نجل القذافي يعلن اعتزال السياسة والتفرغ للمجتمع المدني.. بعد لقاء مغلق مع والده

سيف الإسلام: والدي «خط أحمر» وصلاحياته غير قابلة للتوريث

سيف الإسلام القذافي أثناء إلقاء خطابه في مدينة سبها الليلة قبل الماضية (ا.ف.ب)
TT

فجّر سيف الإسلام ـ النجل الثاني للزعيم الليبي معمر القذافي ـ مفاجأة بإعلانه انسحابه من العمل السياسي في البلاد، نافياً أن تكون خلافات بينه وبين والده أو بينه وبين الحرس القديم في ليبيا هي التي تقف وراء هذا القرار. وشدد على أن والده «خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه، وان صلاحياته غير قابلة للتوريث».

وقال سيف الإسلام في خطاب ألقاه الليلة قبل الماضية أمام آلاف الشبان المؤيدين له في مدينة سبها (800 كلم جنوب طرابلس): «الآن أنا دوري في المجتمع المدني، قررت ألا أتدخل في شؤون الدولة لأني قلت لكم إنه ليس عندي دور وليس عندي مكان».

ونفى سيف الاسلام وجود مشكلات أو خلافات بينه وبين والده، كما نفى أن تكون لقراره أي علاقة بالحرس القديم في ليبيا. وقال: «بالرد على أي مشكك أو أي استفسار منذ الآن سأقول لكم: ليس لدي أي مشكلة. تقولون عنده مشكلة مع أبيه. أنا الآن كنت معه قبل أن آتي إليكم، تقولون حرس قديم، يسمونه بالمحافظ، هذا كله كذب ووهم، ولا يوجد أحد ولا يوجد شيء ولا فيه حرس قديم». وأفادت مصادر بأن سيف الاسلام القى خطابه بعد لقاء مغلق مع والده في سبها. واعتبر نجل القذافي أن زمن المعارك الكبرى انتهى في إشارة إلى الدور الذي لعبه على مدى السنوات القليلة الماضية في تحسين صورة ليبيا في الخارج وعلاقتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأكد أن ملف ليبيا في حقوق الإنسان أصبح مشرفاً جداً ـ على حد قوله ـ «مقارنة بالانتهاكات التي تحدث في كل الدول العربية» بدون أن يسميها بما في ذلك دول الجوار الجغرافي لليبيا.

وتطرق سيف الإسلام إلى الصعوبات التي واجهت عمله خلال العشر سنوات الماضية، ودور مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي يقودها في هذا العمل سواء بمبادرات منها أو بإقحامها فيه. وقال: «كل هذه القضايا انتهت، أصبحت من الماضي. لم تعد عندي معارك كبرى، وضعي أصبح محرجا».

وقال إنه تدخل «في السياسة الخارجية وفي قضايا التنمية والإسكان والتخطيط العمراني» لعدم وجود مؤسسات جاهزة أو نظام إداري يستطيع أن يقوم بهذا العمل. وقال: «الآن القصة اختلفت، وإذا استمرت سوف تصبح هناك مشكلة». وكشف سيف الإسلام لأول مرة أنه كان شخصيا من وقف وراء قرار اتخذته السلطات بتقييد سفر الليبيات إلى الخارج بدون محرم، قبل أن تتراجع عنه وتلغيه بسبب غضب واستياء النساء. وقال «إن ليبيا بدأت مرحلة التخلص من المشاكل الخارجية وموضوع الحقوق والحريات وموضوع التنمية».

وكرر ما أعلنه العام الماضي من أن والده معمر القذافي يمثل «خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه»، و«هناك فقرة في القانون خاصة بمعمر القذافي تؤكد أن الصلاحيات أو الامتيازات التي لديه هي خاصة به، هو فقط، وفي شخصه، وغير قابلة للتوريث». وأضاف: «هذه الصلاحيات هي غير قابلة للانتقال أو التوريث، لا تقل لي أنا ولد معمر القذافي وسآخذ الصلاحيات المباشرة، هي ليست مزرعة ستورثها. لا أنا زميل معمر القذافي، لا أنا رفيقه. على العين والرأس نحترمك ونقدرك، لكن هذه أشياء خاصة بشخص واحد ولا تتكرر أبداً». وعبر سيف الاسلام عن سعادته لأن برنامجه كله «تحقق»، وسار حسب ما هو مخطط له، معتبرا أن «القطار على السكة الصحيحة رغم أنه لم يصل للمحطة النهائية». وقال سيف الإسلام إنه ينسحب من العمل السياسي وهو مطمئن، لافتا إلى أنه ليس نجما سينمائيا، أو عارض أزياء، أو لاعب كرة بحيث يحبه الناس وعندما يخرج يذهبون إليه بالآلاف يطلبون توقيعه.

وبدا نجل القذافي حريصا على تفادى توجيه أي انتقادات لاذعة إلى مؤسسات الدولة الليبية، وأكد مجددا ضرورة الحفاظ على «الجماهيرية» بنظامها القائم على سلطة الشعب.

وأكد أيضا أن البناء الجاري حاليا لدولة الإدارة العصرية ابتداء من حزمة مشروعات القوانين المعروضة مرورا بالهيكلية الإدارية الجديدة لا يمس النظام السياسي الجماهيري. وأوضح أن الهدف من هذا البناء هو أن يقدم الليبيون الجماهيرية للمنطقة وللعالم في تطبيقها السليم «كنموذج فريد».

ودعا إلى حماية سلطة الشعب لضمان الرفاهية والديمقراطية وحقوق الإنسان المتحققة في ليبيا. واقترح بهذا الصدد أن يضع الليبيون عقدا جماعيا سماه «العقد الجماهيري»، وبناء رأسمال اجتماعي، وقضاء نزيها، وصحافة مستقلة بملكيتها للشعب.

وأكد عدم قداسة الدساتير، ضاربا المثل بما حدث في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عندما قام الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن بقصف البرلمان بالدبابات رغم الحصانة البرلمانية التي ينص عليها الدستور الروسي. وأعلن أن خطط التنمية الجديدة أصبحت حقيقة، وأن مبالغها التي تم الإعلان عنها العام الماضي، قد زادت، وأن العمل مستمر حيث الشركات توقع وتنفذ مشروعات الإسكان والمرافق والتعليم والصحة.

ولم يوضح سيف الاسلام مشاريعه المستقبلية، الا انه كان قد صرح قبل بضعة ايام لصحيفة «كومرسنت» الروسية، بحسب ما نقلت الصحف الليبية، انه «سينصرف الى تنمية المجتمع المدني والاقتصاد الليبي بالاضافة الى الاعمال الخيرية». ورأى مراقبون ليبيون أن انسحاب سيف الاسلام عائد «الى عدم ارتياحه لوتيرة الخطوات التي يرغب ان تكون بشكل سريع». واضافوا ان «قراره ناتج عن عدم رضاه عن البيروقراطية التي لم يكن مستعدا لها. وهو كشاب يريد ان يتخذ خطوات سريعة وكبيرة».

وقال مراقب ليبي، رفض الكشف عن هويته، من جهته «اعتقد ان هذا انسحاب مؤقت وتمهيد لدخول مرحلة جديدة لاعادة صياغة وجوده على المسرح السياسي الليبي واضفاء مزيد من الشرعية على وجوده»، مشيرا الى ان ذلك قد يتم «عبر مؤسسات المجتمع المدني».

وافادت مصادر مطلعة بأن سيف الاسلام عقد اجتماعا مغلقا ومطولا مع والده في سبها، تمت خلاله مراجعة العناوين الرئيسة لخطاب سيف الإسلام مسبقاً. وطبقا لمصادر ليبية فان الاجتماع الذي دام نحو ثلاث ساعات خلص إلى أن سيف الإسلام بحاجة إلى الابتعاد عن الساحة السياسية والمشهد الداخلي في ليبيا كي لا يرتبط اسمه بنهاية حقبة يريد والده وضع حد لها. لكن ثمة من يشكك في إمكانية اندلاع خلافات بين القذافي الأب والابن.

ورفض مقربون من سيف الإسلام تقديم تفسيرات لخطوة اعتزاله السياسة والتي تأتي عقب تراجع سيف الإسلام عن الكثير من مقولاته الإصلاحية وتوقفه عن توجيه انتقادات لمؤسسات الدولة الليبية. لكن مصادر دبلوماسية غربية ومعارضين ليبيين في الخارج وصفوا هذه الخطوة بأنها إجراء تكتيكي لا يعني انتهاء الدور السياسي لنجل القذافي، مشيرة إلى أنها مجرد حلقة جديدة في مسلسل الصراع بين الإصلاحيين والحرس القديم في ليبيا.