السود في أميركا يتخوفون من المجازفة بالحقوق المدنية في ظل فوز أوباما

البعض يتساءل: هل الصراع الذي دام أمدا طويلا للمساواة قد تم الفوز به؟

TT

قال رودريك جيه هاريسون، عالم الاجتماع في جامعة هاورد ومستشار المركز المشترك للدراسات الاقتصادية والسياسية، وعالم ديموغرافيا ينتمي إلى طبقة السود الأميركيين، إنه سيحس بالزهو عندما يصبح أوباما أول مرشح أسود للرئاسة ليقود حركة حزبه خلال الانتخابات. غير أنه في وسط خضم الإعداد لانعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي تتضاءل الفرحة أمام أعين هاريسون حيث يتساءل: هل سيعزز نجاح أوباما الشعور بأن الصراع الذي دام أمدًا طويلاً للمساواة بين الأجناس قد تم الفوز به ؟ وقد تلقى أوباما دعمًا كبيرًا من الناخبين السود الذين يؤمنون بقدرته على تجاوز الانشقاق العنصري بين أبناء أميركا. غير أن بعض السود من المفكرين والباحثين والمدونين وآخرين يتابعون الحملات الانتخابية عن كثب أبدوا قلقهم من أن إنجازات أوباما التاريخية ربما تجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة له حشد التأييد لسياسات محاربة التفرقة العنصرية والفقر.

فهم يخشون من أن يقرر العدد الكبير من الناخبين والمشرعين البيض أن إلغاء التمييز العنصري والفرص المتساوية بين الجنسين أمر واقع فعلاً.

ويقول هاريسون: «ما أخشاه هو أن هناك شريحة معينة من الناخبين يصعب الوصول إليها، وهم مواطنون عاديون ما إن تحاول إقناعهم حتى يقولون لك: «ربما يكون لدينا رئيس أسود، لذا فإننا قد تجازونا مرحلة التفرقة العنصرية» ويكمل هاريسون الذي يخشى أن يلقى باللائمة على كاهل الفقراء السود لأنهم السبب فيما آلو إليه: «إن ذلك هو مصدر الخطر، أن نعلن الانتصار على شيء لم يتحقق بالكامل، فاللحظات التاريخية كهذه لا تعني انتصارًا حقيقيًا في الصراع اليومي الدائر».

تلك المخاوف تثار منذ شهور في دوائر المفكرين السود في الأحاديث الإذاعية والمدونات وفي حفلات العشاء واللقاءات الأكاديمية والرسائل الإلكترونية التي ترد من جميع أنحاء أميركا. ربما تكون تلك المخاوف غير مبررة في نظر مؤيدي أوباما الذين قالوا إن نجاح مرشحهم ـ الرجل الذي يمكن أن يصبح أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية ـ قد يضفي بعض الصعوبة على تنفيذ أجندة سياسة عامة طموحة تساعد السود. وقال أحد مساعدي أوباما من السود إن أوباما ذاته نادرًا ما يهتم بقضايا التفرقة العنصرية والفقر خلال حملاته الانتخابية.

بينما يرفض بعض المساندين الآخرين لأوباما الفكرة بأن نجاح أوباما ربما يقوض دعم سياسات تدعم المساواة بين السود والبيض. وقالوا إن الناخبين السود يجب أن يحشدوا طاقاتهم لا للتركيز على المناقشات التأملية بل لمساعدته بدلا من ذلك على الفوز بالرئاسة لأن تصميمه على وضع حلول لمشكلات فشل المدارس والبطالة وسوء الرعاية الصحية سيفيد السود أيضًا. وخلال الشهر الماضي كان هناك حوار ساخن جدًا عندما قامت صحيفة «ذا رووت (جذور)» التي تنشر على شبكة الإنترنت بنشر مقال بعنوان «الرئيس أوباما: هل هو نجاح ضخم أم تراجع سري؟».

وكتب لورانس بوبو، عالم الاجتماع بجامعة هارفارد الذي يدعم أوباما والذي أورد في إحدى مقالاته المخاوف التي عبر عنها بعض الأصدقاء والزملاء «إذا ما أصبح أوباما رئيسا فكل السود الذين يشعرون بالغبن وكل الذين يحاولون الحصول على حقوقهم، سينبذون». وقال بيف سميث مذيع الراديو الذي يقدم برنامجه من بيتسبيرغ ويذاع على المستوى المحلي إن عددًا من ضيوفه السود عبروا عن نفس مشاعر القلق تلك فيقول: «هناك ادعاء يقول بأننا حققنا ما كنا نصبو إليه، وما يقلقنا هو أننا سنضيع في غمرة ذلك الجدل».

تلك المخاوف من جانب السود انتقدها بعض المعترضين على ضرورة اتخاذ إجراء حاسم بالقول إن الاحتجاج بالتفضيل في مجال التعليم أو العمل على أساس اللون أمر غير منطقي بالنظر إلى ما حققه باراك أوباما ونمو الطبقة الوسطى من السود. وتقول ثرنثتروم الأميركية البيضاء إن الأكاديميين البيض والسود الذين يشعرون بالقلق من تأثير إنجازات أوباما أصبحوا الآن في حالة من «التشاؤم». وتضيف: «سواء أربح أو خسر، فمجرد أن يصبح رجل أسود حامل لواء أحد أكبر حزبين فإن ذلك يعني الكثير، إذ يعني ذلك أن الطريق الذي بدأناه من قبل في 1965 بإقرار قانون حق التصويت قد شارف على الانتهاء ولسنا بحاجة إلى الحديث عن التمييز بأي حال من الأحوال».

وقد تحسنت أحوال الأميركيين السود منذ الستينيات. وفي الوقت الذي شهد أوج النضال ضد التمييز العنصري، تزايدت أعداد المتعلمين السود وانخفضت نسبة الفقر. وقد أظهرت الإحصاءات الرسمية أن 17% من السود حصلوا في عام 2004 على درجة البكالوريوس مقارنة بنسبة 5% في عام 1970، بينما حصل 30% من البيض على درجة البكالوريوس في ذلك العام. وفي عام 2005 كانت النساء من السود المتعلمات اللاتي كن يعملن بدوام كامل كن يحصلن على أجور أكبر من نظيراتهن من البيض. غير أن هناك فجوة واضحة لا تزال قائمة بين البيض والسود، فربع السود في أميركا يعيشون تحت خط الفقر، كما أورد التقرير، مقارنة بـ 8% من البيض، كما أن متوسط دخل السود يقدر بحوالي 30.200 دولار، أي يقل عن ثلثي دخل نظرائهم البيض البالغ 48.800. وتشير الدراسات إلى أن أرباب العمل يفضلون الباحثين عن العمل من البيض حتى وإن كانت مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم الوظيفية لا تناسب العمل المتقدم إليه.

تلك التناقضات ربما تفسر الاختلافات في الرأي الراسخة بين البيض والسود.

وأظهر الاستطلاع الذي أجرته «نيويورك تايمز» وشبكة «سي بي إس» الإخبارية الشهر الماضي أن 53% من البيض قالوا إن السود والبيض يتمتعون بنفس الفرص في التقدم في المجتمع، بينما لم يوافق على هذا الرأي سوى 30% من السود.

وقد أفاد خمسة وخمسون بالمائة من البيض بأن العلاقات مع السود تتميز بأنها جيدة ووافقهم في هذا الرأي 29% من السود، بينما قال ما يقرب من 60% من السود إن العلاقات مع البيض سيئة في الغالب.

وتقول إليجاه إي كامنجز، وهي عضو في الكونغرس عن ولاية ميريلاند والتي تدير الحملة الانتخابية لأوباما في ولايته: «عدد قليل من أصدقائي في البيت الأبيض مع كل ما حققه باراك أوباما. فهل نحن الآن في موقف يسمح لنا بتنحية الخلافات حول المساواة العرقية؟». وقد أفادت كامنجز بأنه وضعت أمامهم الإحصائيات حول المشاكل العالقة من التمييز في مجال التعليم والصحة والدخل، وتقول: «أتمنى من كل أصحاب العقول التقدمية ألا يعولوا على نجاح أوباما وأن بإمكان الجميع أن يحظى بنفس الفرصة».

وكان أوباما يتطرق في حديثه بين الحين والآخر إلى تلك النقطة مشيرًا إلى أن الترشح للرئاسة لن يحل المشكلات العالقة من عدم المساواة العرقية.

فيقول في إحدى خطبه خلال السباق الرئاسي في مارس (آذار): «من السذاجة أن نعتقد أن بإمكاننا تجاوز التفرقة العنصرية في مجتمعنا خلال دورة انتخابية واحدة، أو بترشيح وحيد».

وقد وعد أوباما بأن يرفع من الحد الأدنى للأجور والتوسع في إتاحة المنازل الرخيصة وتقديم تمويل كامل لقروض الإسكان وإنشاء مكتب في البيت الأبيض للشؤون الحضرية كجزء من خطته للنهوض بالمناطق الحضرية. ويقول أحد مناصري أوباما من السود إن أوباما سيرتكب حماقة كبيرة إذا ركز على قضايا التفرقة العنصرية خاصة أنه في حاجة إلى أصوات الناخبين البيض الذين يمكنهم أن ينأوا عنه إذا ما تطرق إلى مثل هذه الموضوعات.

ويقول جباري آسيم، وهو محرر في مجلة «إن إيه إيه سي بي ذا كريسس» مرددًا نفس الكلمات التي قالها كاتب ومحرر آخر: «أعتقد أن الكثيرين يعلمون أنه لا يستطيع الخروج إلى العلن للحديث بشأن الأجندة الأفريقية الأميركية». ويبدي البروفيسور هاريسون قلقه من عدم قدرة إدارة أوباما، حال فوزه، على التعامل مع قضايا التفرقة العنصرية.

لكنه لا يزال في انتظار تلك اللحظة التاريخية في حياة أوباما ويأمل في أن يؤدي ترشيح أوباما إلى حوار وطني حول العلاقات العرقية، كما أن التغير على الصعيد السياسي يعطي أملاً في إمكانية بروز استراتيجيات جديدة تتعاطى مع ميراث أميركي من التعامل حسب لون البشرة. ويقول هاريسون: «إن تلك الاستراتيجيات ستغير طريقة النقاش بدون شك، بل وربما تكون أداة لجعل المزيد من الناس يتحدثون حول نفس النقاط، وربما تعمل أيضًا على فتح فصل جديد من الحوار».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»