واشنطن: قلة أعداد المترجمين تهدد بأزمة قانونية في غوانتانامو

المترجمون قدموا أدوارا حيوية في بناء الثقة بين المحامين والمعتقلين المتشككين

TT

أعرب المحامون الممثلون للعديد من معتقلي غوانتانامو البالغ عددهم 265 معتقلا عن عميق قلقهم بأنهم بصدد مواجهة أزمة قانونية لم تكن في الحسبان، والتي من شأنها تعطيل جلسات استماع المحاكمات الفيدرالية: ألا وهي قلة أعداد المترجمين.

وبعد حكم المحكمة العليا بأن المشتبه بهم بالإرهاب المحتجزين بمعتقل غوانتانامو لديهم الحق في السعي لتبرئة أنفسهم وإطلاق سراحهم أمام المحاكم الفيدرالية، بدأ المحامون في إعداد العدة لسيل من القضايا يتوقعون أن يقوم المعتقلين بتوكيلهم فيها للدفاع عنهم. وأوضح المحامون أنهم يحاولون الاندفاع من أجل مقابلة موكليهم في القضايا التي من الممكن أن يرغب القضاة في الاستماع إليها بصورة سريعة. وتقول مارثا راينر المحامية التي تمثل اثنين من المعتقلين والأستاذة المساعدة للقانون بجامعة فوردهام في نيويورك: «إن قلة المترجمين تمثل مشكلة، وهذا يرجع إلى الصعوبة الفعلية للوصول إلى غوانتانامو ومقابلة أحد الموكلين، فبدون مترجم لا يمكن للاجتماع أن يتم على الإطلاق». إن هذه القضية تبعث عميق القلق بالنسبة للمحامين الذين اصطدموا بوزارة العدل أخيرًا بعدما ألغى الأمن العديد من تصاريح الدخول الخاصة بالمترجمين دون أي أسباب معلنة. وخوفًا من تعاظم تلك المشكلة، لجأ المحامون إلى قاضي المقاطعة روياس لامبيرث الذي حث بدوره مسؤولي وزارة العدل لمعالجة مشكلة التصاريح الأمنية على قدر من العجلة. ونظرًا إلى قيام عشرات المترجمين ـ الذين يتحدثون العديد من اللغات بدءًا من العربية وحتى الروسية، والعاملين لدى أكثر من 400 محامي ـ بأداء عمل بالغ الحساسية بالنسبة للمحامين في السنوات الأخيرة، حيث لم يقوموا فقط بترجمة الأحاديث بل الأمور الثقافية أيضًا، يشدد محامو السجناء على أن هؤلاء المترجمين يعملون أدوارًا حيوية للغاية في مساعدتهم على بناء الثقة بينهم وبين المعتقلين المتشككين. ويقوم المحامون بتعيين المترجمين الذين يتعين عليهم أن يكونوا من المواطنين وأن يجتازوا امتحانا صعبا ودقيقا للغاية بشأن الخلفيات الثقافية التي لديهم. وحسبما أفاد أحد الخبراء، فإن المتعاقدين بالحكومة والجيش قاموا بالتعاقد سريعًا مع العديد من المترجمين، الأمر الذي أدى إلى انكماش أعداد المترجمين الموهوبين المتاحين من أجل أن يتعاقد معهم المحامون. ويؤكد المترجمون والمحامون أن المترجم قد يتقاضى أجرا يوميا يزيد على 1400 دولار، وهو ما يزيد ثلاثة أضعاف ما قد يتقاضاه للقيام بعمل مماثل داخل الولايات المتحدة. ويشير العديد من المترجمين إلى أنه تم حجزهم حتى منتصف نوفمبر. ولمعالجة تلك الأزمة، أوضح المحامون أنهم طالبوا الحكومة بزيادة عدد الساعات والأيام المسموح لهم فيها بالحديث ومقابلة موكليهم بغوانتانامو من أجل زيادة حد الاستفادة من المترجمين. وفي الوقت الراهن، قد يتم السماح للمحامين بزيارة موكليهم لساعتين أو ثلاث يوميًا. ويحاول بعض المحامين الضغط على الجيش للسماح لهم بإجراء محادثات تليفونية أو إجراء مقابلات الفيديو كونفرانس مع موكليهم داخل المعتقل، الخطوة التي يشير المحامون إلى أنها ستحد من متطلبات استخراج التصاريح الأمنية للمترجمين العاملين معهم وذلك نظرًا إلى أنهم لن يكونوا بحاجة إلى زيارة المعتقل عالي الإجراءات الأمنية. وتقول شايانا كاديدال، المحامية بمركز الحقوق الدستورية، والتي تبذل قدر من الجهود الحثيثة للمطالبة بحقوق المعتقلين القانونية: «إذا ما تمكنا من جعلهم يغيرون القوانين، وعدد الساعات (التي تتم مقابلة المعتقلين فيها)، فستكون المشكلة أقل بكثير».

على صعيد آخر، أكد ضابط البحرية جيفري غوردون ـ الناطق باسم وزارة العدل، أن الوزارة ليس لديها أي خطط يمكن على أساسها تغيير عدد الساعات أو المتطلبات الأمنية. وتابع، أن الحكومة تعمل على قدر من السرعة للسماح بالمترجمين بمباشرة أعمالهم داخل المعتقل، وأن تلك القيود المفروضة على من يمكنه التحدث مباشرة مع هؤلاء المعتقلين تعتبر «ضرورية للغاية لحماية الأمن القومي».

يُذكر أنه عندما تم السماح للمحامين في المرة الأولى بزيارة المعتقلين في عام 2004، قاموا آنذاك بالبحث بصورة مكثفة على مترجمين يتحدثون لغات مثل الباشتو، والفارسية، والعربية، واليوغور وهي اللغات التي يتحدث بها المعتقلون داخل المعتقل. وبعد الحصول على المترجمين من الجماعات التجارية، والمنظمات الثقافية، والجامعات، وبعض المحامين الآخرين، قام المحامون بتعيينهم لديهم لمساعدتهم في أداء أعمالهم، وهي المجموعة التي لم تتغير إلى حد كبير منذ أن بدأ المحامون في مباشرة زياراتهم إلى المعتقل عام 2004. ويقوم المترجمون الذين يعيشون في أرجاء الولايات المتحدة بالسفر جيئة وذهابًا إلى معتقل غوانتانامو، ويتقاضون أجورهم على أيام السفر تلك. وفي الفترة الأخيرة، أوضح المحامون أنهم يخشون تجريب مجموعة أخرى من المترجمين من خارج تلك المجموعة المختصة وذلك بسبب أن مخاطر ردود الفعل من الزيارات الأولى تعتبر مرتفعة للغاية. هذا، ويمثل المحامون ما في مجموعه 210 سجناء من جملة 265 ـ من أكثر من 30 دولة ـ ويقوم هؤلاء المحامون برفع قضايا أمام المحاكم الفيدرالية للاعتراض على اعتقالهم. أما الباقون فلم يقوموا برفع قضايا أمام تلك المحاكم للاعتراض على سجنهم. ويقول المترجمون عن الفترات التي يقضونها بصحبة المحامين والمعتقلين، أنهم يضطرون إلى الارتجال بصورة أكثر تكرارية مما يفعلون داخل قاعات المحكمة، أو اللقاءات التجارية التي يحضرونها داخل الولايات المتحدة. كما يؤكدون أنهم يغيرون في بعض الأحيان ما يقوله المحامين حتى لا يؤذون مشاعر وأحاسيس المعتقلين. ويقول أحد المترجمين إلى العربية والذين طالب بعدم الكشف عن اسمه لأن المحامي الذي يعمل لديه لم يفوضه بالإدلاء بأحاديث صحافية: "قد يكون غوانتانامو ليس كأي مكان آخر، فقد يحتاج المترجم تغيير ما يتم قوله بفارق ضئيل للغاية، إن الخلفية الثقافية والإسلامية تعتبران مهمتان للغاية في غوانتانامو. فأحيانًا ما يقول المحامي غير صحيحة سياسيًا، حينها تقوم برفع حاجبيك لمحاولة لفت انتباهه أو جعله يعيد صياغتها.. أو أن تجعل الأمور تمضي ثم تخبر المحامي بعد ذلك بما لا يجب أن يتم قوله»، وقد أصبحت ماحفيش رخسانا خان 29 عامًا من سان دييجو والطالبة بكلية القانون مترجمة بعد أن زارت معتقل غوانتانامو بصفتها طالبة قانون تساعد محامو المعتقلين، بالإضافة إلى أنها تتحدث لغة الباشتو بطلاقة. وقد زارت خان المعتقل أسبوعيًا لمدة عام كامل، للترجمة لمن يتحدثون تلك اللغة هناك. وفي هذا الصدد تقول خان "إن عدد المترجمين محدود للغاية." وتقول خان أنها تقضي الكثير من وقتها داخل المعتقل في محاولة تجاوز الاختلافات الثقافية، وأن تكون بمثابة حاجز بين المحامين المتطوعين، والكثير منهم من شركات القانون، وبين المعتقلين. فأحيانًا ما يسأل المحامون المعتقلين عن زوجاتهم وبناتهم، وهو سياق الحديث الذي قد يجعل المعتقل غير مرتاحًا في الحديث. وتقول خان أنه من الجيد أن يعرف المحامون كل المعلومات الممكنة عن موكليهم، إلا أن المعتقلين لا يفضلون الحديث عندما يتعلق الأمر بزوجاتهم أو أعضاء أسرهم، وتضيف أنها تصادقت مع الكثير من المعتقلين داخل المعتقل وكانت تجلب لهم الأطعمة وتفرجهم على لقطات الفيديو التي أخذتها مع أسرتها في أفغانستان، مما جعلهم يثقون فيها إلى حد كبير. أما المترجمة جوليا كاربسكي ـ وهي مترجمة روسية تعيش في ماكلين ـ فقد عملت مع ثلاثة نزلاء بالمعتقل، وفي هذا الصدد أوضحت أن عملها يقتضي أن تتأكد أن المحامين يتواصلون مع المعتقلين بطريقة يمكن أن يفهموها. فالكثير منهم محدودو التعليم ولا يعلمون الكثير عن النظام القانوني بالولايات المتحدة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»)