المغرب: رحيل قياديين في الاتحاد الاشتراكي يدفع حزب القوات الشعبية إلى حسم أوراقه

للخروج من مؤتمره العام سالما معافى

TT

فقد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (مشارك في الحكومة) في ظرف أقل من أسبوع، قياديين، يمثلان جيلين ونهجين متغايرين في العمل السياسي، ففي مدينة مكناس (وسط) توحد عدد من قياديي ومنتسبي، الاتحاد الاشتراكي، حول نعش الراحل، محمد بن يحيى، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الثامن المعلق، تقدمهم أمينهم العام، رئيس الوزراء السابق، عبد الرحمن اليوسفي، متجشما متاعب السفر، رغم تقدم سنه (من مواليد 1924) من اليونان حيث كان يقضي عطلته رفقة زوجته، ليلقي نظرة الوداع الأخيرة، على رفيق قاسمه غربة المعارضة في المنفى، متنقلين بين باريس والجزائر، لتجمعهما القناعة السياسية، بالعودة إلى وطنهما، إثر التصالح التاريخي بين المعارضة اليسارية الممثلة في الاتحاد الاشتراكي، والملك الراحل الحسن الثاني، الذي توج بإسناد رئاسة الحكومة إلى اليوسفي عام 1998، حيث دعا لمساعدته في الإشراف على الشأن الإعلامي، برئاسة الحكومة، الراحل بن يحيى، الذي ظل إلى جانب اليوسفي إلى حين انتهاء ولايته عام 2003 واعتزاله فيما بعد العمل السياسي، في شبه احتجاج على الوضع الداخلي في حزبه الذي لم يتمكن من كسب النتائج التي توقعها وراهن عليها اليوسفي، في الانتخابات التشريعية لعام 2003، مما شكل له صدمة وسهل عملية التراجع عن تكليف الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، تشكيل الحكومة الجديدة، حيث أطلق المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، في ذلك الظرف، صرخته المدوية احتجاجا على ما أسماه »الخروج عن المنهجية الديمقراطية» التي كانت تفترض الاستمرار على النهج الذي سنه العاهل الراحل الملك الحسن الثاني، بأن يكون رئيس الجهاز التنفيذي ذا لون حزبي.

وأمس جرى في مدينة الدار البيضاء، تشييع جثمان الراحل محمد الحبيب الفرقاني، العضو السابق في المكتب السياسي للحزب، وأحد وجوه المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، الذي لم يرتح من عذاب السجون إلا في العقود الثلاثة الأخيرة، قبلها كان اسم الفرقاني، يتصدر قائمة المتهمين في سائر المحاكمات التي أقيمت ضد التيار الرافض في الاتحاد، للهدنة مع النظام القائم خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، والذي تلاه من القرن الماضي.

ويضيف أنصار التيار المتفائل، أن الخلاف في المؤتمر الأخير، تمحور حول الأساليب الأنجع لتحريك الماكينة الاتحادية لتستعيد محركاتها طاقتها الحقيقية، وهو تحول ليس بالهين، خاصة وأنه لم يسبقه نقاش معمق واسع، لإقناع المنتسبين للاتحاد الاشتراكي، بجدوى القطع مع أساليب تنظيمية تعودوا وتربوا عليها، صعب عليهم التخلي عنها دفعة واحدة.

وفي هذا السياق، يظهر الاتحاديون، الفاعلون ضمن التيارات التي تجاذبت وتصارعت في المؤتمر الأخير، علامة التفاؤل بنتائج الجولة الثانية في مؤتمرهم، بعد أن باتوا مقتنعين أن «التغيير» في أي اتجاه، لا يمكن أن ينجح في ظل بيئة تنظيمية غير مؤهلة لاستقباله والتعاطي معه، وبالتالي، فلا بد من جرعات متدرجة . هكذا أصبح الحديث متواترا عن إمكانية التوصل إلى صيغة تنظيمية توفيقية، لا تقطع مع التراث الحزبي، ولا تتجاهل متطلبات التحديث والتطوير وتجديد أساليب الاستقطاب والتعبئة في ساحة سياسية تتميز بالبلقنة الشديدة، لدرجة افتقد معها المواطن المغربي معها البوصلة التي ترشده إلى هذا الحزب دون سواه. وعلى الأرجح، فإن المؤتمرين الاتحاديين سيلتقون مجددا في أكتوبر (تشرين الأول) لإكمال الشوط الثاني الذي لن يحتمل التأجيل وأشواطا إضافية أو ضربات الترجيح، فالمؤتمرون مجبرون على الوصول إلى نهاية سعيدة، وإلا فإن هرم الاتحاد الاشتراكي، مهدد بالانهيار، لا سيما وأنه يوجد في الساحة من يتمنى وينتظر تلك النهاية للانقضاض على ما تبقى من التركة ذات الإشعاع التاريخي.

واستنادا لمؤشرات متطابقة، فإن المؤتمر سيتخلى ولو إلى حين، عن أسلوب اختيار القيادة الذي وقع التسرع في اعتماده وفق اللائحة والاقتراع النسبي، وذلك بالرجوع إلى الطريقة التقليدية، مع تعديلات لا تقطع الأمل في إحداث التغيير المنشود في مؤتمرات لاحقة. ومن المحتمل أن ينحصر التعديل المتوافق عليه، في تطعيم قيادة الاتحاد، على صعيد المكتب السياسي، والمجلس الوطني، بطاقات وأسماء جديدة، أصبحت ترى إمكانية وجود مكان لها، بعد تخلي الأمين العام السابق محمد اليازغي، ما يعني أن القيادة ستسند إلى أحد اللاعبين الرئيسيين الذي أعلنوا عن أنفسهم في المؤتمر الأخير، تعاونه قلة من القدامى، ضمانا للاستمرار إلى جانب فاعلين جدد.

ويبدو أن الاتحاد الاشتراكي، محاصر بكل الأسباب التي تفرض عليه اللجوء إلى التوافق الإيجابي، وتدبير الخلافات بالهدوء اللازم، وأن يصبر الجيل الذي يتهيأ للخلافة، قليلا حتى تؤول إليه الأمور بكيفية آلية. وذلك جوهر ما كان يتمناه الراحل بن يحيى وهو يجاهد النفس ويغالبها في اللجنة التحضيرية، متسترا على المرض اللعين، لكي يظل الاتحاد الاشتراكي قائما، فما أصعب على النفس أن ترى بنيانا راهنت عليه في الماضي، واستودعته كل أحلامها في التغيير، وهو يصاب بالتشقق دون أن تهب لإنقاذه. هل يهدى المؤتمر المقبل لروح بن يحيى، الفرقاني، رغم التباعد الظاهر بين الراحلين في التعاطي مع السياسة، لكنهما كانا حريصين على بقاء صرح الاتحاد الاشتراكي، متراصا متماسكا؟