ملك المغرب يطلق مبادرة لتعميم وإلزامية التعليم ويشدد على إصلاح وتحديث الزراعة

دعا إلى الإسراع باعتماد قانون حماية المستهلك .. وقال إن حرية السوق لا تعني الفوضى والنهب

العاهل المغربي الملك محمد السادس يلقي الليلة قبل الماضية خطابه الموجه الى الامة بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب (تصوير: لين ماب)
TT

جدد العاهل المغربي الملك محمد السادس تأكيده على ان التعليم يوجد في صدارة الاصلاحات التي يوليها فائق عنايته، وقال انه ارتأى ان يطلق عملية وطنية، تروم إعطاء دفعة قوية لتعميم وإلزامية التعليم الأساسي، ضمانا لتكافؤ الفرص، ومحاربة للانقطاع عن الدراسة، ويتمثل ذلك في منح الكتب والأدوات المدرسية، لمليون طفل محتاج، مشيرا الى ان الغاية من ذلك هي دعم الأسر المعوزة، في مواجهتها لتكاليف الدخول المدرسي المقبل.

وكشف العاهل المغربي في خطاب وجهه الليلة قبل الماضية إلى الأمة بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لثورة الملك والشعب، ان تمويل هذه العملية سيعتمد أساسا، على الاعتمادات المرصودة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فضلا عن مساهمات السلطات والمؤسسات المعنية، والبلديات والهيئات، والجمعيات ذات المصداقية.

وقال ملك المغرب، انه «تأكيدا لعزمنا القوي، على حسن إنجاز البرنامج الاستعجالي لإصلاح النظام التربوي، ندعو الحكومة لإعداد برنامج مضبوط، لإسكان نساء ورجال التعليم، العاملين بالعالم القروي، واعتماد مختلف أنواع الشراكة والتعاقد لإنجازه».

واضاف الملك محمد السادس: «إننا لنتوخى من ذلك، تمكين أسرة التعليم بالبادية، وخاصة بالمناطق النائية، من ظروف العمل والاستقرار وتحفيزها على القيام بواجبها التربوي».

وشدد العاهل المغربي، من ناحية اخرى، حرصه «على التفعيل الأمثل، لإصلاح وتحديث الفلاحة، وتأهيلها للإنتاجية والتنافسية». ولهذه الغاية، قال العاهل المغربي، إنه يتعين إعطاء رؤية واضحة، لتحفيز وإنجاز الاستثمارات المنتجة. ومن هذا المنطلق، وجه الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، قصد تمديد العمل، بالنظام الجبائي الفلاحي الحالي، إلى نهاية سنة 2013 .

وتوخيا للعدالة الجبائية والتضامن، دعا ملك المغرب الجهاز التنفيذي، لبلورة تصور متناسق، لنظام ضريبي ملائم ومتدرج، للقطاع الزراعي، يتم اعتماده والعمل به، ابتداء من القانون المالي (موازنة) لسنة 2014. وقال العاهل المغربي ان النظام الجبائي الفلاحي المنشود، ينبغي أن يراعي الأوضاع الاجتماعية الهشة للفلاحين الصغار، وضرورة التضامن معهم، وذلك بمواصلة دعم الزراعات التقليدية البسيطة، والمعيشية المحدودة.

واستكمالا لمقومات الدعم الاجتماعي، حث العاهل المغربي الحكومة على تفعيل الآليات التشريعية والمؤسسية، الهادفة لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وضبط الأسعار، ومحاربة الرشوة. ولهذه الغاية، دعا الملك محمد السادس، الجهازين التنفيذي والتشريعي، إلى الإسراع باعتماد مدونة (قانون) حماية المستهلك.

وأضاف ملك المغرب، انه بموازاة ذلك، يتعين التطبيق الحازم، لقانون حرية الأسعار والمنافسة، بما في ذلك تفعيل مجلس المنافسة، ضماناً للحكامة الاقتصادية الجيدة.

وفي سياق تخليق الحياة العامة، قال العاهل المغربي انه ينبغي تنصيب الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، مشيرا الى ان المواطن قد يتفهم أن غلاء المعيشة، رهين بارتفاع الأسعار، في السوق العالمية، لكنه لا يقبل أن يكون فريسة لجشع المضاربين، وشبكة الوسطاء، أو ضحية لعدم قيام السلطات المسؤولة، بواجبها كاملا، في الضبط والمراقبة والزجر.

فحرية السوق، يقول العاهل المغربي، لا تعني الفوضى والنهب، لذا يتعين على الجميع، التحلي باليقظة والحزم، للضرب بقوة القانون، وسلطة القضاء المستقل، وآليات المراقبة والمحاسبة، على أيدي المتلاعبين والمفسدين، لاسيما عندما يتعلق الأمر بقوت الشعب، والمضاربات في الأسعار، واستغلال اقتصاد الريع، والامتيازات الزبونية، أو نهب المال العام، بالاختلاس والارتشاء، واستغلال النفوذ والغش الضريبي.

وخاطب ملك المغرب شعبه قائلا: «مهما كانت نجاعة تدبير الإكراهات (الضغوطات) الظرفية، فإنه لا ينبغي اعتبارها بديلا عن مضاعفة الجهود، لتفعيل السياسات العمومية، والمبادرات الخاصة، والأعمال الجمعوية، الهادفة للنهوض بالأوضاع الاجتماعية». واضاف «إن توجهاتنا الكبرى، وبرامجنا التنموية، تتوخى تعبئة الجميع، للانخراط القوي في ابتكار وإنجاز البرامج الهادفة لتحسين المعيش اليومي للمواطن، وخلق الثروات، المدرة لفرص العمل لشبابنا». كما أنها «تسائل كافة القوى المنتجة، وفي مقدمتها، القطاع البنكي، فقد أصبح من الضروري الانكباب على بلورة آليات متطورة، من شأنها تحفيزه على تجسيد انخراطه، بصورة أكثر نجاعة، في المجهود الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية».

وقال العاهل المغربي ان شغله الشاغل سيظل هو «تأهيل شبابنا الطموح والواعد، للإسهام، بقيادتنا الحازمة، في إنجاز نمو قوي للاقتصاد، وتنمية متوازنة للمجتمع، لا مجال فيها للإقصاء والتهميش، وتحقيق طموحنا لتوفير أسباب العيش الحر الكريم لكل مواطنينا، ضمن مغرب الوحدة والتقدم، والتنمية والتضامن»، مشيراً إلى أن في ذلك خير وفاء للأرواح الطاهرة لقادة وشهداء ثورة 20 اغسطس، وفي طليعتهم، جده الملك محمد الخامس ووالده الملك الحسن الثاني. وقال العاهل المغربي: «لقد جسدت هذه الثورة، نموذجا لا مثيل له، لتلاحم ملك بشعبه وتعلق شعب بملكه، في كفاح مشترك، من أجل الحرية والكرامة. وبلغت الملحمة أوجها، عندما آثر جدنا جلالة الملك محمد الخامس، المنفى السحيق عن الوطن، والإبعاد عن العرش رافضا، بكل صمود وثبات على المبدأ، التفريط في سيادة الأمة، أو المساومة فيها».

واضاف العاهل المغربي مخاطبا شعبه: «لقد عاهدناك، منذ تحملنا أمانة قيادتك، على جعل ملحمة 20 اغسطس، ثورة متجددة للملك والشعب، لتحقيق ما نتوخاه لكل المغاربة، من مقومات المواطنة الكاملة، والعيش الكريم، عمادنا في ذلك، التلاحم الراسخ بين العرش والشعب، واستلهام ما تجسده من قيم التضحية والتضامن».

وقال ملك المغرب أيضاً: «ما أحوج أجيالنا الصاعدة، لترسيخ تشبعها بهذه القيم، للانخراط القوي، بإرادتها ومؤهلاتها وطموحها، في رفع التحديات الداخلية والخارجية، لمغرب اليوم والغد».

واوضح العاهل المغربي ان خطابه هذه السنة يأتي «في ظرفية اقتصادية دولية لا مسبوقة، ويتزامن مع فترة مطبوعة بتحمل الأسر المعوزة لمصاريف إضافية ناجمة عن متطلبات شهر رمضان المبارك، ومستلزمات الدخول المدرسي، تلقي بإكراهاتها على القدرة الشرائية للمواطنين»، لذا، يقول الملك محمد السادس «ارتأينا أن يكون حديثنا لك اليوم، محطة لتأكيد إرادتنا لتخفيف أعبائها، عن الفئات الأكثر احتياجا، ضمن توجه تضامني، يقوم على دعم البعد الاجتماعي للإصلاحات العميقة، في عدة قطاعات أساسية ذات الصلة المباشرة بالحياة اليومية للمواطن، وذلك تفعيلا للتوجهات، التي تضمنها خطاب عيد الجلوس الأخير».