بترايوس يستعد لمغادرة العراق ويحذر: حققنا مكاسب أمنية لكنها تبقى هشة

القائد الأميركي: تفكيك «القاعدة» قضى على مبررات وجود «جيش المهدي»

TT

في الأيام الأخيرة من حملته للسيطرة على العراق، جلس الجنرال ديفيد بترايوس في مكتبه في السفارة الأميركية ببغداد وقد ظهر عليه التعب والإرهاق وبدا أكبر بأعوام مقارنة بشكله عندما تولى قيادة القوات الأميركية في العراق قبل 18 شهرا. يبلغ الجنرال بترايوس من العمر 55 عاما، وهو رجل كثير النشاط ويتباهى بنفسه وهو يباري المجندين الجدد في اختبارات التحمل لكنه كشف الاثنين الماضي أنه اضطر إلى تقليل التدريبات التي يقوم بها يوميا إلى ثلاثة مرات خلال الأسبوع. ويستعد الجنرال بترايوس لمغادرة العراق بعد أن أصبح أكثر أمنا مقارنة به عندما وصل إليه. وقال الجنرال بترايوس ان العراق تراجع بالفعل عن تدمير نفسه، ولكن ما زالت المكاسب التي تحققت واهية ومن غير المحتمل أن تستمر دون الجهود الأميركية التي ستستمر حتى بعد رحيل بترايوس. يقول بترايوس «كان الوضع أليمًا» في إشارة إلى الوضع في العراق عندما وصل إليه في فبراير (شباط) 2007. ويضيف: «حققت الكثير من المكاسب، ولكن لا تفهم من ذلك أننا نعتقد أن الأمر قد انتهى، ما زال غير مستقر، ولا يمكن أن يعتمد على نفسه، ما زال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به».

وتزامن تولي بترايوس القيادة مع الزيادة في القوات الأميركية في بغداد، في خطوة كان ينظر إليها على أنها رهان يائس على السيطرة على العراق. ولكن، ساعد وصول 30 ألف جندي إضافي الأميركيين على استغلال سلسلة من الأحداث الهامة التي بدأت تتكشف في نفس الوقت تقريبا: انشقاق جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وارتفاع مستوى كفاءة الجيش العراقي، والأمر الأكثر أهمية التغير الذي طرأ على قيادات الأقلية السنية التي توقفت فجأة عن معارضة الأميركيين وانضمت إليهم ضد تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» والمجموعات المحلية المتطرفة الأخرى. والنتيجة، التي تظهر في الشوارع، هو سيادة الهدوء بصورة لم يشهدها العراق منذ الغزو الأميركي الذي استهدف الإطاحة بصدام حسين في أبريل (نيسان) 2003. والآن، منظر العائلات العراقية وهي تتوافد على المتنزهات في وقت الغروب ومنظر التجار في محلاتهم التي كانت مغلقة لفترة طويلة، يبدو مفاجئا لأي شخص كان قد شهد العراق في عامي 2005 و2006. ورفض الجنرال بترايوس مناقشة ما هو مستوى القوات الأميركية التي يعتقد أنه ستكون هناك حاجة إليها لضمان أن هذه الأشياء الإيجابية سوف تستمر. ومن المحتمل أن يبدأ النقاش حول التزامات الولايات المتحدة بمجرد أن يصل الرئيس الجديد، أيا كان، إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني). يقول الجنرال بترايوس أن لديه بعض التفاصيل، ولكنه لا يعتقد أنه من المناسب مناقشتها في العلن. ويضيف: «استطيع، ولكني لن أفعل» ويقول بترايوس، في إشارة إلى الرئيس المقبل «التصريح الوحيد الذي أعتقد أن شخصا في منصب كهذا يمكن أن يدلي به بمسؤولية هو أن الوضع سيعتمد على الظروف ومدى المخاطر التي يستعد شخص للقيام بها». وعندما وصل الجنرال بترايوس إلى العراق قبل 18 شهرا، كان المشروع الأميركي في العراق، الذي كان يتولاه الجنرال جورج كاسي والسفير زلماي خليل زاد، في مشكلة خطيرة، حيث كان العنف الطائفي متفشيا في البلاد. وكان يبدو أن اليوم الذي سيمكن فيه للقوات العراقية تولي المسؤولية ويمكن للأميركيين المغادرة بعيدا أكثر من أي وقت آخر. كان يلوح في الأفق نزاع عرقي وإثني في العراق. ويقول بترايوس: «الواقع هو أن الجنرال كاسي وزلماي خليل زاد وقعا على تقييم في ديسمبر (كانون الأول)، وفي بداية ديسمبر (كانون الأول) لعام 2006 يقول إن الاستراتيجية تتهاوى».

ووفرت هذه الأزمة الفرصة لحفنة من كبار الضباط والمحللين العسكريين في واشنطن للضغط من أجل إقرار سياسة أميركية صارمة تقضي بتمركز القوات داخل الأحياء العراقية على مدار 24 ساعة، وهو الأمر الذي لم يكن قد تم تنفيذه من قبل على نطاق واسع، مع العمل في الوقت ذاته على عزل ومهاجمة العناصر الرئيسية التي تثير العنف الطائفي. وكان الجنرال بترايوس، ومعه عدد من القادة الآخرين أمثال الكولونيل إتش. آر. مكماستر، قد مارسوا ضغوطاً على مدار سنوات عدة كي يغير الجيش محور تركيز اهتمامه من قتل العدو إلى مساعدة العراقيين العاديين على التعامل مع المتمردين ـ ما يشكل جوهر الاستراتيجية الحديثة لمحاربة حركات التمرد. ومع وصول القوات الجديدة، بدأ الجنرالات في نشرها عبر مختلف أنحاء بغداد، وغالباً ما جرى توزيعهم على مراكز صغيرة أطلق عليها المراكز الأمنية المشتركة. وجرى النظر إلى هذه المراكز باعتبارها العامل الجوهري وراء جهود تأمين العاصمة. ويقول الجنرال بترايوس إنه «بدأنا في وضع المراكز الأمنية المشتركة في قلب المناطق التي توجد بها القاعدة». وأوضح بترايوس أنه على مدار سنوات عدة وجد الأميركيون والحكومة العراقية أنفسهم محصورين داخل ما وصفه بـ«دوامة تشد للأسفل»، نظراً لأنه مع اشتعال أعمال العنف، غالباً ما سيطر الخوف الشديد على العراقيين بصورة حالت دون تعاونهم مع أي من ضباط الأمن العراقيين أو القوات الأميركية. وعليه، كان من الصعب الحصول على استخبارات جيدة. ومع وقوع تفجيرات كبرى، مثل تفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء 2006، تقبل العراقيون الشيعة العاديون حماية ميليشيات، مثل جيش المهدي، لهم. إلا أن تلك الميليشيات بدأت في ارتكاب مذابح هي الأخرى ضد المدنيين السنة المقيمين بالأحياء التي تسيطر عليها الميليشيات. وأكد الجنرال بترايوس أن تفكيك «القاعدة في بلاد الرافدين» قضى على الحجة المبررة لعمل جيش المهدي. وقال «مع التراجع التدريجي في التهديد الصادر عن القاعدة، لم يعد هناك سبب لوجود الميليشيا» وساعد هذا الأمر بدوره المدنيين الشيعة والسنة الراغبين في الانضمام إلى الحكومة أو التعاون مع قوات الأمن، وعليه، أعطى هذا الوضع الجديد الفرصة لحكومة «نوري المالكي» التي يهيمن عليها الشيعة لتطهير صفوف قوات الأمن من القتلة الطائفيين، والتغلب في نهاية الأمر على ميليشيا «الصدر».

* خدمة: «نيويورك تايمز»