الجزائر: 12 قتيلا في هجوم مزدوج استهدف موقعا عسكريا وعمال شركة كندية

في رابع اعتداء خلال أسبوع .. و100 قتيل حصيلة ضحايا الشهر الحالي

عناصر أمن قرب حافلة تقل عمال شركة كندية دمرت بفعل الهجوم الإرهابي المزدوج بمدينة البويرة أمس (ا.ف.ب)
TT

قتل 12 شخصاً وجرح 42 آخرون في هجوم مزدوج بشرق العاصمة الجزائرية، وذلك بعد يوم على اعتداء مماثل وقع في منطقة يسر المجاورة وخلف 48 قتيلا. واستهدف هجوما أمس القطاع العملياتي العسكري وحافلة كانت تقل عمال شركة كندية تشتغل في بناء سد.

وقد وقع الاعتداءان في مدينة البويرة (100 كلم شرق العاصمة) في حدود السادسة من صباح أمس، وقال شهود التقتهم «الشرق الاوسط» بالمنطقة إن الفارق الزمني بين الأول والثاني بضع دقائق. وفوجئ السكان المجاورون لمستشفى المدينة بانفجار أول قوي، وقع في مكان تتوقف فيه مجموعة من عمال شركة كندية تسمى «أس أن سي لافالان»، لانتظار حافلة الشركة تتوجه بهم كل صباح إلى مشروع بناء سد بمنطقة أسردون التي تقع في مخرج ولاية البويرة. وقد اصطدم انتحاري مجهول الهوية كان داخل سيارة، في الحافلة فقتل كل من كانوا فيها. وذكرت مصادر أمنية محلية ان حصيلة التفجير 12 قتيلا تحولت أجسادهم إلى جثث متفحمة. وقال شاهد عيان على الاعتداء إن «الحافلة تركت محطمة تماما». وأضاف: «بجوارها كانت هناك برك دماء وساعات وملابس ممزقة وهاتف جوال».

ونقل القتلى والجرحى إلى مستشفى البويرة والمصالح الطبية بالولايات المجاورة، وانتقل وزير التضامن جمال ولد عباس إلى المنطقة وزار الجرحى وتعهد بالتكفل بترميم المساكن والمحلات التي تضررت من الانفجار. وعجزت مصادر أمنية بالبويرة، عن تفسير سبب استهداف عمال، فيما رجح متتبعون للشأن الأمني أن الجماعة الإرهابية التي دبرت للتفجير كانت تتوقع وجود موظفين كنديين في الحافلة. وكان كل الضحايا من أبناء المنطقة.

وعبر كهل كان يرتدي عباءة زرقاء عن غضب شديد مما سماه «غياب الأمن في البويرة»، ودخل في ملاسنة حادة مع قوات الأمن التي حاولت التهدئة من روعه. وقال أحد سكان المنطقة إن الشخص الثائر فقد ابنه البالغ من العمر 29 سنة في التفجير، حيث كان ضمن العمال القتلى.

وبالقرب من مكان التفجير، كان صاحب فندق يسمى «ابن سيناء» عاكفا على إزالة حطام أسقف بعض الغرف التي تطل على الشارع الرئيسي الذي وقعت به العملية الانتحارية. وقال لـ«الشرق الاوسط»: «غالبية الضحايا عمال الشركة الكندية، يعيلون عائلات تحتاج إلى الرواتب التي يأخذونها ولو أنها مؤقتة لأن الشركة تعاقدت معهم لفترة معينة تنتهي بنهاية إنجاز السد». أما التفجير الثاني، فقد دمر واجهة مبنى «القطاع العملياتي العسكري»، وخلف تسعة جرحى وألحق خسائر مادية كبيرة بمقر «الغرفة الفلاحية»، وبالمساكن المجاورة. وسارع الجيش دقائق بعد العملية إلى تغطية واجهة المبنى بغلاف كبير من البلاستيك، لمنع الفضوليين وخاصة الصحافيين من التقاط صور عن شكل البناية العسكرية بعد العملية. وقال شاب يدعى حليم، 32 عاما، ويقيم قرب الثكنة العسكرية ان مهاجما انتحاريا اندفع بسيارته مقتحما المبنى. وأضاف «الانفجار مزق جسد المهاجم الى اشلاء وتطايرت أجزاء من اطرافه على مسافة أمتار».

وتفيد مصادر مطلعة على نشاط الجماعات بالمنطقة، أن مجموعة جديدة من عناصر القاعدة استقرت في غابات البويرة، قادمة من الولاية المجاورة تيزي وزو. وقالت إن أجهزة الأمن تشك في أن قيادة تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي» أوفدتها إلى البويرة لتنفيذ عدة أعمال إرهابية، حتى تترك الانطباع أن نشاطها يتسع باستمرار من جهة، وللتخفيف من الضغط الذي تتعرض له من طرف الجيش في معاقلها الرئيسية، خاصة ببومرداس وتيزي وزو.

ويقول محللون إن التفجيرات الأخيرة تمثل تحولا تكتيكيا في اسلوب المتشددين الذين تخصصوا في نصب الكمائن في مناطق نائية. ونقلت وكالة «رويترز» عن المحلل الأمني منير بوجمعة قوله مفسراً الهجمات الأخيرة «إن مجموعة متشددة داخل الجماعة تتبنى الهجمات الانتحارية هي التي تتولى العمليات على الارض». وأضاف «ليس هناك حل سهل لوقف التفجيرات الانتحارية. السبيل الوحيد هو الاستمرار في محاصرة معاقل الارهابيين ومحاربتهم هناك. انه سباق مع الزمن».

وكان وزير الداخلية يزيد زرهوني جدد اول من أمس وجهة نظر الحكومة القائلة بأن الإرهابيين «وصلوا الى نفق مسدود» بسبب حصار قوات الامن لهم.

ويربط محللون بين أسلوب التفجيرات الانتحارية الذي بات المسلحون يستخدمونه في الجزائر، بما يحدث في العراق. وقال ديفيد هارتويل محرر شؤون الشرق الاوسط في نشرة «كانتري ريسك» التي تصدرها مؤسسة «جينز»: «هناك مخاوف من أن يكون من نفذوا التفجيرات متشددين تلقوا تدريبات مع مسلحين يقاتلون القوات الاميركية في العراق». وأضاف: «هذا مصدر قلق حقيقي في الجزائر، لكن الجماعة ينظر اليها باعتبارها قادمة من الخارج لتنفيذ هجمات في الجزائر. لا دلائل على انها تحظى بتأييد أكبر بين السكان».

ويعد اعتداء أمس الرابع من نوعه الذي تشهده المناطق الواقعة شرق العاصمة في ظرف أسبوع. فقد وقع الاعتداء الاول في جيجل (300 كلم شرق) وخلف مقتل قائد القطاع العملياتي برتبة عقيد، فيما خلف الاعتداء الثاني الذي وقع في سكيكدة (500 كلم شرق) مقتل 12 جنديا من بينهم ضابط برتبة رائد. أما الاعتداء الثالث، والذي كان الاعنف، فاستهدف شبانا كانوا يودون تسجيل انفسهم للالتحاق بمدرسة لتخريج ضباط الدرك في منطقة يسر (65 شرق العاصمة) وخلف 43 قتيلا.

وفسرت مصادر أمنية التركيز على ضرب القطاعات العملياتية، بكونه الجهة المسؤولة في الجيش على كل العمليات العسكرية وحملات التمشيط التي وجهت ضد معاقل تنظيم القاعدة الرئيسية شرق البلاد. وحسب حصيلة غير رسمية، بلغت حصيلة قتلى الاعمال الارهابية في شهر أغسطس (آب) الجاري نحو 100 قتيل.