«القاعدة» .. إرهاب رخيص الثمن والتمول من الإجرام

15 ألف دولار تكلفة تفجيرات لندن بما فيها تكاليف الانتقالات إلى باكستان لتسجيل الوصايا والتشاور مع رجال بن لادن

TT

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر تحولت «القاعدة» إلى بناء خلايا محلية تدير العمليات بصورة منخفضة التكاليف وتستطيع كسب المال، عن طريق العمليات الإجرامية متجاوزة حواجز الأنظمة المالية العالمية التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

وعلى الرغم من إنفاق «القاعدة» لما يقرب من 500.000 دولار لتنفيذ هجمات سبتمبر (أيلول)، فقد كلفت التفجيرات التي نفذتها المجوعات التابعة «للقاعدة» في أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، عُشر هذا المبلغ.

ويعتقد خبراء مكافحة الإرهاب أن ذلك النوع من العمليات رخيصة التكاليف يثبت أن الولايات المتحدة وحلفاءها أساءوا التقديرات عندما اعتقدوا أنهم قادرون على هزيمة تلك الشبكة الإرهابية عبر اصطياد ممولي الإرهاب من الأثرياء وتجميد حساباتهم البنكية.

وفي المحاكمة التي تجري الآن والتي يحاكم فيها ثمانية أفراد بتهمة التخطيط لتفجير طائرات فوق الاطلسي منذ عامين، وجد المحلفون كيف تمكن المتهمون من شراء أغراض من متجر عادي تكفي لصنع قنبلة لا تتجاوز تكلفتها 15 دولارًا.

ويقول أحد المسؤولين الحكوميين عن التحقيقات مع الخلايا الإرهابية إن الخلية المسؤولة عن التفجيرات التي وقعت في السابع من يوليو (تموز) 2005 في لندن كانوا بحاجة إلى 15000 دولار لتنفيذ العملية برمتها، بما فيها تكاليف الانتقالات إلى باكستان لتسجيل الوصايا وللتشاور مع «القاعدة». ويقول المحققون الأوروبيون إن العديد من المخططات التي نفذت في أوروبا كان القائمون بها يتمتعون بسيولة نقدية كبيرة.

وأظهرت التحقيقات التي أجريت مع المخططين لتفجير الطائرة أن المتهمين كان بحوزتهم المال الكافي لشراء شقة في شمال شرق لندن أي ما يعادل 260000 دولار قبيل اعتقالهم وقالوا إنهم كانوا بحاجة إلى مكان آمن لإعداد القنبلة.

وأحد انتحاريي تفجيرات يوليو 2005، والذي يبلغ من العمر 22 عامًا وكان يعمل في متجر للسمك والرقائق، وجد بعد أن فجر نفسه في مترو الأنفاق، انه ترك منزلا يبلغ ثمنه 240.000 دولار، ولم تتمكن عائلته أو الشرطة من معرفة كيفية حصوله على تلك الأموال.

وفي إسبانيا كشفت وثائق المحكمة الأسبانية أن الخلية التي قامت بتفجيرات قطارات مدريد بحاجة إلى 80000 دولار لتنفيذ مخططها، وأضافت الوثائق أنهم كانوا يمتلكون مخدرات الحشيش وأنواعا أخرى تقدر بنحو 2.3 مليون دولار للإنفاق على عملياتهم. بل إن بعض خاطفي الطائرات في عملية 11/9 أرسلوا مبالغ مالية إلى حسابات بنكية في الخليج تقدر بـ26000 دولار قبيل أيام من الحادث. ويقول جان لوي بروجير القاضي السابق الخاص بمكافحة الإرهاب في فرنسا والذي يعمل الآن كمستشار للاتحاد الأوروبي في قضايا تمويل الإرهاب: «المجموعات النشطة في أوروبا ليست بحاجة إلى الكثير من المال فهم ماهرون جدًا في الحصول على المال باستخدام وسائل إجرامية، وهم قادرون على جمع آلاف الدورات أو اليورو في غضون أسابيع قليلة، وهو أمر لا نستطيع التحكم به». ويقول مسؤولو مكافحة الإرهاب في لندن إن خلايا «القاعدة» في المملكة المتحدة تدربوا على التخطيط لعملياتهم والعيش بأقل التكاليف، وهم دائمًا ما يعتمدون على عائلاتهم أو أعمالهم اليومية لتغطية نفقاتهم، وفوق كل ذلك فقد تعلموا تصنيع القنابل بتكاليف بسيطة. وقد اتبعت كل المخططات التي شهدتها أوروبا خلال العامين الماضيين صيغة غاية في البساطة وهي القيام بصنع متفجرات محلية ووضعها في حقائب الظهر أو الأحذية أو حقائب السفر أو الشاحنات.

وفي أعقاب عمليات هجمات سبتمبر، أطلق الرئيس جورج بوش ما أسماه البيت الأبيض حينئذ: «أول ضربة في الحرب على الإرهاب» حيث وقع قرارًا رئاسيًا بتجميد أصول وممتلكات 27 فردًا ومجموعات يشتبه في تمويلها العمليات الإرهابية ويحظر على أي فرد التعامل معها.

وفي ديسمبر 2001 جمدت الحكومة الأميركية أصولا وحسابات بنكية تقدر بـ33 مليون دولار، ووسعت قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب لتشمل 153 اسمًا، وجاء في التقرير الذي أصدره البيت الأبيض لتقييم تقدم الولايات المتحدة في الحرب ضد «القاعدة» أن «الولايات المتحدة وحلفاءها نجحوا في الفوز بالحرب على الجبهة المالية».

غير أن العديد من مسؤولي وخبراء مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة وأوروبا قالوا إن تلك الإجراءات فشلت في تجفيف منابع التمويل المتاح « للقاعدة « ولم تكن ذات أثر حاسم في منع الشبكات الإرهابية من القيام بعملياتها. وقال الخبراء إن «القاعدة» ونشطاءها نادرًا ما كانوا يستخدمون البنوك في نقل أموالهم قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بصورة يمكن أن تثير الشكوك. وفي رد على قوانين مكافحة تمويل الإرهاب الجديدة كانت الشبكة أكثر حرصًا فاعتمدت على عملائها لنقل الأموال عبر الحدود عند الضرورة. ويقول إبراهيم واردي الأستاذ المساعد في جامعة تفتس والخبير في الأنظمة المالية في الدول الإسلامية أن إدارة بوش وحلفاءها ادعوا كذبًا أن «القاعدة» تضع كميات ضخمة من المال في حسابات سرية في البنوك. ويقول: «لقد كان لديها كل السلطات المالية، وهناك عدم ارتباط واضح بين تلك الطريقة والحقيقة الكامنة في كيفية تمويل الإرهاب». ويشير لويس إم لورميل الرئيس السابق لقسم عمليات تمويل الإرهاب إلى أن القوانين التي تم تمريرها منذ عام 2001 أغلقت بعض الفجوات وتعاملت مع بعض الاحتمالات التي سهلت للقاعدة نقل الأموال. لكنه قال إن الشبكة كان رد فعلها سريعا على تلك القوانين فخلاياها في أوروبا تعتمد على التمويل الذاتي بدلاً من الاعتماد على التحويلات الخارجية التي يمكن تعقبها من خلال الهيئات القانونية الأوروبية.

وأضاف لورميل الذي يعمل الآن كنائب رئيس لشركة كوربورت ريسك إنترناشيونال والتي تتخذ من رستون مقرًا لها: «من الواضح أنك عندما تتعامل مع مجموعات تمول نفسها تمويلاً ذاتيًا فأنت تتعامل مع مجموعة مختلفة تمامًا من الملابسات، فهؤلاء الأشخاص الأشرار يدركون بعد حين من الوقت الطرق المثلى للتعامل مع القوانين لذا فهم يغيرون نهجهم في كيفية نقل المال، ومن المؤكد أنك لن تستطيع أن توقفهم عن الحصول على المال فهم قادرون على التكيف».

نقل الأموال بصورة مبتكرة:

وقال أحد المسؤولين إن خلايا «القاعدة» ابتكرت وسائل جديدة في تمويل أنشطتها، فبعد أحداث يوليو (تموز) التي شهدتها لندن قامت الشرطة بالطرق على باب بلير دوفتون أحد مربي الأغنام الاسكتلنديين للاستفسار عن الحادث الذي تعرضت له تجارة الماشية الخاصة به، فقال إنه فقد أكثر من 200.000 دولار عندما أرسل عددًا من الشاحنات المحملة بالأغنام إلى المسالخ في ليدز بانجلترا، حيث لم يتسلم المال الخاص بهذه الأغنام.

وهذا المسلخ يختص ببيع اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية، وأخبر المحققون دوفتون أن الشخص الذي خدعه كان شريكا لشهزاد تنوير أحد المفجرين الثلاثة والذي كان يعيش في ليدز. وقال دوفتون في مقابلة هاتفية: «إنني أوشك على الإفلاس، ولم أستطع أن أصدق نفسي عندما اخبروني أن ذلك يمكن أن يكون له علاقة بالإرهاب».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»