كركوك: مخاوف من نفوذ الأمن الكردي «الأسايش.. رغم الإقرار بدوره ضد الإرهاب

لدى الجهاز أفضل المصادر الاستخباراتية لكن منتقديه يتهمونه بالخضوع لسيطرة حزبية

TT

عندما رن جرس الهاتف، رفع قائد الأمن في كركوك السماعة وقال: «مرحبا أنا نجاة». وقد كان ذلك القائد جالسا في مكتبه بهذه المدينة المنقسمة على نفسها. وكان على الطرف الآخر من قدم نفسه إليه على أنه مسؤول في الأمم المتحدة، يستفسر عما إذا كانت قوات البيشمركة الكردية قد تركت قواعدها في شمال العراق لتحتل كركوك أم لا.

لكن نجاة أكد لمسؤول الأمم المتحدة أن تلك الأنباء لا أساس لها من الصحة. وما إن وضع سماعة الهاتف أخذ يتحدث عن الحقيقة المؤلمة التي تحيط بكركوك، المتنوعة الأعراق، العائمة على بحر من النفط، التي يسيطر عليها الأكراد. ويقول نجاة: «هذا صحيح، ما هو الداعي إلى إحضار القوات؟».

وتعد مشكلة كركوك، المدينة التي يقطنها 900.000 شخص من الأكراد والتركمان والعرب والتي تدعي كل طائفة عرقية أنها مدينتها والأحق بالسيطرة عليها، أهم المشكلات التي تواجه العراق في الوقت الحالي، حيث يعد العنف المتفجر في المدينة أحد العوائق الرئيسة في إحداث استقرار في البنية السياسية في باقي الأقاليم العراقية. والسيطرة الكردية على المدينة يمكن رؤيته بوضوح في المدينة، فإلى جانب الحكومة المحلية وقيادة الشرطة، يسيطر الأكراد على جهاز «الأسايش»، الاستخبارات السرية التي تعمل مع القوات الأميركية والاستخبارات المركزية الأميركية. ودائما ما يكون ضباط «الأسايش» هم أول من يصل إلى موقع الهجوم أو العمليات. ويشير بعض الضباط الأكراد إلى أن لديهم أفضل عناصر الاستخبارات، ولا يقدم مسؤولو «الأسايش» تقاريرهم إلا لقادة الأحزاب السياسية الكردية كالحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني. وقد كانت سيطرة الأكراد على القوى الأمنية، وإمكانية تسخيرها في الأغراض السياسية، واضحة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، فتقول الفصائل المتناحرة إنه بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف متظاهرين أكرادا، اندلعت أعمال شغب أسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات، حيث قامت أعداد غفيرة من الأكراد بالهجوم على مقرات الأحزاب السياسية التركمانية وأضرمت النيران في مقراتها ثم فجرتها، وقد حاول حراس تلك المقرات الاشتباك مع المخربين، لكن المحصلة النهائية كانت كما يعتقد المسؤولون الأميركيون، أن أعداد القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال أعمال العنف كانت أكثر بكثير من ضحايا التفجير ذاته. وعلى الرغم من إعلان الشرطة إلقاء القبض على 13 تركمانيا من مقرات الأحزاب التركمانية واتهمتهم بإطلاق الرصاص على المواطنين الأكراد، حيث تم استجوابهم وكان من بينهم أحد الحراس الذي تم استجوابه من قبل «الأسايش» وقوات الشرطة في المستشفى بعد أن أصيب في أحداث الشغب التي قام بها الأكراد بينما لم يتم القبض على كردي واحد أو توجيه لائحة اتهام إلى أحد بإحراق المقرات التركمانية. وقد عرض أحد اشرطة الفيديو على التلفزيون الكردي يعترف فيه الجندي بأنه تلقى أوامر بإطلاق الرصاص. وقد وعد قادة الشرطة من الأكراد بفتح تحقيق حيادي حول التفجيرات وما تلاها من أعمال شغب تشترك فيه الطوائف العرقية الأخرى في المدينة، لكن اللواء تورهان عبد الرحمن يوسف أحد قادة التركمان في الشرطة، والذي وصف أن إذاعة شريط الحارس التركماني المصاب بأنه «غير قانوني» عبر عن خشيته من أن كون تلك التحقيقات مرد تحقيقات شكلية فيقول «لا أعتقد أننا سنحظى بنتائج هامة من هذا التحقيق».

ويشير محمد خليل أحد قادة العرب في المدينة إلى أن استحواذ الأكراد على السلطة في المدينة إذكاء نار غضب العرب والتركمان «فهناك الكثير من المخاوف على حياتهم، فقوات الأسايش تقول إنها ستستولي على كركوك بالقوة» ويقول السكان العرب أيضا أن الأسايش تمارس عمليات خطف ممنهجة وهو ما رفضه مسؤولوها.

ومن المعروف تاريخيا أن الكثير من العائلات الكردية أبعدت عن المدينة في عهد صدام حسين ليتم إحلال عائلات عربية محلها كجزء من خطة لإحكام قبضته السياسية على الموارد النفطية الكبيرة هناك، إلا انه في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003 قامت الميليشيات الكردية بعكس الوضع، وطرد العائلات العربية من المدينة وإحلال عائلات كردية محلهم، ويشكل العرب والتركمان حسب التقديرات الأميركية نسبة 40% من سكان المدينة.

يذكر أن الأكراد يحاولون ضم المدينة إلى إقليم كردستان ويحذرون أن أي محاولة لنزع سيطرتهم عن المدينة سوف تواجه برد عنيف. ويقول نجاد حسن أحد المسؤولين البارزين في الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك «إن أي محاولة من هذا النوع ستؤول إلى الفشل».

وفي أعقاب التفجيرات ثار جدل كبير حول دخول قوات أمن عراقية إلى المدينة في تحد مباشر لسلطات الأكراد هناك. والجدال الدائر في بغداد الآن يتمركز حول إرسال قوة أكبر إلى المدينة من وسط وجنوب العراق لإدارة الأمن بها ـ وهو ما يعني أن غالبية تلك القوات ستكون قوات عربية موالية للحكومة المركزية في بغداد لتكافئ القوات الكردية المسيطرة على المدينة ـ وهو ما رفضه الأكراد بشدة. ولم يكن الأكراد وحدهم الرافضين لنشر قوات عربية إلى المدينة بعد اندلاع أعمال العنف، فقد أعرب الكولونيل ديفيد باسكال قائد القوات الأميركية في المدينة عن خشيته من أن إرسال بغداد لمزيد من القوات إلى كركوك فسيرد قادة الأحزاب الكردية على ذلك بإرسال ميليشياتهم إلى المدينة، مما ينذر بمواجهة كارثية. ويقول «أتوقع أن يستمر هذا التصعيد المستمر»، ويلقي باسكال باللائمة على الأحزاب السياسية في إشعال الموقف الذي يخدم أهدافهم السياسية فقط، لكنه أضاف أن من الصعوبة بمكان فهم معنى عدم الثقة. فيضيف «المفاوضات تسير بالشكل التالي بين الجماعات العرقية. إن أعطيتني كل شيء فسوف أذهب. إنه لمن السيئ حقًا ألا ندرك مقدار الكراهية العرقية». وبرغم أعمال العنف، يشير باسكال إلى أن الهجمات في كركوك انخفضت إلى الثلث منذ الصيف الماضي، ويرجع الأكراد تحسن الأمن إلى «الأسايش». ويقول همين شفيق أحد رجال الشرطة عن «الأسايش»: «إنهم على صلة بالشعب وهم أكثر استجابة لمتطلبات الموقف، ومن ثم فهم أنشط من رجال الشرطة». ويقول رفعت عبد الله مسؤول فرع الاتحاد الوطني الكردستاني، إن «الأسايش» «لها الكثير من مصادرها ومن ثم فإن الأميركيين يعتمدون عليهم والشرطة تعتمد عليهم».

ويشير اللواء تورهان إلى أن المدينة كانت تشهد وجود العديد من ضباط «الأسايش»، قدرت أعدادهم بالآلاف رغم تصريحات المسؤولين الأكراد أنه لا وجود لأكثر من ألف عنصر ويقول «كان لهم دور هام في محاربة الإرهاب لكن المشكلة أنهم موالون للأحزاب السياسية».

وفي إحدى المقابلات رفض اللواء جمال طاهر مسؤول الشرطة المحلية الرد على سؤال حول ما إذا كانت لديه القدرة على السيطرة على نشاطات الأسايش، لكنه امتدح قدرتها على الاستفادة من المعلومات وقال «ربما لديها مصادر معلومات أفضل منا».

* خدمة «نيويورك تايمز»