عواد ترك ابنته وعمرها شهر ليعود إليها في المدرسة.. وغادة أبو عمر ابنة العامين ترى الحياة بدون سجانين

قصص وحكايات من أفواه الأسرى المحررين

سيدة فلسطينية تلوح بيديها لابنها احد الاسرى المفرج عنه لدى عبور الحافلة التي تقلهم, حاجز بتونيا غرب رام الله امس (رويترز)
TT

كانت أماني ابنة الـ17 ربيعا، كريمة النائب السابق حسام خضر القيادي في حركة فتح وابن مخيم بلاطة شرق نابلس، تنتظر عناق والدها على أحر من الجمر وتراقبه من على بعد أكثر بشوق كبير من 5 سنوات غياب، وهو يقف الى خلف الرئيس محمود عباس (ابو مازن) خلال المهرجان الاحتفالي الذي أقيم له ولبقية الأسرى في مقر الرئاسة برام الله. وعندما التقى حسام ابنته أماني التي تركها طفلة ويعود اليها عروسا، وابنه احمد وابنته اميرة، قال لـ«الشرق الأوسط» في محاولة لوصف تلك اللحظات «أنا غير قادر على الوصف والتعبير». وفي مقر المقاطعة في رام الله وعلى مداخل المدن وفي الشوارع، كان العناق حارا جدا والجماهير تزحف زحفا لملاقاة الأسرى المحررين. وبعضهم كان بحاجة لمزيد من الوقت لكي يتعرف على ملامح ابيه بعد 28 عاما، كما كان ابو علي يطا بحاجة لان يتعرف على ملامح ابنائه كما كان حال زياد عبد الرحيم حمزة عواد.

وزياد عواد، اعتقل وطفلته ندين لم تتجاوز من العمر شهرا واحدا، ليعود اليها وعمرها يقارب الست سنوات.. طفلة دخلت المدرسة وقادرة على الحديث بل الحوار.

وزياد عواد هو بالفعل ابن أبيه كما يقولون، إذ سار على خطى والده في الأسر. فقد قضى والده عبد الرحيم عواد العديد من سنوات شبابه في السجون الإسرائيلية بتهمة الانتماء الى حركة فتح وتنفيذ عمليات عسكرية. وكان آخر مرة يعتقل فيها عبد الرحيم عواد في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي ولمدة 3 أشهر، إذ أفرج عنه في 27 ابريل (نيسان) وذلك بتهمة وجود ذخيرة في منزله.

وزياد كما قال لـ«الشرق الأوسط» اعتقل في 5 مارس (آذار) 2003 بتهمة تشكيل خلية مقاتلة وحكم عليه بالسجن لمدة 14 عاما قضى منها في السجن 5 سنوات ونصف السنة. وأضاف عندما سئل ان كانت طفلته قد تعرفت عليه لدى وصوله الى داره في مدينة طولكرم أمس (احتاجت الى بعض الوقت لتربط بين الواقع والصورة.. وها هي الآن في حضني لا تفارقني».

وقال زياد، 28 عاما، انه تلقى خبر الإفراج عنه من بين مجموعة من الأسرى عبر الإذاعة الإسرائيلية حيث ورد اسمه ضمن بقية الأسماء. وفي اليوم التالي أبلغته إدارة السجن وزميل آخر له اسمه محمد سليم من بلدة عزون المجاورة لمدينته، من نفس السجن وهو سجن هشارون وسط اسرائيل، بأمر الإفراج. ونقلا معا يوم الثلاثاء الماضي الى سجن عوفر القريب من مدينة رام الله، حيث التقى مع بقية الأسرى الذين سيفرج عنهم. وعن مشاعره لدى سماعه خبر الإفراج عنه وهو المحكوم لـ 14 عاما، قال انه عاجز عن وصف مشاعره، واستطرد قائلا «لكنها فرحة لا توصف، كما انها لم تكتمل مع بقاء بقية الإخوة في السجون».

وحول أحاسيس الأسرى الذين خلفهم وراءه، قال «كانوا فرحين لنا ومعنوياتهم عالية. وأتمنى من الله أن يكون يوم الفرج عنهم قريبا».

وواجه زياد عواد وبقية زملائه، حرب اعصاب اسرائيلية، اذ كان يبلغون بموعد الإفراج عنهم ثم يغيرون الموعد ليتحدثوا عن موعد آخر. وقال «ان الكثير من الزملاء وأنا منهم لم نصدق ما نسمع حتى وضعنا في حافلات وعبرنا معبر بيتونيا (غرب مدينة رام الله) حيث كان في استقبالنا الأهل والأصدقاء وجماهير غفيرة».

ويكمل قائلا «ومن هناك انتقلنا بالحافلات أيضا الى مقر الرئاسة حيث كان في استقبالنا الرئيس محمود عباس (ابو مازن). وبعد هذا المهرجان، انتقلت مع الوالدة وبقية الأقارب الى طولكرم. ومنذ الوصول وحتى الآن والناس يتوافدون بالمئات لتقديم التهاني».

ولأول مرة، ترى غادة جاسر أبو عمر، ابنة العامين ونصف العام، الحياة، كما هي، بدون جدران ضيقة وزنازين وقضبان حديدية وسجانين. وتبدو مأخوذة بالجماهير التي لم تعتد على رؤيتها طوال عمرها القصير الذي قضته الى جانب أمها في غرفة مترين في 3.

وحتى هذه المرة فإنها لن ترى أباها الذي يقضي، هو الآخر، من بين 11 ألف أسير حكما بالسجن 4 سنوات. لكنها تتدرب على التعامل مع اقربائها. وقالت خولة الزيتاوي التي افرج عنها امس مع ابنتها «انها، اي غادة، تحاول التأقلم مع الناس ومع شقيقتها التي تكبرها بعامين».

وتشعر خولة الزيتاوي، انها تعيش بخلاف كل الأسرى المحررين فرحتين، الأولى لأنه أطلق سراحها، والثانية لأن ابنتها تحررت من عقدة الأبواب المغلقة التي لم تكن تفتح أبدا لبكائها المر. الا ان الصغيرة غادة التي يتلقفها أهالي قرية جماعين قضاء نابلس بلهفة وشوق، «تشتاق» كما يبدو لرفيقها يوسف البالغ من العمر عاما ويقضي هو الآخر داخل السجن حكما طويلا مع امه التي كانت صديقة للزيتاوي.

وقالت الزيتاوي «لقد أحبا بعضهما بعضا وتعلق كل بالآخر، انها تسألني عن يوسف وعندما ترى طفلا تقول انه زي يوسف (يشبه يوسف).

وقضت غادة مع امها 20 شهرا في المعتقل. وكانت الطفلة مريضة، فطلبت الأم ان تلتحق بها، لأنه لا يوجد من يرعاها بسبب غياب ابيها في السجن. وتصف الزيتاوي أيام الاعتقال بالصعبة وان ابنتها لم تستطع قط التأقلم مع الظروف الصعبة، والأمكنة الضيقة، مما استدعى نقلها الى المشفى لتلقي العلاج قبل ان تعود مرة اخرى الى السجن. ويعلو صوت الصغيرة أكثر فأكثر وهي تلعب لأول مرة مع شقيقتها، وتعود الى بيتها المهجور منذ 20 شهرا. وهي تسأل تارة عن الصغير السجين يوسف وتارة عن صور ابيها ومتى سيعود.

وفي جنين، ظل محمد قبها، حتى وقت متأخر يقبل أهل مدينته، ويصف مشاعره بالمختلطة. وقال لـ«الشرق الأوسط» بعد 7 سنوات من السجن وجدت صعوبة في ترك أصدقائي ورائي. أنا سعيد للحرية وحزين على اصدقائي». ويرى قبها، أن الإفراج عن الأسرى كان خطوة متقدمة في ظل الوضع المتردي بدون أي أفق سياسي. وأضاف نحن فقط متفاجئون من الذين حاولوا التقليل من خطوة كهذه. وشهدت معظم مدن الضفة الغربية امس، مهرجانات استقبال للأسرى المحررين. وكان الحضور الجماهيري لافتا الى الحد الذي كان فيه من الصعب الوصول الى اي منهم. وحتى عائلات الأسرى لم تتمكن حتى لعدة ساعات من الالتقاء بأبنائها كما يجب. كانوا جميعا يتعرفون الى بعضهم البعض من جديد.