بلعيرج المحتجز في المغرب يواجه تهمة الجمع بين الإرهاب والجريمة المنظمة

شبكة عنكبوتية تلقي الضوء على عالم من المكر والخداع

TT

لقد انتهت مغامرة عبد القادر بلعيرج في فندق فايشين. بلعيرج مواطن بلجيكي مغربي المولد متهم بالتخطيط لأعمال إرهابية والقتل وتكوين العصابات والعمالة المزدوجة، وهو صاحب فندق كان يأتي إليه من بلجيكا من حين إلى آخر للإشراف عليه، وهو فندق ثلاثة نجوم، فيه مقهى يحتسي فيه الرجال الشاي ويشاهدون فيه ما يدور في الشوارع من حولهم، ويشاهدون السائحين والنساء المحجبات من أصول المغربية.

وقد زعمت الشرطة المغربية أن هذا الفندق الذي يسمى فندق فايشين قد استخدم كوكر للخارجين على القانون. وفي شهر فبراير (شباط) تم اعتقال بلعيرج وثلاثة متهمين آخرين تتهمهم الشرطة بأنهم أعضاء في شبكة تهدف إلى القيام بأعمال إرهابية.

ويقول المحققون إن بلعيرج يمثل الشخصية الإرهابية الحقيقية الشديدة الخطر. وتتهمه السلطات بأنه قام بست عمليات اغتيال على الأقل، والاستيلاء على ملايين الدولارات، والقيام بعمليات تبييض أموال وتهريب أسلحة في أوروبا والمغرب.

ويقول خالد زيروعلي، وهو مسؤول أمني كبير في المغرب: «إن هذه القضية تفوق أي قضية إرهابية أو إجرامية أخرى. إن هذه القضية تمثل قدرة الإرهاب على جمع الأفراد والقيام بالجريمة. ومن وجهة نظر استراتيجية، فإن الموضوع يتعلق باستغلال الفرص. فبلعيرج يتصل بعدد من الجماعات سواء كانوا من القاعدة أو المسلمين الشيعة، والأمر يتعلق بالربح الاقتصادي. وأهم شيء هو الحصول على الربح سواء كان ربحا ماديا أو فكريا».

وتلقي هذه القضية الضوء على عالم آخر من المكر والخداع. ويقول مسؤول في قوة تطبيق القانون في بلجيكا، وهو مثل معظم من أجريت معهم مقابلات صحافية، رفض الإفصاح عن هويته، نظرا لحساسية القضية: «إنها شبكة عنكبوتية كبيرة».

وقد أفاد بعض المحققين بأنه على الرغم من أن بلعيرج يكتسب أموالا من خلال خرق القوانين، إلا أنه كان يتجسس لحساب المخابرات البلجيكية. ويأتي ذلك على الرغم من أنه يقول إنه كان يفعل ذلك بدافع الوطنية وأنه لم يتلق يوروا واحدا. وقد أفاد ثلاثة مسؤولين بلجيكيين بأنه كان أحد العناصر التي تتلقى مبالغ كبيرة. وتقوم لجنة بلجيكية من مجلس الشيوخ بفحص قضيته في الوقت الحالي. وتثير هذه القضية عدة أسئلة مهمة: ماذا كانت المخابرات البلجيكية والمغربية تعرف ومتى؟ وهل كان بلعيرج يتجسس لصالح دول أخرى؟ وهل هو عميل سري شجاع أم مجرد إرهابي؟ أم كلاهما؟

لقد ولد بلعيرج في مدينة نادور في شمال المغرب، وكان لهذه المدينة تاريخ في التهريب.

ويقول عبد الرحمن لاهلالي وهو محام بلجيكي لعائلة بلعيرج: «لقد نشأ مع البنادق. وكان والده ناشطا إسلاميا وقضى زمنا في مصر واشترك في أعمال عسكرية أيضا». ومثل العديد من المتشددين في جيله، فإن بلعيرج درس الهندسة واعتنق بعض الأفكار الإسلامية. وهاجر إلى بروكسل وتزوج هناك وعمل بعض الأعمال غير اللائقة، وقام بافتتاح محل للملابس. وزاد نشاطه بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. وعلى الرغم من أن هذه الثورة كانت شيعية إلا أنها جذبت إليها العديد من المتشددين السنة مثل بلعيرج. وقد ساعده السفير الإيراني في بروكسل على السفر إلى إيران لمقابلة الخميني وغيره من الشخصيات عام 1981، حسبما أفادت شهادة بلعيرج ومحاميه البلجيكي محمد زياني، وهو سفير سابق لحقوق الإنسان.

وبعد عامين، سافر بلعيرج إلى لبنان، وتعلم كيفية استخدام المتفجرات وبنادق ايه كاي 47 حسب شهادته. وقد أفاد أحد مسؤولي المخابرات الأوربيين بأن القتلى البلجيكيين الستة الذين اعترف بلعيرج بقتلهم، كان قتلهم عبارة عن «عمل احترافي لقاتل أخلاقي».

وقد قتلت الضحيتان الأوليان في صيف عام 1988 في منطقة للمهاجرين في بروكسل. كما قتل عامل بقالة لأن القاتل ظن أنه يهودي، حسبما أفاد المحققون. كما قتل رجل آخر يبلغ من العمر 53 عاما في نزاع آخر. وقد قام مهاجم بقتل سائق يعمل في السفارة السعودية في شهر يونيو (حزيران). وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) قام مهاجم بقتل جوزيف ويبران وهو فيزيائي ورئيس اتحاد الجماعات اليهودية في حديقة مستشفى إراسمس.

وقد كانت الشرطة تشك في أن حوادث القتل التي وقعت عام 1989 كانت جزءا من عمل دولي من خلال جماعات تدعمها إيران ضد إسرائيل والسعودية. وقد زعمت جماعة مرتبطة بأبو نضال وهو إرهابي فلسطيني يعمل بالأجر مسؤوليتها عن قتل ويبران، وقالت إن ذلك كان انتقاما لاختطاف قائد تابع لحزب الله من قبل القوات الإسرائيلية في لبنان.

وتقول إلي وهي أرملة ويبران: «لقد كان زوجي معتدلا وكان الامام رجلا يشجع الحوار أيضا. وكانت هناك أخبار عن تهديدات لقادة اليهود في أوروبا... وقد أخبرت زوجي بذلك، وكان هناك حراس يقومون بحراسته في المناسبات العامة، لكنه قال بعد ذلك إن ذلك ليس ضروريا».

وعلى الرغم من تشكك المحققين في بلجيكا في اعترافات بلعيرج، إلا أنهم يقولون إن هناك بعض الأدلة التي تدل على تورط بلعيرج في حادث مقتل الإمام.

لكن المحامين يشككون في أدلة المحققين. ويقولون: «لقد تم التحقيق معه لمدة 12 يوما ولا أستطيع الإجابة على ما إذا كان قد تم تعذيبه. لكن السيد بلعيرج نفسه قال إنه إذا كان المرء يعيش في المغرب ويتعرض للتحقيق لمدة 12 يوما فإنه سوف يقول أي شيء يطلب منه. وعند وقوفه أمام القاضي أنكر أي دور له في عمليات القتل التي اعترف بها للشرطة».

وقد تزوج بلعيرج مرة أخرى من امرأة جزائرية عام 1990 وأنجب منها ثلاثة أبناء. وانتقل معها إلى قرية فلاميش خارج بروكسل، حيث قام بتحويل منزله الذي يبلغ طابقين إلى مكتبة تضم نحو 3000 كتاب عن الإسلام والسياسة.

وقد تحول بلعيرج إلى النشاط المتشدد وارتبط بالجماعات المنتشرة من الجزائر إلى أفغانستان. كما سافر إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط والشيشان وجنوب آسيا. ويقول زياني وهو المحامي المغربي: «لقد كان رجلا يجلب المال للجماعات المرتبطة به. وكان ذلك هو مفتاح نجاحه. وكان يجمع الأموال من المليونيرات في المملكة العربية السعودية ويجلبها إلى القاعدة». ويقول المسؤولون إنه أصبح عميلا للمخابرات البلجيكية في منتصف التسعينات. ويقول زياني: «إنني لا أعتقد أنه رجل ذو مبادئ دينية قوية. إنه يعتبر نفسه شخصا مفيدا. وهو يعرف الكثير عن المال والتجارة. وهو يعتقد أنه يمكن حل كل المشكلات من خلال الحوار والتفاوض. وهو لا يعتقد أن العمل مع المخابرات عمل شائن».

وقد قام بلعيرج بعمل اتصالات مع تنظيم القاعدة على أعلى المستويات. وفي أقل من أسبوعين قبل أحداث 11 سبتمبر (ايلول)، كان يتناول العشاء مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والحارس المغربي، حسبما أفاد المحامون والمحققون. ويقول المحققون المغربيون إن قادة القاعدة كانوا يثقون فيه. وبعد أحداث 11 سبتمبر، أفاد المسؤولون في مكافحة الإرهاب بأنه كان يستفيد من قيمته كعميل في الحصول على السلاح والاستيلاء على العربات المصفحة.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»