واشنطن لم تمد يد العون لمشرف

محللون لا يتوقعون تغيرا كبيرا في العلاقات الأميركية ـ الباكستانية خصوصا في قضايا الإرهاب

TT

طوال سنوات لم يكن لدى الرئيس الباكستاني برويز مشرف حليفا أقوى من الرئيس الاميركي جورج بوش الذي قدر مساعدته في قتال تنظيم القاعدة خلال السنوات التي أعقبت وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ورغم ذلك، فمع تداعي المكانة السياسية لمشرف طوال الشهور السابقة، رفض البيت الأبيض مد يد العون له. ويقول أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية أن الإدارة الأميركية عمدت إلى البقاء جانباً مع شروع السياسيين الباكستانيين في مناقشة ما إذا كان ينبغي سحب الثقة من الرئيس، ولم تتخذ أي خطوة لدعمه. وعندما وصلت إلى مسامع المسؤولين الأميركيين شائعات حول أن مشرف يدرس حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ بالبلاد، أجرت السفارة الأميركية في إسلام أباد اتصالات مع كبار ضباط الجيش وأوضحت معارضة واشنطن هذا الإجراء. في الواقع، لا تبدي واشنطن حماساً كبيراً إزاء قدرات الحكومة المدنية الجديدة التي تولت السلطة في وقت سابق من هذا العام، بل إن المسؤولين الأميركيين أعربوا على الصعيد غير المعلن عن تشككهم حيال قدرة هذه الحكومة على التغلب على التحديات السياسية والاقتصادية التي تجابه البلاد. إلا أنه بعد سبع سنوات من الدعم القوي لمشرف، بما في ذلك تقديم مساعدات تجاوزت 10 مليارات دولار إلى باكستان منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، خلصت إدارة بوش في نهاية الأمر إلى أن وقت مشرف قد انتهى، وهو قرار يرى منتقدو الإدارة أنه جاء متأخراً للغاية. ويقول أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، إنه حتى لو حاولت الولايات المتحدة، فهي لن تستطيع انقاذ مشرف. فبعد تخليه عن زيه الرسمي العسكري وبمجرد إقرار الحكومة الجديدة، بدت علامات الضعف تظهر عليه يوماً بعد آخر. وجاء تحول موقف الإدارة الأميركية تجاه مشرف بطيئاً، فحتى في الخريف السابق عندما فرض مشرف حالة الطوارئ على البلاد، وقف بوش إلى جانب الرئيس الباكستاني وأشاد به باعتباره مقاتلا قويا في مواجهة المتطرفين والراديكاليين داخل المنطقة. ورغم الهزيمة المنكرة التي مُني بها حزب مشرف في الانتخابات التي أجريت هذا العام، أجرى بوش اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الباكستاني في مايو (أيار) أكد خلاله على تطلعه لاستمرار دور مشرف في تعزيز العلاقات الأميركية ـ الباكستانية. ويقول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية معني بالشؤون الباكستانية، إن هناك بعض الاشخاص متمسكون به، لكنهم لم يكونوا مرتبطين به، وإنما المسألة هي أن التعامل مع فرد واحد أسهل من الإبحار عبر السياسات المعقدة، والفوضوية في أغلب الأحيان، المرتبطة بالحكومات الائتلافية. من جهتها، تقول تيرسيتا شافر، السفيرة السابقة ومديرة برنامج جنوب آسيا داخل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ان الإدارة كانت بطيئة للغاية في خلق مسافة بينها وبين مشرف بسبب التقدير البالغ الذي يكنه بوش لشخص الرئيس الباكستاني وانعدام الثقة في منافسيه من السياسيين الباكستانيين. وتضيف: «لقد استمروا في النظر إليه كعامل من عوامل الاستقرار بباكستان لفترة طويلة تجاوزت ما يقتضيه المنطق السليم».

إلا أن بعض المسؤولين الأميركيين وخبراء آخرين يرون أن التوجه الذي انتهجته إدارة بوش أثمر عن انتقال أكثر سلاسة وأقل عنفاً للسلطة عما كان سيصبح عليه الحال إذا ما تخلى بوش عن مشرف على الفور. ويشير أنصار وجهة النظر تلك إلى أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومسؤولين آخرين حرصوا دوماً على أن يصاحب إعلانهم للتأييد لمشرف دعوات للإصلاح الديمقراطي في باكستان. ووصف دانييل ماكي، ممثل وزارة الخارجية السابق داخل مجلس العلاقات الخارجية، هذا التوجه بالمتوازن. وقال: «في بعض الأحيان بدا أن بوش بصورة خاصة متحالف بصورة وثيقة مع مشرف وأنه صم أذانه أمام صيحات الغضب العارم الصادرة عن الباكستانيين المدنيين، بينما في أوقات أخرى، كان من الواضح أن أعضاء إدارة بوش كانوا يقفون بثقلهم وراء حدوث انتقال سياسي لم يكن مشرف والفريق المعاون له ليقومون به لو لم يتعرضوا لضغوط». وأكد المسؤولون الأميركيون والخبراء بشؤون جنوب آسيا أنه مع تقديم مشرف استقالته أمس، بات من الضروري على الحكومة الديمقراطية الناشئة بالبلاد تحمل كامل العبء الخاص بإصلاح الأوضاع الاقتصادية وشن حملة أكثر فعالية لمكافحة الإرهاب. في هذا الصدد، يقول ريتشارد ارميتاج، النائب السابق لوزير الخارجية: «سنرى الآن ما إذا كان بإمكانهم تحويل اهتمامهم إلى الحكم وتناول المشكلات التي تواجههم. لقد ظلوا يستغلون قضية مشرف كذريعة لعدم الاضطلاع بأعباء الحكم».

ورغم الآمال التي راودت البعض داخل واشنطن حول إمكانية استمرار مشرف في منصبه، أعلن مسؤولو الإدارة الأميركية بالأمس أنهم كانوا يستعدون بصورة تدريجية لرحيله. ومنذ الانتخابات التي أجريت في فبراير (شباط)، عقد بوش اجتماعين مع رئيس الوزراء الباكستاني المنتخب حديثاً يوسف رضا جيلاني. وقال جوردون جوندرو، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض: «نحن على ثقة من أننا سنحتفظ بعلاقات طيبة مع الحكومة الباكستانية». وتقول زينيا دورماندي، الباحثة بجامعة هارفارد والمستشارة السابقة للرئيس بوش بخصوص الشؤون الباكستانية، إنه لن يطرأ تغيير كبير فور رحيل مشرف عن الرئاسة، خاصة على صعيد مكافحة الإرهاب.

وتضيف أنه على الصعيد العملي جرى التعامل مع جهود مكافحة المتطرفين داخل المناطق القبلية الواقعة على امتداد الحدود الأفغانية من قبل رئيس هيئة أركان الجيش، والذي انتهج سياسة تنوعت بين تنفيذ العمليات العسكرية ومحاولة إبرام اتفاقات سياسية مع زعماء القبائل. ويتوقع مايكل غرين، أحد كبار المعنيين بالشؤون الآسيوية داخل البيت الأبيض سابقاً والذي يعمل حالياً بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن واشنطن ستفتقد مشرف، وذلك لأنه كان باستطاعتها الاعتماد عليه في اتخاذ قرارات صعبة، الأمر الذي قد يصبح من الصعب الحصول عليه من خليفته. * خدمة واشنطن بوست ـ خاصة بـ«الشرق الاوسط»