آليّة المفاضلة في تعيين قائد الجيش اللبناني فريدة لا مثيل لها في جيوش العالم

عميد ماروني ذو خبرة ميدانية وسلوك نموذجي.. ولا فيتو من الساسة عليه

TT

مثله مثل باقي مراكز موظّفيّ الفئة الاولى في لبنان ـ وهي مٌقسّمة مناصفة بين الطوائف ـ لا يُحدّد الدستور او أيّ قانون طائفة قائد الجيش اللبناني. ولكن جرت العادة ان يكون مارونيّا.

قبل الطائف، كان قرار اختيار قائد الجيش لرئيس الجمهوريّة وهو الذي كان، وحسب الوزير السابق البير منصور يتمتّع بسلطات تسع منها الاقتصاد، الدفاع، المال. تبدّل هذا الوضع مع فترة الوصاية السوريّة حين كان القرار يعود لها لكن دون إزعاج الرئيس الحاكم. ففي عهد الرئيس اميل لحّود، كان الرئيس يُفضّل شخصا معيّنا، لكن القرار السوريّ كان مع العماد ميشال سليمان، فكان العماد سليمان قائدا للجيش.

حتى أن مدير المخابرات، كان يُعتبر الشخص المُدلّل لرئيس الجمهوريّة. هو يختاره، يعيّنه، وهو الذي يلتقيه حتى أكثر من قائد الجيش او وزير الدفاع. وهذا امر يعتبر تجاوزا للكثير من قوانين التراتبيّة. وفي هذا الاطار، قد يبدو مدير المخابرات اقوى وأفعل من رئيسه المباشر قائد الجيش. هكذا كانت حال مدير المخابرات جوني عبدو، مع قائد الجيش فكتور خوري ايام الرئيس الياس سركيس.

وبعد الطائف ايضا، لم تُوضع آليّة لاختيار قائد الجيش. وإذا كان القانون لا يلحظ مذهبه، فكيف ستكون هناك آليّة؟ وهكذا، كلّما كان استحقاق اختيار قائدا للجيش قريب، وبحكم العرُف، يصبح كلّ عميد مارونيّ مُرشّحا لهذا المنصب.

لذلك وفي ظلّ غياب آليّة مفاضلة أو اختيار، يُختار قائد الجيش من ضمن الاسماء المؤهّلة. وهنا قد يُسأل: من يختار؟ ولماذا اختير هذا دون ذاك؟ وما هي معايير الاختيار؟

قد يُمكن الردّ هنا على الاسئلة المطروحة بما يأتي:

أ ـ من يختار ولماذا أختير هذا دون ذاك: عادة هناك ظروف معيّنة تكون مؤثّرة لاختيار هذا دون ذاك. اليوم، ولان الكلّ متّفق على العماد سليمان. ولان سليمان كان قائدا للجيش، فمن الضروري ان تكون الكلمة العليا مع الرئيس سليمان. لكن الرئيس اقترح اسما معيّنا، رفضه البعض فتأجّل بتّ الموضوع. إذاً الرئيس لا يملك كلّ اوراق التسمية والتعيين، فهو توافقيّ، ولا يمكنه فرض شخص ما على فريق معيّن. لكن لماذا اختار العماد سليمان الاسم الذي طُرح، فهذا امر ينطلق من الشخصيّ وقد يكون له اسبابا اخرى قد لا نعرفها. فهل هو يُرضي العماد عون لان الاخير سحب ترشيحه للرئاسة؟ لا يمكن الجزم. ولماذا غيّر الرئيس رأيه في ما خصّ مدير المخابرات؟

ب ـ أما بالنسبة الى آلية المفاضلة ـ معايير الاختيار فقد يمكن طرح الكثير من الاسئلة حول ما اقترحه وزير الدفاع الياس المُرّ. لماذا تُقترح اليوم، وليس قبل؟ وهل كانت آليّة الطرح السابقة دون معايير تُنصف كلّ المُرشّحين؟ وهل ان آليّة المفاضلة هي لتبرير الاختيار السابق والاصرار عليه؟ ولماذا قد يُغيّر المُعترض رأيه بشأن الاسم، خاصة ان الامور في لبنان لا تُؤخذ حسب المعايير. فهل ستلغي آليّة التفاضل الاعتراضات السياسيّة؟

في آليّة المفاضلة الممكنة:

حتى الآن لا نعرف شكل ومضمون آليّة وزير الدفاع. لكنها حتما سوف تأخذ في الاعتبار معايير معيّنة لا يمكن تجاوزها، والتي قد تكون على الشكل الآتي:

1ـ أن يكون عميدا مارونيّا، وفي الخدمة الفعليّة حسب قانون الدفاع.

2 ـ يجب ان تحوي الآليّة بُعدا عملانيّا. والمقصود بذلك ان يكون القائد قريبا من العمليّات العسكريّة على الارض، يعرف ما جرى وقد يجري، خاصة بعد ما حدث في مخيّم نهر البارد، وفي ظلّ التهديدات الاسرائيليّة اليوميّة. المقصود ان يكون قائد لواء عملانيّ، للاسباب الآتية:

أ ـ يُكدّس الضابط خبراته الميدانيّة رويدا رويدا، حسب كلّ رتبة ووظيفة.

ب ـ في كلّ مرحلة ترقية يتّبع الضابط دورة عسكريّة تؤهّله للاعلى.

ج ـ بعد خدمة طويلة، ودراسات عليا، وجب على الضابط ان ينتقل للعمل في الاركان العليا. ففي هذه المرحلة، يكون قادرا على القيادة العسكريّة، كما على الادارة للمؤسسة بالمعنى الاداري الصرف. وهنا، قد يعني انتقاله إلى قيادة المؤسسة امرا مهمّا، الامر الذي يتطلّب منه وضع كلّ خبراته.

3 ـ يجب ان يكون قد تابع دورة اركان عليا، في الداخل او الخارج. وهل ستُحسب باقي الدورات التي تابعها المُرشّح كنقاط تساعده.

4 ـ قد تُحسب أيضا في الآليّة، التهاني التي حصل عليها، الاوسمة وحسب اهميّتها، الاقدميّات إذا وُجدت ـ تُمنح الاقدميّة في الرتبة عندما يقوم الضابط بعمل استثنائي يغيّر مجرى المعركة، لتتحوّل من هزيمة إلى نصر.

5 ـ ان يكون سلوك الضابط نموذجيّا، داخل المؤسسة وخارجها. وان لا يحمل سجلّه أيّ نقطة سوداء عائدة للحرب الاهليّة.

6 ـ وأخيرا وليس آخرا، يجب ان لا يكون عليه فيتو من احد الافرقاء السياسيّين في لبنان. في الختام، يجب طرح السؤال التالي: إذا اعتبرنا أن آليّة التفاضل التي سوف تُعتمد، هي آليّة مثاليّة، لا مثيل لها في اهمّ جيوش العالم، فهل ستُغيّر رأي الذي اعترض في المرحلة الاولى؟ كذلك، إذا انتجت الآليّة وبعد استعمالها لتصفية الاسماء، اسما غير مقبول سياسيّا من فريق آخر، فهل يمكن إجراء التعيين وتجاوز الاعتراض؟ وإذا انتجت الآليّة اسما غير الاسم الذي طُرح في اوّل جلسة وزراء، فهل سيقبل الرئيس ووزير الدفاع؟