الظروف مؤاتية لـ«القاعدة» داخل الصومال

جماعة «شباب المجاهدين» نحن تلامذة بن لادن ونبحث الانضواء تحت رايته

TT

ساد الاعتقاد على مدى فترة طويلة أن الأوضاع في الصومال متردية للغاية لدرجة أن تنظيم القاعدة ذاته تخلى عن محاولات بناء معقل له هناك وسط العشائر المتشاحنة ولوردات الحرب غريبي الأطوار وسكان أضفت عليهم سنوات الفوضى التي عانوا منها قدرا ملحوظا من المكر والبأس.

والآن وبعد أن أسفر البرنامج الأميركي القوي لمكافحة الإرهاب عن إثارة سخط الكثير من الصوماليين، توجد مؤشرات على أن القاعدة «ربما تتوافر لديها الفرصة الأمثل منذ سنوات للفوز بتأييد المتشددين الإسلاميين بمنطقة القرن الأفريقي».

ورغم نفي أو التقليل من أهمية الصلات التي تحظى بها الشبكة الإرهابية داخل البلاد، اعترف زعيم بارز لأشهر الميليشيات الإسلامية داخل الصومال بأن جماعته ترتبط بعلاقات طويلة الأمد مع «القاعدة»، وقال إنه يسعى لتعزيز هذه العلاقات.

وكان مختار روبو، القائد السياسي الكبير داخل جماعة «شباب المجاهدين»، التي صنفتها وزارة الخارجية الأميركية هذا العام باعتبارها منظمة إرهابية، قد صرح قائلا: «إننا نتفاوض حول كيفية الاتحاد في كيان واحد. وسنتلقى أوامرنا من الشيخ أسامة بن لادن لأننا تلاميذه».

وأوضح روبو أنه من المنطقي أن تندمج جماعته مع العملاء التابعين لـ«القاعدة» بالمنطقة بالنظر إلى الحملة الصارمة التي شنتها واشنطن مؤخراً، بما في ذلك الضربة الجوية التي نفذتها في الأول من مايو (أيار) ونجم عنها مقتل الزعيم السابق لجماعة «شباب المجاهدين».

وقال: «تعد القاعدة أم الجهاد في الصومال، ذلك أن معظم قادتنا تلقوا تدريبهم في معسكراتها. واستقينا تكتيكاتنا وإرشاداتنا منها. وقضى الكثيرون بعض الوقت مع أسامة بن لادن».

على الجانب الآخر، أعلن المسؤولون الأميركيون أنه من غير الواضح ما إذا كان التهديد الصادر عن «شباب المجاهدين» حقيقيا أم أنه مجرد خطابات مناهضة للغرب ترمي لإثارة التوتر في صفوف مسؤولي الاستخبارات الأميركية. من ناحيتهم، أشار المحللون إلى أن «القاعدة» تواجه حالياً نفس التحديات التي حالت دون إقامتها قاعدة صومالية لها من قبل، ومن بينها الصراعات على السلطة والنفوذ بين الجماعات الإسلامية داخل البلاد والتنافس بين العشائر المحلية والخلافات القائمة بين من يرمون تركيز الهجمات داخل الصومال ومن يفضلون اتباع الأجندة العالمية لـ«القاعدة».

من جهته، اعترف السفير الأميركي «مايكل إي. رانيبيرجر» بتنامي الصلات بين «شباب المجاهدين» و«القاعدة»، لكنه استطرد بأنها ما تزال في مراحلها الأولى. وقال: «هناك مؤشرات على وجود صلات وثيقة إلى حد ما بين شباب المجاهدين والقاعدة، لكن من غير الواضح إلى أي مدى انعكست هذه الصلات على صعيد العمليات. هل تتلقى جماعة شباب المجاهدين أوامر من القاعدة؟ أعتقد لا، إنها ما تزال تدير شؤونها بنفسها».

في المقابل، قال «روبو» إن «شباب المجاهدين» عملت على تعزيز قواتها خلال الشهور الأخيرة من خلال الاعتماد على تدفق مقاتلين على صفوفها من شتى أنحاء العالم، بما في ذلك كينيا والسودان والعراق وأفغانستان والجزائر وإندونيسيا والشيشان، بل وحتى الولايات المتحدة. يذكر أن قناة الجزيرة بثت في وقت قريب فيديو مصورا لقائد ملثم لجماعة «شباب المجاهدين» يطلق على نفسه اسم «أبو منصور» وتحدث بلكنة أميركية. ولم يتم بعد التأكيد من هويته.

ورفض روبو التعليق على عدد المقاتلين الأجانب أو حجم ميليشيا «شباب المجاهدين»، إلا أن أحد المحللين قدر عدد قوات الجماعة بما يتراوح بين 1.000 و3.000 مقاتل.

كما تحدث روبو للمرة الأولى عن الرغبة في توسيع نطاق نشاطات «شباب المجاهدين» في نهاية الأمر إلى ما وراء الحدود الصومالية، مؤكداً أن الأميركيين، حتى الصحافيين وعمال الإغاثة، ليسوا بمأمن من الهجمات بسبب ما وصفه بـ«عدوان الحكومة الأميركية». وقال: «بمجرد إنهاء جهادنا في الصومال، سننقله إلى أي حكومة شاركت في القتال ضد الصومال أو قدمت العون لمن يهاجموننا».

من جانبهم، يقول المحللون إن مثل هذا الحديث يسلط الضوء على تحول العناصر الإسلامية داخل الصومال إلى التوجهات الراديكالية بشكل متزايد. يذكر أنه رغم وجود متشددين منذ أمد بعيد داخل الصومال، فإن غالبية السكان يتبعون نمطا معتدلا من الإسلام، بل حتى العناصر المتطرفة قصرت هجماتها داخل البلاد أو ضد إثيوبيا التي تعد خصما للصومال منذ فترة بعيدة.

بيد أن البعض يشعرون بالقلق من أن العناصر المتطرفة الصومالية باتت تتبع أجندة أكثر راديكالية، وساعد على ذلك الجهود الأميركية بمجال مكافحة الإرهاب خلال العامين السابقين، بما في ذلك شن قرابة ستة ضربات جوية ضد أهداف إرهابية مشتبه فيها، الأمر الذي نجم عنه في أغلب الأحوال سقوط مدنيين.

علاوة على ذلك، يشعر الصوماليون بغضب عارم إزاء استمرار احتلال القوات الإثيوبية لمقديشو والذي بدأ عام 2006 بهدف إنزال الهزيمة بالحكومة الإسلامية التي تولت السلطة لفترة قصيرة بمساعدة مقاتلي «شباب المجاهدين».

وفي تعليقه على الأوضاع، قال «ريتشارد بارنو»، المحلل المتخصص بشؤون مكافحة الإرهاب لدى معهد الدراسات الأمنية في أديس أبابا، العاصمة الاثيوبية: «بالنسبة للقاعدة، يبدو الوضع موائماً في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن الحكومة الصومالية الانتقالية المدعومة من واشنطن لحق بها الضعف جراء الصراعات الداخلية.

إلا أن بارنو نبه إلى أن «القاعدة» لا تزال تواجه مقاومة من قبل العشائر الصومالية الكبرى التي لا تبدي حتى الآن اهتماماً كبيراً بشن هجمات ضد الغرب، وتشعر بالاستياء حيال الهجمات الضخمة التي تحمل توقيع «القاعدة»، خاصة عندما تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين. كما يشعر زعماء العشائر بالتردد حيال السماح لرجالهم بالقتال جنباً إلى جنب مع «القاعدة» خارج الصومال.

وأضاف بارنو: «أي تحرك باتجاه القاعدة ربما يثير سخط العشائر، وليس باستطاعتهم (شباب المجاهدين) تحمل تبعات ذلك نظراً لأن العشائر تمدهم بالمقاتلين».

وأشار بارنو إلى أن جذور جماعة «شباب المجاهدين» تعود إلى فترة انهيار النظام العسكري بقيادة محمد سياد بري عام 1991، وهي المرة الأخيرة التي كانت تتمتع فيها الصومال بحكومة عاملة. وأضاف أنه بمساعدة فريق من المقاتلين أرسلهم بن لادن، تمكن مقاتلو «شباب المجاهدين» من قتل جنود أميركيين عام 1993، بما في ذلك إسقاط طائرة مروحية من طراز «بلاك هوك»، مما أدى إلى مصرع 18 جندياً أميركياً.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»