حسن الشهال: وافق «تيار المستقبل» فوقعنا الوثيقة.. وعندما تراجعوا جمّدناها

أحد الموقعين على وثيقة التفاهم مع حزب الله أكد وجود ضغوط قوية عليهم

TT

يعترف السلفيون الذين وقعوا وثيقة تفاهم مع حزب الله صباح الإثنين الماضي، بأنهم تعرضوا لضغوط وصفوها بأنها «هائلة ولا مثيل لها» ومن أطراف مختلفة، اضطرتهم لتجميدها. وعقد اجتماع في طرابلس ضم سلفيين من مختلف مناطق الشمال اللبناني يمثلون التوجهات المتباينة يوم أول من أمس، وخرج على الأثر الدكتور حسن الشهال الذي وقع الاتفاق مع حزب الله عن السلفيين مع الشيخ داعي الإسلام الشهال، أبرز المعارضين له، ليتم الإعلان عن «وقف العمل بالوثيقة لدراستها مع أهل العلم والدراية من أبناء الدعوة السلفية». وفي المقابل «تتوقف فوراً الحملات والسجالات الإعلامية كلّها بين أصحاب الوثيقة ومخالفيهم لجمع الصفّ ولمّ الشمل للطائفة السنية عامة».

لكن التململ كان لا يزال مستمراً يوم أمس في الأوساط السلفية. واعتبر الشيخ صفوان الزعبي (صاحب مبادرة الحوار مع حزب الله) في اتصال مع «الشرق الاوسط» أن هذا «التجميد هو مجرد كلام سياسي» وأن الاتصالات مستمرة مع حزب الله. ورأى «ان المقصود من هذه الوثيقة قد حقق غايته، فالحوار مع حزب الله لم يعد من المحرمات. وهذا أمر قد أصبح وراءنا. أما الإنجاز الثاني فهو أن أحداً لم يعد يستطيع ان يستخدم السلفيين فزّاعة، فهذه ذريعة سقطت، وليبحثوا عن غيرها».

وتتحدث الأوساط السلفية عن خلافات برزت بين الموافقين والمعارضين للاتفاق تهدد بفتنة سنية ـ سنية. وعن هذا الموضوع، قال الشيخ حسن الشهال الذي وقع الوثيقة: «كان الهدف هو درء الفتنة السنية ـ الشيعية، فوجدنا انه من باب اولى ان لا نقع في فتنة سنية ـ سنية، وعلى الأصح سلفية ـ سلفية. وكنا نظن ان الاعتراض سيتم بشكل آخر، وهذا ما لا مانع منه. لكن وتيرة الاعتراض ارتفعت بشكل لم نكن نتمناه». وعن طبيعة هذه الضغوط يقول الشهال: «من أهم الضغوط هو تراجع تيار المستقبل. فقد أشرت في كلمتي أثناء توقيع الوثيقة ان هذا الأمر يتم بموافقة تيار المستقبل. ولو لم يوافقوا لما اقدمنا على هذا الأمر. نحن لم نذهب لنشرب القهوة عند النائب سمير الجسر، بل لنستنير برأيه. والإعلام شاهد لأن النائب الجسر تحدث أمام الكاميرات التلفزيونية عن موافقته. وقد قال له أحد الإعلاميين لماذا هذا الحوار الذي لا ينفع وكنا قد جربناه؟ فأجاب النائب الجسر: إذا مدّ أحد يده لك لا تستطيع ان لا تمد يدك. وأنا على استعداد لأن أقسم اليمين على أنه قال ذلك». وكان النائب الجسر قد اصدر بياناً في وقت سابق نفى فيه أن يكون اي تنسيق قد حصل بهذا الشأن بين «تيار المستقبل» والسلفيين، وانه وضع في اجواء الاتفاق من دون أن يملك موافقة أو رفضاً. لكن حسن الشهال لا يزال يصرّ على ان التنسيق حصل. ويقول: «أعتقد انهم في التيار ليسوا على رأي واحد. وهناك تباين في المواقف. هذا هو تفسيري لموافقتهم ثم تراجعهم على هذا النحو. فعندما وافقوا ذهبنا، وعندما تراجعوا جمّدنا الوثيقة». ويضيف: «الضغط الكبير الثاني الذي تعرضنا له هو اعتراض سلفيين على الأمر، وخاصة ان أحد المعترضين هو ابن عمي. وكاد الخلاف أن يصير شهالياً ـ شهالياً» (في إشارة إلى داعي الإسلام الشهال).

وعما دار في الاجتماع الذي ضم الهيئات السلفية أول من أمس، أفاد حسن الشهال: «كانت الأجواء واضحة من تصريحات الشيخ داعي الإسلام الشهال، فهو لم يعترض على اي بند من بنود الوثيقة. وقال انه مع الحوار. واعترف بأن بينه وبين ممثل حزب الله في الشمال اتصالات. أوليس هذا كافياً لنفهم ان الاعتراض ليس على الجوهر؟».

وعن مستقبل الوثيقة التي تم تجميدها، يقول حسن الشهال: «أحلناها إلى لجنة علمية وردها سيكون ايجابياً، فلا أحد يستطيع ان يرفض الصلح والحوار. وبعد الدراسة سنعرضها على مجلس موسع. وأهل العلم لهم الكلمة الأولى». وتتحدث أوساط إسلامية طرابلسية عن نزاعات بين السلفيين أنفسهم على تزعّم المشهد السلفي ساهمت في صبّ الزيت على النار. فبينما قامت جمعية وقف التراث بالمبادرة وحيدة، وحاورت حزب الله منفردة، ولم يشارك حسن الشهال في اللقاءات، حرمت الجمعية من أن تتزعم الوفد الموقع بحجة انها صغيرة ولا تمثيل لها. وأصرّ حسن الشهال على ان يذهب الوفد بزعامته. وبقيت الجمعية في خلفية الصورة التي التقطت للقبل المتبادلة بين السلفيين وحزب الله. وتقول هذه الأوساط ان الشيخ داعي الإسلام الشهال ليس بعيداً عن الحوار مع حزب الله باعترافه أمام الإعلام. لكن التنافس بينه وبين ابن عمه وزوج شقيقته حسن الشهال بات كبيراً. وقد لا يكون اعتراض الشيخ داعي الإسلام على المبدأ بقدر اعتراضه على الشكل ان لا يكون في المقدمة. وتقول هذه الأوساط أيضاً، ان من يتكلم بوجه مكشوف عن خارطة الخلافات السلفية اليوم، لا بد ان يكون انتحارياً، لأن أجواء السلفيين تشهد غلياناً شديداً تتحمل مسؤوليته القوى السياسية التي تتجاذب هذه الأطراف. ويعلق أحد السلفيين الممتعضين من هذا المناخ التمزقي فيقول: «إن كانت الجمعيات التي وقعت الاتفاق مع حزب الله صغيرة ولا قيمة لها، فلماذا لم يتجاهلوها، وينتهي الأمر؟».

مستشار جمعية وقف التراث الشيخ عبد الغفار الزعبي، الذي تلا البيان أثناء توقيع الوثيقة، قال لـ«الشرق الأوسط»: «أنا شخصياً ما كنت لأوقع من دون دراسة معمقة، لو ترك لي الأمر. لكن متى وقعت، لو أعطوني مال الدنيا لا أتراجع. وأوضحنا للمعترضين الذين خشوا ان يستثمر حزب الله الوثيقة سياسياً، بأنهم لو استثمروها بالفعل سنجمد العمل بها ولن نقبل بذلك. لكن الشيعة ليس لهم مقعد نيابي في طرابلس، هذا إذا كانت الحسابات انتخابية». ويضيف: «في اي حال، تعليق الوثيقة هو تعليق إعلامي. والحوار لا يستطيع ان يمنعه أحد في بلد تتداخل فيه الطوائف ديموغرافياً. حتى في عزّ الحرب الأهلية كان المسيحيون يهربون إلى المناطق الإسلامية والعكس كان يحدث أيضاً، فيما كانوا يذبحون بعضهم بعضا على الحواجز».

وكان حزب الله قد أصدر بياناً أمس تعليقاً على تجميد الوثيقة جاء فيه: «أظهرت المواقف المؤيدة لتفاهم حزب الله وقوى سلفية في لبنان أهمية هذا التفاهم بشكله ومضمونه ومدى تأثيره في تعزيز التعاون والحوار بين القوى الإسلامية المختلفة بما يساهم في الوحدة الإسلامية والوطنية في مواجهة التحديات. وفي المقابل، استمعنا إلى التعليقات الحادة والمتوترة التي صدرت عن بعض القوى والقيادات الرافضة لهذا التفاهم الذي لا يناقش في مضمونه الإسلامي والوحدوي أي مسلم وشريف». وختم البيان: «إن حزب الله يقدر عاليا شجاعة الأخ الشيخ الدكتور حسن الشهال ومجموعة الإخوة والقوى السلفية الذين شاركوا في انجاز وثيقة التفاهم والإعلان عنها. ويتفهم الظروف والضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها. ويحترم خيارهم في تعليق العمل بالوثيقة أو إجراء المزيد من التشاور والتأمل والمراجعة، وسيجدون حزب الله معهم وإلى جانبهم في أي خيار يرونه مناسبا».