمة الغرب»، وهي صدمة قال عنها إنها «ما فتئت تنبه وتقود العقل العربي، إلى اكتشاف المساحات الشاسعة، المتمثلة في الهوة الحضارية التي تفصله عن الغرب»، مشيراً إلى أن هذا الاخير، كما كان سباقاً في نهضته الورقية، فإنه، الآن، يعيد تثبيت وترسيخ موقعه الريادي في مجال الإعلام الإلكتروني، الذي يشهد تحولات متسارعة ومتنوعة، مبرزاً أن الفضاء الإلكتروني والرقمي يشكل، ربما، أقصر سبيل لعبور المسافة التي تفصلنا عن الغرب.

ولاحظ بن عبد الله أنه إذا كانت الصحافة الورقية هي الامتداد الطبيعي للنهضة الثقافية والثورة الفكرية في الغرب، فإن الإعلام الإلكتروني هو أحد المظاهر البارزة للتطور التقني المذهل، الذي حققه هذا الغرب في مجال تكنولوجيا الاتصال، ولو أن جزءا غير قليل من هذه الانجازات، أصبح اليوم متاحا في كل الأقطار، وبدرجات متفاوتة.

ورأى بن عبد الله أنه إذا كان للصحافة الورقية، منذ نشأتها في الغرب، تأثير مهم على حياة الشعوب والأفراد وعلى السياسات العمومية وأنظمة الحكم والتدبير، فإن تدبير الإعلام الإلكتروني اليوم، أصبح أكثر قوة بحكم سرعته المذهلة واتساع حجم المناطق الشاسعة التي يغطيها في جغرافية الكون، وكذا بحكم التنوع غير المحدود في المضامين التي ينشرها، خاصة أنه مسنود بالقوة الهائلة لشبكة الانترنت وما تتيحه من تدفق لا محدود للمعارف والمعلومات.

وذهب بن عبد الله إلى أن الحديث عن مصير الصحافة الورقية أمام الإعلام الالكتروني، هو في العمق، حديث عن تنافس قائم قد يزداد تعقيدا. فإذا كان تطور الإعلام الالكتروني لم يلغ وجود الصحافة المكتوبة، وإنما زاحمها واقتطع منها مواقع وهوامش غير قليلة، إلا أننا، مع ذلك، يضيف بن عبد الله، ما زلنا نقف على ما يشبه التعايش بين هذين النمطين من الممارسة الإعلامية، وخاصة في البلاد المتقدمة التي ما زالت تحافظ على تقاليد القراءة، بحكم انتشار المعرفة والوعي السياسي والتربية المدينة، علما أن كافة مؤسسات الصحافة الورقية في البلدان المتقدمة، غربا وشرقا، أمست تمتلك مواقع إلكترونية لكل طبعاتها الورقية، وهي تجربة انخرطت فيها الصحف العربية بدورها، وذلك انطلاقا من تقديرات، تقول بوجود إمكانات كثيرة لديها، تسعفها على الصمود في وجه المنافسة الإعلامية الإلكترونية، مع التأكيد على أن لكل منهما جمهوره ومريدوه، حسب تنوع المجتمعات والأجيال والجنس والأعمار.

وانتقل بن عبد الله إلى القول ان الخبراء يربطون استمرار النمطين على خطين متوازيين، بحيث يتنافسان دون أن يصل أحدهما إلى احتلال المشهد الإعلامي كاملا أو الحلول مكان الطرف الآخر، بمدى قدرة مقاولات الصحافة الورقية على تطوير نفسها وتحسين منتوجها باستمرار، ومواجهة تكاليف الإنتاج المتزايدة، وما تطرحه من أعباء مالية ثقيلة على ميزانياتها، وخاصة ما تعلق منها بالتكلفة الباهظة للورق والطباعة والتوزيع، وهي تكلفة لا تدفع منها مؤسسات الإعلام الالكتروني أي شيء.

وسجل بن عبد الله أن الإعلام الالكتروني يستفيد من امتياز التخفف من إكراهات (ضغوطات) الرقابة السياسية، والانفلات من القيود التي تخضع لها الصحف وخاصة في بلدان العالم الثالث.

وختم بن عبد الله مداخلته، بالقول إن الأسئلة التي ترتبط بمصير الصحافة المكتوبة وإمكانية استمرارها وصمودها أمام التطور التقني المذهل للإعلام الإلكتروني وتنافسيته القوية والمتزايدة، لا تهدد في المدى القصير والمتوسط، وجود ومستقبل الصحافة الورقية التي ستحتفظ بمجال شاسع للتطور والتكيف مع تحديات العصر الجديد، منتهياً إلى أن سؤال المضامين الصحافية ونوعيتها، سواء تعلق الأمر بالصحافة الورقية أو بالصحافة الالكترونية، وكذا سؤال الممارسة السليمة لحرية الصحافة في ظل التقيد بضوابط الأخلاقيات والحرص الشديد على احترام الضوابط المهنية، سيبقيان مطروحين بإلحاح خاصة بالنسبة لعالمنا العربي والإسلامي، الذي يضطلع أكثر فأكثر إلى أن يشكل حقل الإعلام وسيلة للتعبير عن ذاته وهويته والتعريف بتطلعاته في سعي حثيث إلى التفاعل الخلاق مع الآخر في إطار من الاحترام المتبادل والتعطش القوي إلى خدمة قيم كونية مشتركة عنوانها التسامح والسلم والتعايش والانفتاح والحوار.

وطرح عبد المنعم دلمي، مدير نشر جريدتي «الصباح» و«ليكونوميست» المغربيتين، في بداية كلمته سؤل: هل الإعلام الالكتروني خطر على الصحافة الورقية أم فرصة للتطور والانفتاح على آفاق جديدة من العمل الإعلامي، ليقول إن الصحافة الإلكترونية ليست خطراً، مشيراً إلى أهمية المعلوميات في خدمة الصحف، الشيء الذي أثر في عالم الصحافة، بعد أن ساهم إدخال الحاسوب والاستعانة بتكنولوجيا الاتصال في انتشار الصحف الورقية، معطياً النموذج والمثال بجريدة «الشرق الأوسط»، التي تصدر في لندن، وتوزع في جميع أنحاء العالم، وتنقل بالأقمار الصناعية إلى مواقع مختلفة من قارات العالم. كل هذا مكن الصحافة الورقية من الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة من خلال معالجة الأخبار ومراجعتها وصياغتها.

وعلى مستوى سؤال المنافسة بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية، ذكّر دلمي أن نفس السؤال سبق أن طرح بنفس الصيغة تقريبا، حين استعمل الراديو، ثم، لاحقا حين عرف الإنسان التلفزيون والسينما، من دون أن يؤدي كل ذلك إلى زوال الصحافة الورقية، وبالتالي سنكون مع نفس التسلسل المنطقي، ورغم أن الصحف الورقية غير مهددة بالانقراض فإن الواقع الجديد، يقول دلمي، صار يفرض على الصحف الورقية رفع مستوى جودتها.

وبعد أن تحدث دلمي عن صنفين من الصحف الإلكترونية: صنف مرتبط بالصحافة الورقية، وصنف يتصرف ويشتغل كما يشاء، رأى دلمي أن وسائل الإعلام الإلكترونية أحدثت عادات جديدة لدى القراء، منها عدم دفع ثمن للحصول على صحيفة، وهو ما جعلنا نعيش تجربة الصحف المجانية.

ومن جهته، انطلق جورج سمعان، رئيس تحرير «الحياة ـ إل بي سي»، من عنوان المحور المخصص للجلسة، قائلا: «عندما نقول جملة «مصير الصحافة الورقية أمام الإعلام الالكتروني: الهوة الرقمية القائمة بين الشمال والجنوب»، يتبادر إلى الذهن أن الوسيلة الاعلامية المكتوبة الى زوال، وان مصيرها محتوم، لذلك أقترح تعويض المصير بالتحدي الكبير أمام الصحافة المكتوبة في العولمة الاعلامية الرقمية.

وأبدى سمعان تفاؤله ازاء استمرار الصحافة المكتوبة ومقاومتها للهجمة الجديدة من وسائل الاتصال الحديثة، مستدركا بالقول إن «هذا التفاؤل لا ينبغي أن يكون دافعا لنا للاطمئنان والقعود منتظرين، بقدر ما يجب أن تشكل لنا الوسائل الحديثة حافزا على مواكبتها ومجاراتها والافادة منها والتكامل معها من اجل البقاء».

واستحضر سمعان بعض الأرقام والإحصاءات المتعلقة بنسبة مشاهدة الفضائيات والبث العالمي للصور، معترفا بأن للتلفزيون، وبعده الشبكة العنكبوتية والمدونات والهاتف الجوال جاذبية كبيرة، خصوصا في عالمنا العربي الذي تحتل فيه الأمية رقما عالميا مخجلا، وتحدث عن مفارقة تتمثل في أن «هذه الأمية هي إيجابية، للأسف، لأنها أكثر خطرا على وسائل الاعلام الحديثة منها على المطبوعات».

وتوقف سمعان عند نقطة أخرى أوجزها، في قوله إن الفضائيات تناقش الحدث لحظة وقوعه، لذلك تنذر التحليلات الجدية والمعمقة، وأنه إعلام استهلاكي، حيث الوقت يمر والمشاهدون أسرى الصورة، ويكون التفسير والتعليق، أحيانا، لمصلحة الاثارة، مع تراجع، إن لم نقل، غياب التقصي عن الحقائق من اكثر من مصدر، والتناغم مع الجمهور ورغباته مما يجعل هذا الاعلام مصدرا في كثير من الاحيان لمزيد من التجهيل، بدل ان يكون لمزيد من التعلم والمعرفة، وكذا الضعف في تأسيس تفكير أو تبصر في موضوع مرئي، فضلا عن أن الحدث يسابق الحدث ليظل الهدف شد المشاهد أو المتابع.

وانتهى سمعان إلى خلاصة مفادها أن وسائل الاتصال الحديثة، على تعددها ليست مثل المكتوب، بمعنى أنها لا تخدم الحقيقة التاريخية، إذا نظرنا الى المعدين والمبرمجين والمقدمين وأجندة رأس المال وضغوط المعلنين وغيرها. كما أن المشاهد او المتابع للوسائل الحديثة يعيش اللحظة مباشرة، لكن الصحافي الكاتب يرى الاشياء ويقدمها بصورة شاملة واكثر عمقا، من خلال البحث في اسباب الحدث او تداعياته، أي ان الحدث حاضرا هو امتداد لماضٍ واستشرافٌ لمستقبل، الشيء الذي يجعل الصحف وحدها، ربما الاكثر اتصافا بالدقة والسعي الى كشف الحقيقة، فيما الاذاعات تبقى وسيلة لنشر النبأ والموسيقى والأحاديث، أما التلفزيون فيسيطر عليه الترفيه والتسلية، فيما يبقى الانترنت وسيلة تفتح الطريق الى كم هائل من المعلومات بلا أي ضمانات الى نوعيتها وصدق مضمونها.

وطرح سمعان سؤال «ماذا نفعل؟»، ليعود إلى الإحصاءات وتجارب الآخرين، صناع الثورة المعلوماتية، وخصوصا «إحصائية باروميتر غرفة الأخبار» لعام 2008، والتي أجرتها مؤسسة «زغبي الدولية» لحساب وكالة «رويترز» و«المنتدى الدولي للمحررين»، والتي شملت 704 محررين صحافيين حول العالم، بينت أن محرري الصحف يبقون متفائلين في شأن مستقبل صحفهم، رغم التهديدات والمشاكل المحتملة.

وختم سمعان بالقول: «إننا يجب أن نخاف من التقنيات الحديثة اذا كانت لا تستند او تصدر عن مرجعية قيمية او ثقافية، لانها لا تكون عندها وسيلة انسانية واداة حوار وتلاقي، أي انها تتحول الى ادوات لفرض نموذج اقتصادي واجتماعي وثقافي واحد، يخدم ربما أولوية الاقتصادي على السياسي، ليظل الغرب قادراً على التسويق والتشويق باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المعرفة والتعبير».

والقى محمد عبد الرحمن برادة، رئيس اتحاد الموزعين العرب، والرئيس المدير العام للشركة العربية الأفريقية للتوزيع والنشر والصحافة «سابريس»، مداخلة بعنوان «الصحافة المكتوبة بين الأزمة والأمل»، حيث تحدث في البداية عن التحولات العامة التي عرفتها مختلف مجالات الاتصال والاعلام في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أنه إذا كانت هذه التطورات تندرج في اطار التغيرات التي يعيشها القطاع، فانها تتزامن، كذلك مع ازمة حقيقية، تتأكد من سنة إلى اخرى، وتهدد باشكال مختلفة مستقبل الصحافة المكتوبة عالميا.

ورأى برادة ان الوضع المقلق للصحافة المكتوبة ادى ببعضهم الى التساؤل ان كان هناك فعلا مستقبل للصحافة المكتوبة، بل ان اكثرهم تشاؤما ذهب به الهلع والارتباك الى ما كتب عن «بداية النهاية» للصحافة، حسب ما افرزته دراسات وتقارير ونشرات تبرز الحضور الكاسح للمنافسة المتعددة الاشكال التي تهدد مستقبل الصحافة.

واستشهد برادة بتصريح للاعلامي البريطاني روبرت ميردوخ حول العمر الافتراضي للصحافة المكتوبة، والذي لن يتجاوز الأربع عقود الاولى من القرن الجديد.

وتحدث برادة عن الصحف الفرنسية، كمثال لمظاهر الانتكاسة، حيث قررت العديد منها مراجعة هياكلها، قصد فتح نوافذ إضافية تجلب الدخل المادي الضروري لاستمرارها وإعادة استقطاب القراء الذين اكتشفوا أن اللجوء إلى الأخبار عبر الانترنت أفضل وأسهل من شراء الصحف، مشيرا إلى تجربة «ليبراسيون»، التي منحت أغلبية رأسمالها لرجل الاعمال روتشيلد كحل اولي لإنقاذها من الافلاس، و«لوموند»، رمز المصداقية والمهنية في عالم الصحافة العالمية، اصبحت مؤسسة عالمية على حافة الافلاس بديون متراكمة وصلت خلال السنة الماضية الى 150 مليون يورو.

ورأى برادة ان تدهور عمليات النشر والتوزيع سيؤدي بالصحافة الفرنسية المستقلة لان تقع تحت سيطرة مجموعة من الرأسماليين الذين يقيمون في ما بينهم تحالفات تشكل خطرا على التعددية وعلى الصحافة بمفهومها الحالي ورسالتها المعهودة.

ورأى برادة ان الظاهرة لا تقتصر على الصحافة الفرنسية، بل طالت حتى كبريات اليوميات الأميركية والصحف الألمانية الواسعة الانتشار، التي تراجعت مبيعاتها الى ما بين 5 و9 في المائة، أو قام بعضها بإلغاء وظائف توفيرا للنفقات. وهو واقع مقلق امتد الى المجلات، التي تعاني من تراجع مهول في حجم التوزيع. كما طالت الأزمة، يضيف برادة، وكالات الأنباء مثل «رويترز» التي أعلنت خفض عدد العاملين بها.

وبعد ان اشار الى ان العديد من المهتمين اتفقوا على بداية نهاية الصحافة المكتوبة منذ 2005، ذهب برادة الى القول ان هذا الوضع الذي قد يدعو الى التشاؤم والاحباط اصبح متجاوزا الى حد ما، بحيث تأكد الأمل في مؤتمري «سيول» و«فريتاون» للرابطة العالمية للصحف، حيث تمت الاشارة الى ان مبيعات وعائدات اعلانات الصحف تحسن بعد سنتين متتاليتين من التراجع.

وأكد برادة على انه من الذين يرفضون ان يفقدوا الامل في قدرة الصحف على مواجهة المنافسة حتى في ظل ثورة الانترنت ومصادر المعلومات الرقمية التي تتدفق على القارئ، ذلك أن التكامل بين الصحافة المكتوبة ووسائل الاتصال الجديدة هي أفضل طريقة لإبقاء الصحافة المكتوبة حية وتساير القارئ والمجتمع.

وعبر برادة عن اعتقاده بان الصحافة المكتوبة سوف تنجح في رفع التحدي القاتل ولو في صورته غير المسبوقة، وستعرف كيف تواجه المنافسة غير المتكافئة التي ستصبح عنصرا مكملا للعمل الصحافي ورافدا يقوي توجهه وتطوره.

وشدد برادة على أن ما يهدد الصحافة المكتوبة، كذلك هو تكلفة انتاجها في افق الزيادات المتتالية التي تهيمن على اسعار الورق وغيرها من المستلزمات المادية والتقنية.

ورأى برادة ان الصحافة المكتوبة مطالبة بالصمود والتأقلم مع العالم الجديد، والتركيز على متطلبات قارئ اليوم الذي لم يعد يتوفر على الوقت الكافي للوقوف عند المعاني والبحث عن مدلول التعبيرات المرموزة والمفردات المبهمة والجمل الطويلة والمتعبة، الشيء الذي يعني أن رغبات القارئ وذوقه ومستواه الثقافي والمادي وتطلعاته وتوجهاته، تفرض ان تكون الصحيفة بارعة في التعامل مع التغيير لترقى إلى مستوى العصر والمنافسة، ابتكارا واسلوبا وفكرا وكتابة وتصميما واخراجا وطباعة وتوزيعا.

وختم برادة بالقول ان الصحافة المكتوبة ستظل كما كانت، الشكل النبيل لوسائل الإعلام وأحد المنتوجات الاكثر استهلاكا واستعمالا بين كافة الفئات في كل مكان. وساهم عثمان ميرغني، نائب رئيس تحرير «الشرق الأوسط» في النقاش بعرض استعاد في بدايته ما قاله الكاتب الصحافي المغربي محمد العربي المساري، في الجلسة الافتتاحية، حين تحدث عن زواج المطبعة بالكومبيوتر، وهي العلاقة التي تمنى ميرغني أن تقوي الجودة وتسهم في خفض تكلفة الطباعة، ووجود المطبوعة في كل مكان.

وقال ميرغني إنه ليس من مناصري ثقافة الإقصاء، فالتلفزيون لا يلغي السينما من الوجود، وهذا الأخير لا يقضي على الراديو، معربا عن يقينه أن الصحافة الورقية ستظل موجودة على مدى سنين أخرى، لا يستطيع أحد منا أن يضبط عددها. ففي ظل ظروف وأوضاع الأمية في العالم العربي والتخلف في المجال الالكتروني، إلى أن تتغير تلك الأوضاع، ستبقى الصحافة الورقية، سواء تحول الورقي إلى الالكتروني أو تكامل الدور بين الإثنين، مشيرا إلى أن الصحف في غالبيتها تتكامل مع الانترنت، وبالتالي فلا خطر يتهددها في الوقت الحالي.

وتطرق ميرغني إلى ثلاثة تحديات تواجه الصحافة الإلكترونية، دون أن يعني ذلك الانتقاص من قيمتها، وهي تحديات المحتوى والعمق والمصداقية؛ وكلها قضايا لا يتاح للصحافة الإلكترونية أن تعالجها بسبب السرعة، عكس الصحافة المكتوبة.

وانتقل ميرغني إلى الحديث عن تجربة تعامل جريدة «الشرق الأوسط» مع التكنولوجيا المتطورة حيث كانت السباقة إلى استعمال تقنية الأقمار الاصطناعية، لبث طبعاتها، في البداية على أسطوانة يتجاوز عرضها المتر، ويستغرق إرسال كل صفحة ما بين 20 و30 دقيقة؛ وحينما حل الكومبيوتر تقلص وقت الإرسال إلى بضع ثوان، وتصل الصفحات في نفس الوقت إلى جميع مراكز الطبع.

وأشار ميرغني إلى مفارقة أن الصحافيين في «الشرق الأوسط » احتجوا في البداية على الضيف الجديد، لكنهم بعد أن اكتشفوا مزاياه، صاروا يحتجون على عدم كفاية أجهزة الكومبيوتر، موضحا أنه لا يعتبر نفسه من المتمسكين بالصحافة الورقية بل متمسك بالصحافة كيفما كانت، ما دامت صحافة الإنترنت بدورها تعتمد على المحتوى مثل منافستها الورقية، مع الإشارة إلى أن الأولى، وسعت دائرة الانتشار والتواصل، واصبحت أعداد من القراء تتفاعل معها من كل مكان.

وتوقع ميرغني، عمرا إضافيا للصحافة الورقية، حدده في عشر سنوات على الأقل، إذ لا خوف عليها خلال تلك الفترة الزمنية، مبرزا أن الصحافة الإلكترونية، ما زالت قاصرة في العالم العربي، ما يفرض على جريدة «الشرق الأوسط» تطوير موقعها ومواجهة التحديات في كل لحظة، على اعتبار أن مهنة الصحافة هي رديفة التطور، ما دام الصحافي ينهض بمهمة النقد وتطوير المجتمع. وعلى العموم يوضح ميرغني قائلا «نحن في بداية الثورة الإلكترونية، ولا ندري نهايتها»، معربا عن يقينه أن «الشرق الأوسط» قدمت الكثير من أجل مد الجسور مع القارئ العربي في كل مكان، كما أن الجريدة تختار صحافييها، استنادا إلى كفاءاتهم وليس إلى جنسياتهم وأوطانهم، ليختم بالقول إن المهم في العمل الصحافي، كيفما كانت وسيلته، هو الحفاظ على القيم.

وساهم محمد بن عيسى، أمين عام منتدى أصيلة، في النقاش بتعقيب وجيز، ملقيا الضوء على جانب من أسباب الهوة الرقمية التي تحول دون تجسير التعارف والتواصل، مشيرا إلى ان الأنظمة التربوية العربية لم توظف الكومبيوتر والوسائل الالكترونية التوظيف الصحيح، بل تستعمله في غير غاياته، مبرزا «اننا غالبا ما نتحدث عن عمق الهوة الرقمية بيننا وبين الغرب، وننسى هوة مماثلة، تفصلنا عن دول الجنوب مثل الهند والبرازيل والمكسيك»، وهي دول قال إنه يتحتم علينا الاستفادة من تجربتها، منبها إلى الخطأ الذي نقع فيه حين تقييمنا للصحافة الغربية، فهي خلافا لما هو رائج، تعتمد في تمويلها على الإعلان، وليس على حجم المبيعات، ملاحظا كذلك أن العالم العربي يفتقد التشريعات الدقيقة التي تقنن النشاط الإعلامي، معربا عن الاعتقاد أنه آن الأوان للتغلب على الهوة الرقمية في البلدان العربية، كون ذلك ممكنا، ما دام الوفر المالي موجودا.

وربط طارق الحميد، رئيس تحرير «الشرق الأوسط» تعقيبه بدعوة بن عيسى، وزراء التربية العرب، تطوير المعرفة بالأنظمة الرقمية، قائلا إن ذلك يتطلب أن تتضمن التشريعات العربية، قوانين حماية الملكية الفكرية، ملاحظا أن فضاء الانترنت، تسوده فوضى عارمة، ما يجعل القارئ حائرا حيال الصحف الالكترونية التي يجهل مرجعيتها، مضيفا أنه ما لم توضع تشريعات، فستعم الفوضى، التي تفقد التعددية قيمتها في ظل افتقاد المصداقية. وخلص إلى القول إن التعدي على حقوق الملكية الفكرية يقتل المواهب.

واثار بوزيان الداودي، الصحافي بجريدة «ليبراسيون» الفرنسية، مسألة المجانية في توزيع المعلومات عبر الانترنت ما يهدد، من وجهة نظره، جودة المعلومات والمضامين، مشيرا إلى أن العلاقة بين القارئ والصحافي المشتغل في الصحافة المكتوبة، هي علاقة عاطفية، على اعتبار أن ذلك الصنف من الصحافة يعتمد في تمويله على القارئ.

وأضاف بوزيان «أننا نتجه في المستقبل المنظور، نحو تسطيح المعلومات وقولبتها، فما نشاهده حاليا على الشاشة لا يمكن أن يقارن بما يكتب في الصحافة، معتقدا أن الصحف المجانية، يمكن أن تقضي على الصحافة التي تباع بمقابل، وهذا ما سينعكس حتما على وضعية الصحافي.

وقارن الصحافي توفيق بوعشرين، رئيس تحرير صحيفة «المساء» اليومية المغربية، بين النسخة الورقية والإلكترونية في المطبوعة التي يرأس تحريرها، حيث يتوفر التفاعل مع القراء بواسطة الوسيلة الأخيرة، من خلال إبداء ملاحظاتهم وتعقيباتهم على ما يروقهم وما لا يعجبهم في الجريدة، ما ينبه هيئة التحرير إلى قضايا يفترض أن تعالجها الجريدة، معطيا الأمثلة بمخالفات وقعت في المغرب، كشف عنها مراسلون مجهولون، زودوا الإعلام الالكتروني، بصور عنها. وتحدث بوعشرين عن مزية الإعلام الإلكتروني الأخرى المتمثلة في أن القراء أصبحوا بفضل البريد الإلكتروني، شركاء في تزويد الجريدة بمصادر الأخبار أي أنهم صحافيون من طراز آخر، داعيا في ختام تعقيبه إلى ربط جسور بين النمطين الصحافيين، دون نسيان أن عالم الإنترنت مفتوح دون حدود ما يجعل ردود فعل القراء تعكس في غالب الأحيان حالة المزاج العام.

وأبدى الاعلامي السعودي سلطان البازعي، ملاحظة على عنوان المحور الثاني في الندوة، مقترحا استبدال عبارة الصحافة الورقية بالمطبوعة، قائلا: «إننا أمام وسيط إلكتروني جديد، سيقضي حتما على الطباعة لأسباب بيئية واقتصادية، ويظل الاحتمال الأقرب والأكثر هو قبول الوسيط»، مشيرا إلى «أننا في حاجة إلى تغيير مفهوم المعلومة لدى الأجيال الصاعدة، وأعطى المثال على فعالية الوسيط الإلكتروني، بأحداث مدينة «ينبع» السعودية، حيث قام مواطنون بتغطية تلك الأحداث لحظة بلحظة من موقعها، قائلا إن أركان المعادلة التواصلية الثلاثية، قد تغيرت، فلم يعد هناك مرسل وقناة ومستقبل، بل أصبح الجميع مراسلين.

وتساءل الكاتب الصحافي السعودي، مشاري الذايدي، عن المقصود بالصحافة الإلكترونية، هل هي النسخة الورقية أم نقصد المدونات التي أصبحت فاعلا ومحركا للشارع. وخالف الذين يساورهم قلق من الهجمة الالكترونية، معتقدا أن تلك مخاوف لا مبرر لها، فالكتاب موجود مع إمكانية تنزيله على قرص مضغوط. وعدد الذايدي الأسباب التي تحمل على التفاؤل بخصوص الصحافة الورقية، موضحا أنها ستعود القارئ على المصداقية واستمرار عادة اقتناء المطبوعة، وصعوبة الانتقال إلى عادة جديدة، مشيرا إلى الاستثمارات الكبيرة التي توظف حاليا في الصحافة الورقية، أما المحتوى، فأصبح متبادلا بين النوعين.