قصص وأحزان في مسرح حريق مجلس الشورى في القاهرة

«الشرق الأوسط» رصدت ملامحها ومفارقاتها

TT

حريق مروع تتسارع ألسنته لتأكل كل شيء في المبنى التاريخي بوسط القاهرة.. ساعات ويعلن التلفزيون المصري احتراق مبنى مجلس الشورى بالكامل وانهياره.. رجال إطفاء في كل مكان.. السماء يملأها الدخان.. الركام والسخام يملأ المكان.. وفجأة يظهر رجل يلطم خديه.. احتفظ بمبلغ 20 ألف جنيه في درج مكتبه تحسبا لمهاجمة اللصوص له في الطريق إلى منزله فأكلتها النيران .. وآخر ترك سيارته في ساحة المجلس ولم يستطع العثور عليها.. وثالث كان يعمل رجل إطفاء بالعراق ترك منزله مسرعاً إلى موقع الحادث للمشاركة في إطفاء الحريق.

قصص ربما تكون أكثر مرارة من الحريق ذاته.. مشاعر حزن تعتمل في نفوس الناس الذين تجمعوا في ساحات ميدان التحرير أكبر ميادين العاصمة المصرية والقريب من موقع الحريق.. قصص ومواقف.. رصدتها «الشرق الأوسط».

صافي محمود سليمان ،52 عاما، مواطن مصري بسيط جاء إلى موقع الحريق حاملا معه زي إطفاء قديم، ليطلب من رجال الأمن السماح له بالدخول للمساهمة في جهود إطفاء الحريق، مؤكدا أنه عمل مجندا في قوات الإطفاء العراقية لفترة خلال وجوده هناك في الثمانينات من القرن الماضي.

وقال لـ «الشرق الأوسط»: «هذا المبنى يمثل جزءا مهما من تاريخ شعب مصر، وعلى كل من يملك الخبرة اللازمة المساعدة في إنقاذ هذا المبنى الذي كان شاهدا على أهم فترات تاريخ مصر المعاصر». ورغم أن رجال الأمن رفضوا طلب «صافي» ووجهوا له الشكر على مشاعره، إلا أنه أبى أن يغادر مكانه، وظل يتابع انهيار المبنى والدموع في عينيه.

شخص آخر وقف يتابع المشهد والدموع في عينيه، ولكن لسبب آخر، إنه أحمد دسوقي الموظف بإدارة حفظ المستندات بمجلس الشعب، الذي يقع مكتبه داخل المبنى المحترق، سبب بكائه أنه اقترض من البنك 20 ألف جنيه (نحو 3780 دولارا) ووضعها في درج مكتبه حتى يستخدمها في اليوم التالي ولا يضطر للمخاطرة بحملها ذهابا وإيابا من وإلى منزله، إلا أن الحريق سبقه ليقضي على آماله التي كان يضعها على هذا المبلغ. وظل دسوقي يتلفت حوله وهو زائغ العينين قائلا «مش عارف هاسدد المبلغ دا إزاي.. أنا مستقبلي ضاع».

كرم عبد الله أحد العاملين بمجلس الشورى جاء مسرعا من منزله رغم أنه في إجازة مرضية لإنقاذ سيارته المتوقفة في ساحة الانتظار الخاصة بمجلس الشورى منذ يومين، إلا أنه لم يستطع الدخول أو الاطمئنان عليها منذ الساعة السابعة من مساء أول من أمس وحتى ظهر أمس وانصرف بعد ان فقد الأمل في العثور عليها، بعد أن أخبره بعض رجال الأمن أن بعض السيارات المتوقفة داخل الساحة نقل إلى الشوارع الجانبية المحيطة بالبرلمان.

على الجانب الآخر، كان الغريب هو تجمع آلاف الأشخاص بدءا من ميدان التحرير، أكبر ميادين العاصمة المصرية، الذي يبعد عن مقر البرلمان نحو 200 متر، وحتى منتصف شارع قصر العيني الذي يقع به البرلمان، دون أدنى خوف من امتداد النيران للمباني الأخرى، رغم سقوط لافتة إعلانات كانت تعلو إحدى البنايات في شارع القصر العيني.

ورغم النداءات المتكررة عبر القنوات التلفزيونية المصرية المختلفة للمواطنين بتجنب الشوارع المحيطة بالبرلمان، إلا أن عددا كبيرا منهم توجه إلى المنطقة لمشاهدة الحريق، وتصويره بكاميرات الهواتف المحمولة، الأمر الذي أعاق دخول وخروج سيارات الإطفاء خاصة الكبيرة منها.

وينطبق قول المثل «مصائب قوم عند قوم فوائد» على باعة المياه الذين انتشروا بزجاجات المياه المعدنية والعصائر في الشوارع المحيطة بموقع الحريق، وباعوا كميات كبيرة بأسعار تزيد على سعرها الرسمي، مستغلين ارتفاع درجة حرارة الجو بشكل كبير بسبب الحريق وقلة الاكسجين الأمر الذي جعل البعض يشعر بأعراض الاختناق.